آراء

تقييم الرد الإيراني علي إسرائيل : وبعيداً عن أي مٌبالغات بالسلب أو بالإيجاب

بقلم السفير : مدحت القاضي

Advertisement
[1] ردود أفعال وتعليقات العديد من المتابعين : أظهرت قدراً لا بأس به من السُخرية والتنكيت (مثل: إيران.. بطل من ورق!/يا لها من مسرحية!/هل طائرات إيران مسيّرة أم مخيّرة!؟/…).

[2] بخلاف تمسك البعض بإظهار الهجوم الإيراني كمسرحية متفق عليها بين طهران وتل أبيب وواشنطن.

Advertisement
[3] وهذا ما يدفعني للتساؤل : إلي أي مدي يُمكن لنا أن نتقبل ذلك ، وإلي أي مدي يُمكن لنا أيضاً إنكاره!.

[4] علينا أن نتذكر أن الهجوم الإيراني جاء رداً علي هجوم 1 أبريل 2024 ، عندما دمرت خلاله غارة جوية إسرائيلية المبنى المُلحق بالقنصلية الإيرانية المجاور للسفارة الإيرانية في دمشق ، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا ، من بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري.

661a98e842360428ad0366a7

[5] وبالتالي كان أمام طهران الوقت الكافي لدراسة وتدبير رد الفعل.

[6] والتخطيط الإيراني السابق للهجوم ؛ إنما يستدعي في تقديري المزيد من الاهتمام والدراسة.

[7] وأستشهد هُنا مِثالاً وليس حصراً : (أ) بما أباح به وزير الخارجية الإيراني “أبلغنا دول الجوار قبل 72 ساعة من الضربة”.. (ب) وقبلها قال أمير عبد اللهيان “أخبرنا دول الجوار ودول المنطقة قبل 48 ساعة بأن الرد الإيراني هو دفاع مشروع وحق”.. (ج) وما نُشِر علي لسان وزير الخارجية الإيراني “أبلغنا واشنطن أن الهجوم على إسرائيل سيكون محدودًا وللدفاع عن النفس”.. (د) وما كشف عنه وزير الخارجية الإيراني : “هدفنا كان توبيخ إسرائيل ولم نحاول استهداف القواعد الأميركية في المنطقة”.

irannn

[8] ونقلاً عن “عميحاي شتاين” قال مصدران في إسرائيل لصحيفة نيويورك تايمز : إيران أطلقت 185 طائرة مُسيّرة ، و36 صاروخ كروز ، معظمها انطلقت من إيران ، وجاء جزءً صغير منها من العراق واليمن ، بالإضافة إلى 110 صواريخ أرض-أرض.

[9] وسؤالي المشروع هُنا : هل هذا الكم من المسيّرات بطيئة الحركة المكشوفة ، وتليها موجه من صواريخ الكروز السهل تتبعها والتعامل معها ، وصواريخ أرض-أرض التي تقطع مسافات ، هل هذا الكم جاء كافياً لتحقيق ما تصبو إليه إيران من أهداف!.

[10] سيما وأن ضربات “حزب الله” لا توصف سوي أنها تصعيد محدود في إطار محدود.

[11] وبالتالي؛ حِرص إيران علي ألا يأتي الرد العسكري من خلال أدواتها وروابطها بالمنطقة مثل حزب الله والحوثيين؛ إنما هو في تقديري شيء جديد يُمكن أن يُحسب لها؛ وليس عليها.

[12] ذلك أن التصعيد والرد من خلال حزب الله (وكما كان متوقعاً من الكثيرين) ، بل وساهمت به بعض خطوات خداعية تصعيدية من حزب الله ، كان سيظلم لبنان وشعبها ويجعلها تدفع الثمن.

[13] والتصعيد والرد من خلال الحوثيين ، كان سيجلب ردود فعل تخشاها إيران ، وعداء لا تسعي إليه مع دول بعينها بالمنطقة.

[14] ولقد قامت الجهات الإيرانية علي مدار أسبوعين بفحص قائمة مواقع بعض سفارات إسرائيلية حول العالم كي يتم استهدافها ، وتم إستبعاد الأمر لعدم إستعداء المزيد من الدول.

[15] وبالتالي جاء القرار بأن يأتي الرد : ايرانياً خالصاً ، ضِد أهداف عسكرية وليست مدنية ، و داخل إسرائيل ، مع إنتقاء نوعي للأهداف.

[16] جاء في مُقدمة تلك الأهداف كما أوضحت “إرنا” أن الحرس الثوري الإيراني استهدف “مركز إستخباراتي في جبل الشيخ” ، و “قاعدة نفاطيم الجوية” بصحراء النقب بالقُرب من بئر السبع ، بمدرج يبلغ طوله 3400 متر ، هي الحظيرة والقاعدة الرئيسية لمقاتلات إف-35؛ وهو ما تدربت عليه في فبراير من العام الماضي ، على هجوم صاروخي على نموذج مٌحاكاة لحظائر هذه القاعدة الجوية (التي تبعد عن الحدود الغربية لإيران حوالي 1100 كيلومتر).

[17] وبحسب إعلام إسرائيل : تم استهداف مناطق شديدة الحساسيه بالنسبة لهم : قاعدتي نيفاتيم (وهي قاعدة أساسية لطائرات “إف 35”) ، ورامات دافيد … مفاعل ديمونة … ناحال سوريك … رامون .. تل أبيب … مجمعات حيفا الصناعية …

[18] وبإعتراف إعلام إسرائيل/المتحدث بلسان جيش الدفاع : 7 صواريخ أصابت قاعدة رامون الجوية في صحراء النقب ، ووقوع أضرار طفيفة بالبنية التحتية.

[19] وبالتالي : ليس من قبيل المُبالغة أن نعتبر الهجمات الإيرانية التي جاءت مما يزيد علي 1100 كم ، أنها بمثابة رسالة ردع لإسرائيل وداعميها ، وتطور غير مسبوق ، وغير مقبول (بالتالي) ، فى معادلة الصراع.

[20] ومن الطبيعي ، مع بُعد المسافة أن تكون الفُرصة أمام إسرائيل سانحة لاعتراض وقنص الصواريخ الإيرانية (من المسيّرات ، وصواريخ الكروز ، وصواريخ أرض-أرض).

[21] سيما وأن أوقات الوصول من إيران إلى اسرائيل هي : صاروخ باليستي – 12 دقيقة ، صاروخ كروز – ساعتين ، أما طائرة بدون طيار – 9 ساعات.‎. بخلاف ما ينطلق من محافظة ميسان العراقية (شرق البلاد علي الحدود الإيرانية). حسبما أفادت القناة 12 الإسرائيلية.

[22] ويهمني ان أسترعي الإنتباه إلي أن أول ما صدرته القناة 12 الإسرائيلية كان عن خلل في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في كل من الأردن والعراق والكويت وسوريا ولبنان ، وتلاه الإبلاغ عن تعطل بحركات الطيران .. وهو ما يوضح أنه تم ترتيب تشويش لنظام GPS على خط المسار لمحاولة تضليل المسيّرات والصواريخ الإيرانية بحيث لا تصل لأهدافها.

[23] وبالرغم من ذلك تمكنت المسيّرات والصواريخ الإيرانية أن تصل! ، وبالتالي تم اعتراضهم بالقبه الحديدية والطيران المقاتل من إسرائيل ، والدول الأربعة (أمريكا/إنجلترا/فرنسا/الأردن).

[24] وهذا ربما يعكس نجاح تقني لدي المُسيّرات والصواريخ الإيرانية وأنها تجاوزت بطريقة ما تحدي ال GPS أو أن لديها أجهزة ملاحة دقيقة ، وهذا أول اختبار قدرات حقيقي للصواريخ الإيرانية ، والتي نجحت في الوصول ، بالرغم من اعتراضها.

[25] وهو ما يجعلني أُناشد جهات الاختصاص في مصر ، والبلدان ذات الصلة ، أن تولي هذا الأمر ما يستحقه من إهتمام علمي.

[26] وبإعتراف المصادر العبرية : تكلفة اعتراضات الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية في سماء إسرائيل جاءت ما بين 4 الي 5 مليار شيكل ، اي أنها تجاوزت مليار دولار.

iran

[27] ونجاح إسرائيل في التصدي ، لا يمكن إنكاره ، ولكنه لا ينفي ما حققته إيران من نجاح مادي يتمثل في هذا الرقم الملياري ، ونجاح معنوي ونفسي يتمثل فيما أضاءت به سماء إسرائيل ولأول مرة في تاريخها بالشمال والقُدس وتل أبيب وحتي صحراء النقب.. بإستثناء مشهد عبور الصواريخ فوق المسجد الاقصى وإضاءتها لسماءه وهو ما كان يمكن أن يتسبب في كارثة!.

661b1c16423604179a72203a

[28] وتقديري أن النجاح المعنوي والنفسي لهذه الصواريخ والمُسيّرات التي تم التصدي لها بإستثناء عدد محدود ، هو النجاح الذي قد يمكن أن يظل.

[29] آخذين في الاعتبار أن الحرب النفسية ، كانت وستظل هي الباقية.

[30] ونجاح التصدي الإسرائيلي للهجوم الإيراني المُعلن والمكشوف!: كان مُحصلة تضافر جهود رباعية شملت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأردن.

[31] وبطبيعة الحال جاء الدور الأردني مفاجئًا وغير مسبوقاً.

[32] وصحيفة وموقع يديعوت احرونوت ذكر علي لسانه اليوم : “الهجوم الإيراني كشف عن التعاون الوثيق بين إسرائيل والأردن”.

[33] أما الموقف الأمريكي؛ فبعض الظواهر قد تصب في مصلحة إيران : ف أمريكا في الأساس لم تمنع ايران من توجيه الضربة من جِهة ، و تحملت مسئولية تخفيفها من جِهة ثانية ، وبايدن ينصح نتنياهو بالاكتفاء وعدم التصعيد من جِهة ثالثة.

[34] وهو ما كشفت عنه اليوم “القناة 12 الإسرائيلية” : عندما نشرت أن بايدن قال لنتنياهو خلال محادثتهما الليلة أنه “بما أن الهجوم الإيراني تسبب في أضرار طفيفة في الأرواح والممتلكات – فيجب على إسرائيل أن تنظر إليه على أنه انتصار وتكتفي بذلك”.

[35] وفي تقرير آخر ، بثته شبكة “إن بي سي” لمسؤول كبير في الإدارة الأميركية ، جاء فيه أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال محادثتهما الليلة إن على إسرائيل “الاكتفاء بالنصر وعدم الرد”.

[36] ونحن في غني عن البيان أن أقوال ومواقف بايدن هي ليست شخصية بل جاءت عقب عودته الفورية من المنتجع وإجتماعه بأعضاء فريق الأمن القومي.

Bayden

[37] وبالتالي : الآداء الإيراني حتي ولو كان مسرحياً ، جاء مُشجعاً بأن يُعلن البعض تمنياتهم أن يرون دولة عربية واحدة ، تقدر تعمل المسرحية اللي إيران عملتها مساء أمس.

[38] وهو أمر لم يحدث مع الدولة العبرية مُنذ 75 عاماً ، و بما وصفته صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية : العملية الإيرانية “غارة تاريخيّة”.

[39] أما حدود الهجمة الإيرانية : فلقد كانت إيران اليوم حريصة من خلال بعثتها في الأٌمم المُتحدة علي التصريح ب: “يمكن اعتبار أن ردنا علي هجوم إسرائيل علي القنصلية الإيرانية في دمشق قد انتهي”.

[40] ولكن هذا لن يكون بأي حال من الأحوال كافياً ، ولا يعني عدم إتمام عقد جلسة خاصة اليوم لمجلس الأمن ، و بما يترجم المعايير المزدوجة في التعامل مع ملفات إسرائيل والشرق الاوسط.

[41] كما لا يفوتني التنويه إلي أن هجمة إيران ، أثارت ضمن ما أثارت ، ملفات أُخري علي قدر من الأهمية ، منها احتجاز فريق عمل “القاهرة الإخبارية” في تل أبيب أثناء تأدية مهام عمله ، وإعلان القناة أنها تُحَمِل الجانب الإسرائيلي مسئولية سلامة الفريق ، وهو ما نشرته صحيفة الوطن/صدي البلد/المصري اليوم.

[42] ما زلت أحلم بيوم قدوم الأمن والسلام إلي منطقتنا.

السفير/ مدحت القاضي

(عضو الهيئة الاستشارية لتحليل السياسات الإيرانية AFAIP – كبير مٌستشارين مركز القانون والعولمة CLG جامعة رينمين/بكين – عضو صفوة الخٌبراء المصريين للتنمية EEED – سفير مصر لدي سلطنة عٌمان سابقاً).

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إسرائيل تضرب إيران دون سابق إنذار، لا بل إنها لا تعلن حتى عن ضرباتها فيما بعد، بينما إيران تخبرنا بموعد انطلاق الطائرات وساعة وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية بالدقائق والثواني.لا ندري إذا كانوا قد أرسلوا لإسرائيل أيضاً عدد ونوعية الطائرات ونوع القذائف التي تحملها وأين ستلقيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى