آراء

الإعلام .. وقضايا الإنسان!!

بقلم : سامر شعلان

Advertisement

لم يعد خافيا ما للإعلام من دور أساسي في نهوض الأمم وتقدم الشعوب نحو تحقيق أهدافها في البناء والتغيير إلى الأفضل في مختلف مناحي الحياة ، ووصل الأمر بالإعلام إلى مستوى دقيق وخطير بحيث أصبح الفاعل والمؤثر الأقوى في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية على وجه العموم ، من خلال التأثير الحاسم للمادة الإعلامية المعاصرة على حياة الإنسان ، ومجريات واقعه الاجتماعي والثقافي في سياق شبكة الإنتاج السياسي والاقتصادي والثقافي ، تخطت الحدود وتحدت الزمان والمكان ، لتخلق شبكة واسعة من الاعتماد الاعلامي المتبادل.

ولكي نشتكسف تأثير القوة الإعلامية في حياة الأمم ، يكفي أن نتذكر أنها كانت السند التاريخي للحركة الصهيونية والتفوق الإسرائيلي في كل المجالات ، خصوصاً أن الكيان برع في اختلاق الروايات التاريخية والدفوع الدينية للترويج لحقوق مزعومة في أرض الميعاد! فضلاً عن نزعات عنصرية واضحة وميول عدوانية لا تتوقف وتطلعات توسعية لا تنتهي ، وإذا نظرنا إلى مدينة نيويورك الأميركية مثلاً باعتبارها تحوي أكبر تجمع يهودي في العالم لوجدنا أنها اعتمدت على دعامتين هما الاقتصاد والإعلام ، حتى أصبحت تلك المدينة الكبرى مصدراً للترويج للحركة الصهيونية وأهدافها ، فالإعلام هو الذي يصنع الصورة ويحدد النموذج النمطي ، من أجل هدف محدد أو غاية منشودة ، وقديماً قالوا (ليس المهم عدالة القضية ولكن الأهم هو كيفية الترويج لها).

Advertisement

وبينما يتعامل خبراء الاعلام الدولي بنهم مع ما أفرزته تكنولوجيا الاتصال وثورة المعلومات ومتابعة التطورات التقنية في الواقع الجديد ، ولعل أهم علامات هذا الواقع هو احتكار الدول الغربية المتقدمة لتكنولوجيا الاتصال وتقنياته والتحكم في مصادر الاعلام والمعلومات وأصبحت حرية تدفق المعلومات من أعلى إلى أسفل واقعاً لا جدال فيه ، في المقابل خلق الواقع الجديد حالة من عدم التوازن أثرت سلباً على الدول النامية بصفة عامة وعلى المنطقة العربية بصفة خاصة ، ولعل أخطر قضايا الاعلام المعاصر في وطننا العربي ، أننا ما نزال في موقف المتلقي ، وأن صوتنا العربي غير مسموع في ظل النظام الاعلامي الدولي غير المتوازن ، وأن ما يخص قضايانا العربية يأتي معظمه من الدول الغربية وما تزال صورة العرب في وسائل الاعلام الغربية هي الصورة النمطية للعربي المسلم ، بكل جوانبها وأبعادها السلبية.

الإستثناء الوحيد في ذلك الواقع الجديد الذي نعيشه كان ومازال هو قناة “شبكة الجزيرة الإعلامية” تختلف أو تتفق معها ، لكنك حتمًا ستحترم تلك التجربة ، لما قدمته وتقدمه من محتوى مهني ، عبر مجموعة من الكوادر الإعلامية المدربة ، وإن كان ذلك لا يعني عدم وقوع أخطاء ، الخطأ وارد في أى تجربة ، لكن ما ميز “الجزيرة” منذ انطلاقها عام 1996م أنها كانت حاضرة بقوة في قلب الأحداث التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين تحديدًا ، وهما العقدين الأكثر إثارة في تاريخ المنطقة العربية تحديدًا ، بداية من عملية “ثعلب الصحراء” وقصف العراق 1998م ، مروراً بالإنتفاضة الفلسطينية الثانية 2000م ، وأحداث 11 سبتمبر 2001م ، والحرب على العراق 2003م ، ختاماً بالربيع العربي 2011م ، تلك المهنية والجرأة الغير معهودة أزعجت الأمريكان وغيرهم ، وجعلها في حالة خصام واستهداف مستمر من بعض الحكومات والأنظمة التي ترى فيها تهديدًا صريحًا لوجودها.

من هنا كان لابد من اعادة التذكير بأن العالم أصبح خارطة إعلامية أكثر من كونها خارطة جغرافية أو تاريخية ، وبات الإعلام لاعباً أساسياً في صياغة الترتيبات العالمية والمتغيرات السياسية ، وحسب عالم الاجتماع الأميركي (س.رايت ميلز) فإن معظم التصورات والأخيلة المكتنزة في عقولنا من العالم بوجه عام تصل إلينا عن طريق وسائل الاعلام بأنواعها وبالتالي فإن المتحكمين في الاعلام ، صياغة وتمويلاً هم الأكثر قدرة على تشكيل خريطة العالم وفقاً لمصالحهم الخاصة وهو ما يتفق مع واقع الانتاج التكنولوجي ، وقد اتضح للجميع أن معظم الوسائل الاعلامية العالمية يتم انتاجها برعاية وزارات الدفاع في أوروبا وأميركا وبخاصة أجهزة الكمبيوتر والأقمار الصناعية وبرامج المعلومات وشبكات الانترنت وهو ماكان قائماً في الحربين العالميتين ، وشاهدناه في الحرب على أفغانستان والحرب على العراق وما عرف آنذاك بالحرب التلفزيونية وما نشاهده كذلك في الحرب الاسرائيلية على المقاومة الفلسطينية ، ومن ثم خلق حالة من المواجهة الجديدة في الفضاء الالكتروني عبر شبكة الانترنت.

في الوقت نفسه ، أذهلت تلك الثورة التكنولوجية الأنظمة العربية وأفقدتها السيطرة الكاملة على وسائل الاعلام التقليدية ، حيث وفرت التقنيات الحديثة إمكانية توصيل البث التلفزيوني مباشرة إلى المستقبل دون وسيط ودون إذن من الدولة وهو ما جعل الإعلام العربي يعيش أزمة حقيقية تعكس وضع النظام السياسي العربي ، ولا يمكن مواجهة هذه الأزمة إلا بسياسة إعلامية واضحة واستراتيجية إعلامية متكاملة تتوافق فيها الاتجاهات والتيارات المتواجدة على الساحة العربية.

ولعل أهم استحقاقات النهوض بالاعلام العربي ، هي الاستفادة أولاً من الثورة الاتصالية الكبرى للارتقاء إلى آفاق العصر ، وأن تتمكن النخبة الإعلامية من اتخاذ قرارات جريئة تفتح المجال للاستفادة من تلك الثورة في عملية الارتقاء بالاعلام العربي في ضوء هذه الثورة التكنولوجية والتحديات الكبيرة التي تواجه الأمة العربية.

وفي هذا الاتجاه ، لا يمكن اغفال أهمية المسؤولية الإعلامية الوطنية والأخلاقية والاجتماعية والدينية والقيمية بالأساس ، والمسؤولية بهذه الأبعاد لا يؤديها إلا مسؤولون ، عالمون ، مدركون ، مؤهلون ، ملتزمون ، ولا تكون المسؤولية الاعلامية إلا بأوعية نقية صافية مُعدّة إعداداً فنياً وعلمياً وأخلاقياً ، حتى تنتج نماذج ملتزمة بهذه القيم والقواعد ، بعيدة عن المضغ المتكرر للمفردات الكبيرة دون مضمون أو فعل وإعادة النظر في السياسات الإعلامية العربية والابتعاد عن الوصاية الفوقية على المجتمع ، وسياسة إخفاء الحقائق والمعلومات واختلال أجهزة الإعلام وإتاحة الفرصة للتعددية الإعلامية في إطار نظام إعلامي له قواعده وقوانينه وضوابطه ، فالإعلام المعاصر من خلال وسائله المختلفة أحد المؤسسات الرئيسية في عملية التنئشة الاجتماعية والسياسية بحكم قدرته غير المحدودة في التأثير على الفرد معرفياً وسلوكياً واتجاهياً في ضوء صناعة الاعلام والاتصال والأساليب التفاعلية والقدرة على الوصول بسهولة ويسر ، التي في اعتقادي أن المجتمع العربي وعبر التاريخ تميز بها.

نعم يستطيع الاعلام العربي أن يرتقي إلى آفاق العصر وأن يتحرر من الممارسات التقليدية والفئوية والفصائلية والجغرافية ، وأن يتجه نحو الانفتاح على الآخر ، الآخر الأوسع شمولاً في الانتماء ، أي الانتماء للوطن بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية والفصائلية والعشائرية والفئوية.

وأخيراً وفي ضوء هذا الواقع المتنوع لا ينبغي التخلي عن التفاؤل في هكذا ملف شائك ، ويجب أن نشرع نوافذ عالمنا العربي نحو مزيد من الانفتاح الاعلامي ، وهو ما لن يحدث الا في ظل قناعة حقيقية بأن البداية من إعلام يجمع بين صدق الخبر وقراءة التحليل والتقيد بأدق المعايير المهنية والفنية المتعارف عليها في الصنعة الإعلامية الرصينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى