د. محمد الندابي

متخصص علم نفس اجتماع
آراء

المطبات العاطفية وأنتولوجيا التنوير

بقلم : د. محمد بن صالح بن علي الندابي

Advertisement

يسعدني أن أستطرد حديثي حول النفس الهو ، والنفس الأنا ، وقد مررنا بخمسة مقالات سابقة رأينا من خلالها أن النفس ما إن تقرر الارتقاء نحو السمو ، حتى تتدرج في تطورها ، وما إن تتطور حتى تقوم قائمتها فتثور نحو أنتولوجيا العالم الخارجي المتطور ، ثم بدأنا السير للإرتقاء تاركين ورائنا الأنا المنهزمة أو الأنا الغريزية المتدنية.

وفي هذا المقال وهو السادس من سلسلة تطور النفس الأنا سنطرق على أبواب اليقظة ، كي ندفع عن عالمنا كمية الضباب الذي يحجب رؤية الحقيقة حتى نستيقظ على نور المعرفة.

Advertisement

إن أنتولوجيا التنوير للمطبات العاطفية : هي أحد نوافذ الحصول على المعرفة. تلك المعرفة التي تنكشف من خلالها حقيقة كانت تحت الضباب الكثيف ، وما أن نفهم آلية فتح هذه النافذة ، حتى ندخل إلى دهاليز الصحة التي تتطلبها بقية أجهزة أجسامنا ، ليتبدد ذلك الضباب وينقشع .

إنني وفي المقال الخامس بعنوان قيامة الأنتولوجيا من هذه السلسلة ذكرت بأنه يجب عليك العمل على إيقاظ أركان الصحة والمال والثقافة ، كما ذكرت لك كيف أن هذه الأركان تنبع أساسا من مقدار قدرتك على إشعال عزيمتك النفسية ، وحتى تتضح لديك صورة جديدة حول مسألة المطبات العاطفية ودور أنتولوجيا التنوير في الكشف عن الضبابية التي تحيط بها.

إن النفس البشرية هي أحد المعجزات الكونية شديدة التعقيد في واحدة من تقنيات صنع وإعجاز الخالق العظيم ، ذلك لأن كل نفس تحمل بصمة ، لا يمكن لنفس أخرى على هذا الكوكب أن تحمل ذات البصمة من حيث تفاعلاتها الغريزية والتحليلية ، وسوف أقدم لكم عرضا مختصراً لبعض هذه النفوس ذات المعاناة العاطفية دون أن يكون لنا سابق معرفة بمقدار ما تعاني منه من ضجيج صاخب وفوضى عارمة وتشتت قهري.

وأبدا بالحديث عن النفس التي تسعى لتغيير مزاجها من لحظة وأخرى ، ونادرا ما تهدأ لتستقر في ثبات عند لحظة معينة ، حتى تعود لتربك مزاجها العاطفي من جديد في حركة مستمرة ومزاج عاطفي شديد التوتر ، تنقلها هواجس مجهولة من لحظة حزن إلى فرح إلى ندم إلى ضحك إلى بؤس إلى سعادة إلى غضب في أوقات متقاربة وبلا أسباب مقنعة ، إن هذه الحالة المربكة هي المطب العاطفي السيئ والذي يجب أن يخضع بالضروره للتحليل النفسي وليس للعلاج السريري ذلك لأن هذه الحالة بحاجة فقط إلى ترتيب ملفات الدماغ ، وفرز المواضيع المبعثرة داخل غرف الذاكرة ، وأن اللذين ليس لديهم مزاج متوتر كهذا ، فهم الأكثر أريحية من حيث الاستقرار والمزاج العاطفي المناسب.

أما المطب العاطفي الآخر فإنه يحمل عدداً من الوجوه ، فالوجه الأول يحكم الشخص على نفسه التشبث بإختيار أصحاب محددين ولا يفسح المجال أمام صحبة جديدة لتتنوع المعرفة والاكتشافات الأخوية وإيجاد مزيج من العلاقات ، وآخرون يتمسكون باختيار لون معين وتهيمن عليه حاله من الإصرار بالتمسك بهذا اللون ، رغم انه من الطبيعي أو من المنطقي أن ترى بأن كل الألوان جميلة وتليق في مكانها المناسب ، إلا أنه يقيد نفسه ويغلق نافذة القبول بالإختلاف الطبيعي بين الألوان ، وهذا ينطبق أيضا على من يتشبث باختيار ماركة معينة من العطور مثلاً رغم أنه ومن الطبيعي تقبل الروائح الجميلة بأنواعها المختلفة ، ومنهم من يتشبث بارتياد أماكن أو طرق أو محلات تجارية أو مطاعم معينة ، بينما من الطبيعي أن يكون لديك فضول وشغف للاكتشافات والإختيارات المتعددة.

يمكن أن تصبح هذه الحالة قهرية عند بعض الناس ، حيث إن هذا المطب العاطفي كمن وضع نفسه أمام إشارة مرور حمراء اللون عندما تضيء تلك الاشارة إلى اللون الأصفر تعود مرة أخرى للون الأحمر ، فيبقى الانسان صاحب هذا الاحساس ملتزماً ذلك السلوك العاطفي المتكرر لدرجة الإيمان أو الإعتقاد بأن هذا هو السلوك الصحيح ، وهذا الأمر في الحقيقة يؤدي إلى هدر كثير من الوقت من عمرك حيث يفوتك التطور والتنوع والإكتشاف والإنخراط في مجريات الزمن ، كذلك يجب أن يُعرض صاحب هذا الشعور حالته للتحليل النفسي وليس للعلاج السريري .

أما المطب الثالث فهو حالة التشبث والإعتقاد بأن الدواء الذي يصرفه لك الطبيب هو فقط الذي يجلب لك الشفاء ، وآخرون يتشبثون بالمكملات الغذائية على أنها هي الشافية لهم ، والبعض يلتزمون نوع من الأكلات يتم طهوها داخل المنزل ولا غيرها ، فهؤلاء وخصوصا من يتشبث بأن الدواء الذي يصرفه الطبيب هو الذي يجلب لهم الشفاء قابعون داخل زاوية يدق فيها ناقوس الخطر لتدهور صحتهم البدنية ، ذلك لأن التنقل بين الصوم والأكل الخفيف تارة وتنوع الأكل وخلط مائدة الطعام والمكملات الغذائية تارة أخرى هو ما يعطي للجسم المعادن التي يبحث عنها والفيتامينات والبروتينات والمواد الغذائية التي يعوض بها النقص من أثر إستهلاكها المستمر داخل الجسم ، فيجب عرض الأمر للتحليل النفسي.

وحتى نمضي في هذه السلسلة من المقالات الإنتولوجية الهادفة إلى تغيير السلوك الذي يمنحك القدرة على كسر الصندوق الذي ومن غير قصد وجدت نفسك قابعا مرتهنا بداخله تابع معنا القراءة العميقة ، وإلى ذلك الحين أراكم على خير .

د. محمد بن صالح بن علي الندابي

متخصص علم نفس اجتماع

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى