آراء

فليحفظ الله مصر وخرائطها (الصحيحة) .. وعلاقاتها بأشقائها العرب

بقلم : السفير مدحت القاضي

Advertisement

طالعتنا الصحف الكويتية بخبر أن : “النائب الكويتي حمد المطر يطالب كلية الأركان المصرية بالاعتذار عن عرض خريطة للوطن العربي لا تتضمن الكويت”.

وكان نص الخبر : (استغرب النائب الدكتور حمد المطر “ما قام به أحد مُحاضري كلية القادة والأركان في جمهورية مصر العربية الشقيقة بعرض خريطة للوطن العربي لم تتضمن الكويت أثناء مُحاضرة حول معنى قوة الدولة ضمن الدورة رقم (73) وبحضور نحو 500 ضابط من جميع الدول العربية بما فيهم العراق» ، مثمناً «دور الضباط الكويتيين الحاضرين في المحاضرة ، إذ انسحبوا مبدين إعتراضاً على ذلك”).

Advertisement

وطالب المطر : (وزيري الدفاع والخارجية الكويتية بإتخاذ موقف حازم وحاسم تجاه سيادة الكويت ووجودها ، داعياً المٌحاضر المصري إلى أن «يعتذر وفوراً أمام الجميع وأن يعيد عرض الخارطة الفعلية للوطن العربي والتي تضم الكويت»، محذراً من “إستمرار هذه الممارسات اللامسؤولة وان كانت فردية”).

خريطة بدون الكويت 2

وقال : “في حال عدم الاعتذار نطالب بسحب جميع مبتعثينا وتحويلهم للأردن ، فلا مجال للتهاون في أي ما يمس سيادة بلدنا ، لأن الكويت خط أحمر”.

وتعليقاً على ذلك :

طالما الخبر مُنتشر بإتساع بالصحافة الكويتية؛ أسمح لنفسي بالتعليق الواجب والتالي (بحكم أن التدريب للأجانب والمصريين خارج وداخل مصر يعتبر من أعمالي الاحترافية مُنذ عام 1989).

[1] من جديد ، الإعلام المصري بكافة وسائله يثبت – رغم حالة الطنين التي يبثها – أنه في غفلة عن تناول أو مُجرد نشر هذه الواقعة ، رغم : أهميتها الموضوعية / وحدوثها علي أرض مصر / وارتباطها بطرف عربي / وبالرغم من أنه تم نشرها في كافة الصحف الكويتية!.

[2] لا يمكن ، بل يتعذر إنتقاد أو لوم النائب الكويتي ورفاقه علي موقفهم ، الذي يتسم بـ : اليقظة / والحرص علي فحص وتدقيق الخريطة التي استعان بها المٌحاضر المصري داخل كلية القادة والأركان / التعبير عن الرفض والغضب حين كشفهم عدم وجود الكويت علي الخريطة / قرارهم الانسحاب من المٌحاضرة / مطالبتهم قيام المُحاضر والجانب المصري بالاعتذار والتصحيح / مُناشدتهم تدخل وزارتي الدفاع والخارجية الكويتية / مطالبتهم بوقف التعامل مع مصر لتلقي التدريب / والتوجه إلي دولة عربية بديلة / وأخيراً لجوءهم الي الإعلام الكويتي بكافة وسائله لنشر الواقعة وما كان من ردود أفعالهم بصفتهم متدربين كويتيين.

[3] من الواضح من تسلسل ردود أفعال النائب الكويتي هو ورفاقه (حسبما هو منشور) ، أنها مرت بخطوات ، لكي تصل الي ما وصلت إليه ، وأخشى من أن هذا معناه أنه لم يكن هنالك رد فعل مصري مناسب وسريع كفيل بوقف التصعيد.

[4] وأنا أتساءل لماذا لم يقم المٌحاضر المصري بالاعتذار؛ بل والتعبير عن دهشته من أن الخريطة لا تشمل الكويت ، ولماذا لم يقم باستبعادها علي الفور واخراجها من قاعة التدريب ، وأن يجلب في التو واللحظة خريطة صحيحة مكانها!. الا إذا كان هناك أهمية تاريخية في عرض هذه الخريطة!!.

خريطة بدون الكويت 3

[5] يصعب تصديق أن كلية القادة والأركان لا توجد بها خرائط صحيحة.

[6] لكن الواقع ينبض أحياناً بما هو غير مفهوم أو مُستساغ! ، ولقد عاصرت بنفسي الكثير من هذه النبضات السلبية، فمنذ 20 عاماً عندما كنت سفيراً بالكونغو عام 2003 تلقيت خطاب دعوة من رئيس هيئة الرقابة الإدارية إلي مسؤول كونغولي ، وكان الخطاب في غاية الشياكة والتغليف ، ولكني عندما فتحته للفحص “كعادتي” ، وجدت مُرفقاً به خريطة ملونة جميلة للقارة الأفريقية ، ولكنها تحمل خطأ التفريط في حدود مصر الجنوبية البرية فيما يتعلق بمثلث حلايب وشلاتين وجبل علبة ، فقمت علي الفور بإنتزاعها من داخل المظروف وسلمته بدونها ، وأخطرت يومها اللواء هتلر طنطاوي والذي شكرني علي تصرفي وتفادي هذا الخطأ.

[7] ومُنذ 40 عاماً سبق أن وجهت خطاباً إلي رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية عن نفس الخطأ في خريطة مصر ووقتها كان أستاذنا د. بطرس غالي هو رئيس مجلس إدارة المجلة!. وتم التصحيح علي الفور.

[8] وبالتالي أتساءل ، إذا كان رد الفعل من المُحاضر المصري غائباً أمام النائب الكويتي ورفاقه ، أو حدث ولم يكن كفيلاً بتهدئة الوضع.. لماذا لم تتدخل قيادات وادارة كلية القادة والأركان علي الفور لنزع فتيل الموضوع!.

[9] خاصةً وأنني أعلم بحكم خبرتي أن قاعات محاضرات التدريب يتم متابعتها بالصوت والصورة من خلال مكاتب معينة وقيادات أعلي داخل مقر التدريب! ، علي الأقل لضمان أن المُحاضر لا يخرج عن النص أو المألوف!.

[10] لقد كان الأمر في متناول يدنا ، ولكن الافتقار إلي رد الفعل الواجب في الوقت المناسب ، جعله يخرج من يدنا.

[11] وفي النهاية ، هذا لا يتفق مع مكانة مصر ، ولا يصح مع ما تقدمه مصر بكافة مؤسساتها وأجهزتها من خبرات لأشقاءنا العرب ، وكلية القادة والأركان لها تاريخ متميز و مُشَرِف منذ نشأتها وهو ما لا يتفق مع واقعة مثل هذه.

[12] أنا لا أعلم من هو المٌحاضر المصري ، ولكن مع كل احترامي ، ينبغي تعلية مبدأ أن المُحاضر أو القائم بالتدريب يتحمل مسئولية مُراجعة كافة أدواته التي يستعين بها لعرض المادة التدريبية ، سيما الخرائط والخلفيات المصورة ، وعليه أن يتوجه لموقع التدريب مٌبكراً كي يراجع نفسه ، ويتسلم قائمة بأسماء المتدربين ووظائفهم حتي يكون علي دراية إلي من يتحدث ، وهذه أشياء ضرورية للمدرب المحترف ، وهذا ما كنت أحرص بنفسي عليه داخل مصر وخارج مصر.

[13] أخشى أن المُحاضر اليوم يغفل عن ذلك ويهتم قبل بدء موعد التدريب بأن يقضي وقته في شرب القهوة والحديث في أحد مكاتب القيادات ، وهذا مطلوب ولكن بعد إنتهاء المحاضرة وليس قبلها! ، ومن باب تقييم فوري لردود الافعال ، والتخطيط المبدئي بالتالي لما يمكن أن يكون قادم.

[14] ماذا حدث للخرائط! ، وما الذي طرأ علي جهات التدريب! ، سيما الراقية منها ، كي نصل الي هذه الواقعة.

[15] وأنا سبق لي التشرف بتدريب الملحقين العسكريين الأجانب المعتمدين بالقاهرة وداخل نفس هذه القاعة التي تواجد بها النائب الكويتي ورفاقه ، وأشهد وقتها بمثالية التجربة.

[16] تشرفت بكوني باحث مُشارك بأكاديمية ناصر العسكرية العُليا (مُنذ 1998م). كما سبق لي أن نلت مرتين شرف تمثيل وزارة الخارجية لدي كُلية القادة والأركان بالعام البحثي 1999/2000م ، بدراسة خاصة عن “إستراتيجية تفعيل العلاقات مع دول حوض النيل وإستثمارها لصالح التنمية الإقتصادية” ، وبالعام البحثي 1998/1999م ، بدراسة خاصة عن “الأهمية السياسية والإستراتيجية للبحر الأحمر ، والتأثير على الإستراتيجية بالإتجاه الجنوبي” ، وتم عرضهما بحضور السيد رئيس أركان القوات المُسلحة.

[17] وفي ضوء ما يتم نشره يومياً عن حضور الكثير من الكوادر المصرية حالياً لدورات تدريب بهذه الأكاديمية المصرية ، العريقة؛ أدعو لتوخي المزيد من الحرص ، وتفادي أي أخطاء.

[18] وأحياناً (أحياناً) تكون هناك ضرورة لعرض خرائط في إطار استعراض تاريخي وتكون حدود الدول متغيرة بل بعضها غير قائم!، فهل كان المُحاضر يقوم بذلك؟، ام أنه أوقع نفسه في الفخ!.

[19] كنت ومازلت أقوم بعمل وتقديم برامج تدريبية للمدربين وليس للمتدربين ، وأعتقد انه مع إزدياد موجة وهوجة برامج التدريب ومنح شهادات بأعداد ملحوظة كل يوم ، ينبغي الاهتمام بهذا الأمر ، فالعلوم تتطور وكل يوم هُناك شيء جديد ، والخبراء الاستراتيجيون مطلوب أن ينصلح حالهم.

[20] كما كنت وما زلت أنصح بان إختيار شخص المٌحاضر لا ينبغي أن يتوقف فقط علي مُجرد تخصصه في طبيعة المادة محل التدريب؛ بل يجب أن نراعي مَدي ملاءمته لنوعية المتدربين وجنسياتهم والجهات التي ينتمون لها ، ومُراعاة الظروف الجارية ، وذلك تفادياً لأي حساسيات أو مواقف لا داعٍ لها.

[21] أقولها بصوت عالٍ ؛ هذه الواقعة (إن صحت تفاصيلها) ، لا تليق بدولة مثل مصر ، كانت هي وجيشها في طليعة ومُقدمة تحرير الكويت من الغزو والاحتلال العراقي.

[22] وفي النهاية ، لغة النائب الكويتي ينبغي ان تكون مفهومة لدي مصر؛ فهو يتحدث عن خطوط حمراء؛ مثلنا.

<فليحفظ الله مصر ، وخرائطها (الصحيحة) ، وعلاقاتها بأشقائها العرب>

السفير/ مدحت القاضي

} عضو الهيئة الاستشارية لتحليل السياسات الإيرانية AFAIP – كبير مٌستشارين مركز القانون والعولمة CLG جامعة رينمين/بكين – سفير مصر لدي سلطنة عٌمان سابقاً {

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى