د. محمد الندابي

متخصص علم نفس اجتماع
آراء

أنتولوجيا الحركة والمحفزات النفسية الغددية

بقلم د. : محمد بن صالح بن علي الندابي

Advertisement

يسرني أن ألتقي بكم من جديد في اللقاء الحادي عشر من سلسلة مراحل تطور النفس الأنا وتوجهها الأنتولوجي ، نحو التخلص من القيود الغريزية التي تبطئ مسيرة تقدمها أو تؤدي إلى توقفها تماما نتيجة لعدم فهم آلية التعامل معها.

وفي مقالي الفائت بعنوان أنتولوجيا التمثيل الغذائي عرفنا أن الغذاء فلسفة مستقلة وله تأثير كبير على الهواجس النفسية ، واليوم نحن في صدد الحديث عن محتوى جديد يشكل نقطة فاصلة في استنهاض قدرات الطاقة الكامنة لديك.

Advertisement

أخي القارئ الكريم إن طلب العلم يقتضي عليك الصبر والجلد وأن الحصول على المعرفة يتوجب عليك التحمل في تسخير الوقت والجهد والمال ، وقد ذكرت لك ذلك لأن هذا المقال سوف يكون الأطول بين المواضيع السابقة ، لأن الاسهاب فيه ضرورة لا بد منها فلا تتذمر من الاطالة ويمكن القراءة على مراحل.

إن الدوافع والمحفزات الداخلية والتي تحث المستقبلات لدينا بالتزامن مع العوامل والمستثيرات النفسية إنما هي المحركات التي تدفع أجهزة الجسم للاستجابة على تلبية الحاجة ، لتشغيل ميكانيكا الحركة في عملية بالغة التعقيد ومرتبطة تماما مع المشغلات التي تحفز أجهزة الجسم لبدء أي حركة سواء داخلية أو خارج الجسم.

إن وقوفنا أمام تلك الهندسة بالغة التعقيد تجعلنا نقول دوما سبحان الله العظيم ، فإن كل شيء يتحرك حولك فانه يتحرك بما يلائم طبيعة ذلك الشيئ أو المخلوق الذي أوجده الله على هذه الأرض ، فلو سألنا الزواحف التي تزحف على بطونها ولا أرجل لديها ، لأخبرتك بأن حياتها مثالية من حيث مرونة الحركة والتنقل بسرعة وسبل العيش الأخرى ، كذلك الطيور ستخبرك بأنها سيدة السماء ولا حاجة لتغيير نمط عيشها ، والحوت في البحر يشعر بسعادة كبيرة ولا يتمنى أن يفارق المياه فهو يقفز ويناور ويجري بكل حرية ، أما الحشرات فهي عالم مهيب ، والنحل في مقدمتها ، ولكل كائن على هذه الأرض وله عالمه الذي يتكيف فيه بمرونة فائقة الابداع سواء التي نراها أمامنا أو تلك التي نكتشفها بالأجهزة الميكروبية الدقيقة.

أما أنت أيها الإنسان والحديث هنا حول أعظم وأهم من على الأرض وهو أنت ، فإن عالمك هو الأشد تقنية وقد أوجد الله الكائنات كلها لأجلك أنت ، فان جسمك معد لكي يلائم كل الظروف ، وأن أعضائك البدنية تعمل بتناسق فائق المرونة ، فلو لم يكن لديك إصبع الابهام مثلا ستجد هناك نقصا كبيرا في قدرتك على القيام بكثير من الأعمال مقارنة مع الذي يمتلك خمسة أصابع وأهمها كيفية الأكل.

إن ديناميكية جسم الانسان في هندسة تناسق أعضائه وتوافقها مع حركته ومقدار دورانه وزاوية ميوله بالنسبة لوضعية تمركز العظام والغضاريف وتوافق أماكن تموضعها مع انسيابية حركة العضلات والأعصاب الرابطة وذلك الابداع الكبير في شبكة الشرايين الدموية تحكمها أكبر مضخة للدم ألا وهي القلب ، هذه المضخة تعمل ليل نهار سنوات العمر كلها دون توقف.

إن أنتولوجيا الحركة والمحفزات النفسية الغددية هو الموضوع المكمل لموضوع أنتولوجيا التمثيل الغذائي ، فاذا كانت فلسفة تناول الغذاء ستمنحنا الطاقة الحرارية فإن فلسفة الرياضة ستمنحنا الصحة مثلها كباقي العلوم الضرورية لإسعاد حياة الانسان.

إن جسمك يحتوي على “ثلاثمائة وستون” مفصلا ، وهذا الاكتشاف قريبا تم الاعتراف به علميا ، تلك المفاصل إن لم تقم بتحريكها فحتما ستصاب بالتراخي وعلى مرور الأيام وعدم الحركة ستصاب بالفشل المفصلي يتبعه تراخي عضلي وتراخي في الأعصاب.

إن المفاصل الثلاثمائة وستون تلك تلتف حولها مجموعة كبيرة من الأعصاب والعضلات والغضاريف والسوائل ، فان بقيت بلا حراك مدة طويلة أو كانت الحركة لا تكفي فحتما سيصاب أحد أو أكثر تلك المفاصل بتآكل غضروفي أو خلل في الأعصاب أو خمول في العضلات ، وربما ستتحول تلك المشاكل إلى العظام وتؤدي إلى هشاشة العظام وكذلك بعض الجلطات التي تحدث داخل أعضاء الجسم.

إن الاهتمام بالتغذية السليمة لا يكفي لأن يكون جسمك لائقاً بدنياً ، فلابد أن تمارس الرياضة على الأقل كل يوم ساعة واحدة وأبسطها رياضة المشي ، ولمن لا يجد الوقت فيمكن ممارسة الرياضة داخل غرفة البيت وأبسط ما تمارسه في غرفة البيت هو رياضة نط الحبل التي يقول عنها خبراء الرياضة أنها تمثل صالة رياضية مكتملة.

إن استنهاض القدرات فائقة التطور التي نسعى إلى تحقيقها عبر حواراتنا هذه لمن الضرورة الوفاء بالتزاماتها ، وهنا لا بد أن أوجه لك دعوة أخرى مرادفة لموضوع حركة أعضاء الجسم ، فلابد من الوقوف على العامل التالي وهو : المحفزات النفسية الغددية وأثرها على عمل إفرازات السوائل التي يستهلكها الجسم ، وأن الاسهاب في هذا الموضوع هو ما يدفعنا للوصول إلى الخطوة الذهبية القادمة ذلك لأن معرفة عمل محفزات الافرازات الغددية يُعد بالغ الخطورة لأهميته القصوى في محاور حديثنا القادمة حول هذه القضية.

يلح عليك جسمك في أغلب إن لم يكن كل الوقت على طلب إفراز السوائل التي تحرقها الأعضاء نتيجة للتمثيل الغذائي ، فمنها يتكون على شكل الماء مثل العرق والبول والدموع وبعضها أكثر كثافة مثل اللعاب فأكثر مثل المادة المخاطية فأكثر كثافة مثل السائل المنوي فأكثر مثل التلبدات الذي تحدث في الجيوب الأنفية لانتاج مادة أكثر كثافة والذي يأتي عادة بعد زوال الزكام مثلاً.

أما الجسم من الداخل فهناك إفرازات غددية لا حصر لها وأبرزها الافرازات الحمضية التي تفرزها المعدة لأجل هرس الطعام ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى منافذ مخصصة لاخراج تلك الافرازات على شكل مسامات أو جيوب أو مجاري.

وأبدأ هنا بهذا التمرين البسيط :

وعن طريق خيالك العظيم هل تستطيع زيادة نسبة اللعاب في فمك ، لو تخيلت أنك تتذوق حامض الليمون ؟ هل سال اللعاب لديك مجرد أن تخيلت تذوق حامض الليمون ؟ تخيل أنك تعصر نصف ليمونة في فمك الآن ، حاول مراراً هل يتدفق اللعاب ؟ إذا كان الجواب : كلا فتأكد بأن لديك مشكلة في عمل الغدة النخامية حيث أنها لا تعطي الاشارة الصحيحة لعمل الغدة اللعابية ، أو تجد صعوبة في استقبال الاشارات الخيالية ما يثبت أن هناك عدد من الاشكاليات النفسية ، وليس مجرد عطل في المحفزات الغددية فقط ، عليك مراجعة محلل نفسي وليس الطبيب لأن الأسباب من وراء ذلك هو عدم جاهزية المحفزات ، وكذلك المستقبلات التي تقوم بارسال الاشارات عبر الخيال إلى الغدة النخامية نتيجة غياب عاطفي سلوكي معين سيكشفه لك المحلل النفسي.

ومن هذا المنطلق سنبدأ حديثنا الشيق حول المحفزات النفسية وأثرها على عمل الغدد التي تنتشر بكثافة في أرجاء جسمك ، والتي جعلها الله منقذاً لك لأجل تقديم كثير من التسهيلات الضرورية والتي يلح جسمك على إفرازها نظرا للحاجة إليها واستخراجها من منابعها.

إنه وفي حال وجود مشكلة في عملية تسهيل تلك الافرازات الغددية فمن الوارد حتما حدوث مشكلة أو عدد من المشاكل أهمها ضعف المستقبلات الحسية.

إن على رأس كل عضو من أعضاء جسمك هناك كنترول ذلك الكنترول هو من يقوم بتوزيع المهام على العضو الذي يطلب إفراز السائل المناسب ، وهنا يأتي دور الغدة النخامية لأنها هي الكنترول الرئيسي لكل الغدد لكونها الغدة الوحيدة المتصلة مباشرة بالدماغ الذي يسمح بمرور الأوامر حسب حاجة الجسم للتدفقات المطلوبة.

إن الغدة النخامية لا تعطي الأوامر لعمل باقي الغدد إلا إذا كان هناك محفز نفسي مبني على الرغبة أو الالحاح في الطلب ، ذلك المحفز هو الدافع الرئيسي لتدفق السوائل المطلوبة وقد أعطيتك مثال حول عصير حامض الليمون حيث أن الخيال الذي استعملته بدافع نفسي هو ما يمثل المحفز وأن تدفق اللعاب هو ما يمثل الاستجابة المنطقية لعمل الغدد اللعابية حينما استعملت خيالك الكبير في استثارة الغدة النخامية لاعطاء الأمر بتدفق اللعاب أما في حال عدم أو ضعف في الاستجابة فان هناك خلل ما في أحد أو بعض تلك الأجهزة البالغة الحساسية.

إن هذا ما يحدث تماما في أجهزة جسمك من الداخل تمتلئ المثانة بالسائل البولي فتعطي الاشارة للغدة النخامية تمرر تلك الاشارة إلى الدماغ الذي يسمح فورا بتسهيل عملية إخراج السائل البولي ، فتصدر الغدة النخامية أمرا عاجلا إلى الحساسات الموجودة في مجمع المثانة تلك الحساسات تقوم باعطائك إشارة الاستعداد لاخراج السائل البولي فما عليك إلا أن توفر المكان المناسب للتصريف ، وهذا ما يحدث تماما عند الرغبة في تناول الطعام فتشعر بسيلان كبير في الغدد اللعابية عند استقبال الطعام ، ولا يمكن أن تمضغ الطعام بلا لعاب ولا أن تخرج فضلات الطعام إلا بوجود كنترول منظم يطلق إشارات إلى الغدة النخامية ومنها إلى الدماغ ليعود الدماغ بالسماح لها بتمرير الاذن للكنترول المرسل للتصريح النهائي ، وهذا ما يحدث عند إفراز العرق ، فسبحان الله الصانع.

إن عمل الغدد معقد جداً وهو يعتمد على المحفز النفسي أولاً ومن ثم المحفزات الطبيعية التي ترافق تهيئة الظروف المناسبة حتى أن كمية الافرازات أي مقدار السوائل ونسبتها يعتمد على قوة المحفز النفسي الذي يتوفر لديك ، فمثلا عندما يضعف محفز إفراز الحيوانات المنوية ستظهر مشكلة الانجاب والخصوبة كذلك البويضات بالنسبة للمرأة ، وعندما لا يتوفر محفز إفرازات سوائل إخراج العرق تأتي مشكلة حدوث الأمراض من أثر عدم إخراج السموم عبر مسامات الجلد وهذا ما ينطبق على باقي الأجهزة التي تطلب وجود السوائل الخاصة بها فلا تجد الاستجابة الكافية ما يعطل عمل وظائف الجسم.

وقد وجب توضيح ذلك حيث سننتقل في مقالنا التالي إلى نوع جديد من خطوات النور الذهبية ما يشكل أحد مفترقات الصعود في سلم الحياة فائقة التطور سوبر تكنيكل ، وإلى ذلك الحين أراكم على خير.

د. محمد بن صالح بن علي الندابي

متخصص علم نفس اجتماع

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى