ثقافة وفن

اصبر لكل مُصِيبةٍ وتجلًّدِ واعلم بأن الدهر غير مُخَلَّدِ

بقلم : محمد بن العبد مسن

Advertisement

قصة (عروة بن الزبير بن العوام) رضي الله عنهما..

تعتبر من أجمل القصص التي وردت في سير الصحابة و التابعين ليستلهم منها المسلم معنى الصبر على الابتلاء في ظل الظروف الصعبة التي قد تمر على الناس.

Advertisement

فقد أُوتي ( عروة بن الزبير ) فصاحة في لسانه وبلاغة في منطقه وكذلك حكمة في رأيه وسداداً فيه ، فنقلت عنه كلمات سارت بها الركبان لما فيها من فصاحة وجمال وبلاغة.

يحكى أن الخليفة الأموي وليد بن عبدالملك أستدعى(عروة بن الزبير بن العوام) الى دمشق وكان عروة يعاني من عدة أمراض وتظهر عليه آثار المرض.

فما دخل دمشق أنزعج الخليفة لرؤية عروة بهذه الصورة فجمع له أمهر الأطباء في البلاد لمعالجته ، فاجتمع الأطباء وقرروا أن به مرض يسمونه (الآكلة) ( ما تسمى في عصرنا هذا الغرغرينا ).

وليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق فأمر الخليفةُ أن يسمع رأي عروةَ بقرار الأطباء لبتر رجله ، فلم يزد عروة على أن قال ( اللهم لك الحمد).

قالوا الأطباء : يا عروة اشرب (المرقد)وهو دواء يهدأ و يخفف الألم.

فلم يفعل وكره أن يفقد عضواً من جسمه دون أن يشعر به.

فكر الأطباء فقالوا : إذاً أشرب كاساً من الخمر حتى تفقد شعورك.

فأبى مستنكراً عروة ذلك ، وقال : كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه.

فقالوا : فكيف نفعل بك إذاً ؟.

قال عروة : دعوني أصلي فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون !! ( وقد كان رحمه الله إذا قام يصلي سهى عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى ).

فقام يصلي وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه وأعملوا مباضعهم في اللحم حتى وصلوا العظم فأخذوا المنشار ، وأعملوه في العظم ، حتى بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً ، وكان نزيف الدم غزيراً فأحضروا الزيت المغلي وسكبوه على ساقه ليقف نزيف الدم، فلم يحتمل حرارة الزيت، فأغمي عليه.

وما أن أفاق عروة، أتى الخبر من خارج القصر أن (ابن عروة بن الزبير) وهو أحب أبنائه قد رفسه أحد الخيول فقضى عليه وصعدت روحه إلى بارئها.

أحتار الخليفة كيف يوصل له الخبر المؤلم ، بعد بتر ساقه، ثم كيف يوصل له خبر موت إبنه .

وترك الخليفة عروة بن الزبير حتى أفاق، فاقترب إليه.

وقال : أحسن الله عزاءك في رجلك.

فقال عروة : اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وقال الخليفة : وأحسن الله عزاءك في ابنك . فقال عروة : اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، أعطاني سبعة وأخذ واحداً، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً، إن ابتلى فطالما عافا، وإن أخذ فطالما أعطى، وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة.

بعد ذلك قدموا له طستاً فيه ساقه وقدمه المبتورة  ،فقال عروة : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط.

وبعد أشهر بدأ عروة رحمه الله ، يعود نفسه على السير متوكئاً على عصى ، فدخل ذات مرة مجلس الخليفة، فوجد في مجلس الخليفة شيخاً طاعناً في السن مهشم الوجه أعمى البصر.

فقال الخليفة : يا عروة سل هذا الشيخ عن قصته.

قال عروة : ما قصتك يا شيخ ؟

قال الشيخ : يا عروة اعلم أني بت ذات ليلة في وادٍ، وليس في ذلك الوادي أغنى مني ولا أكثر مني مالاً وحلالاً وعيالاً ، فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالي ومالي وحلالي، وطلعت الشمس  ، وأنا لا أملك إلا طفل صغير وبعير واحد ، فهرب البعير فأردت اللحاق به ، فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفي صراخ الطفل فالتفتُ فإذا برأس الطفل في فم الذئب ، فانطلقت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزقه الذئب بأنيابه، فعدت لألحق بالبعير فضربني بخفه على وجهي، فهشم وجهي وأعمى بصري !!! .

قال عروة : وما تقول يا شيخ بعد هذا ؟

فقال الشيخ : أقول الله لك الحمد ترك لي قلباً عامراً ولساناً ذاكراً .

عزيزي القارئ

كان يُعرف عن عروة بن الزبير أنه من أسخياء الناس.

بل كان أسخاهم يدًا، سمحًا فيما يعطيه للناس، ومما أثر عن جوده أنه كان له بستان من أعظم بساتين المدينة، عذب المياه، ظليل الأشجار، باسق النخيل…

وكان يسور بستانه طوال العام؛ لحماية أشجاره من أذى الماشية ، وعبث الصبية، حتى إذا آن أوان الرطب ، وأينعت الثمار وطابت ، واشتهتها النفوس… كسر حائط بستانه في أكثر من جهة ليجيز للناس دخوله… فكانوا يدخلونه ، ويأكلون من ثمره ما لذ لهم الأكل، ويحملون منه ما طاب لهم الحمل.

قال الإمام علي – رضي الله عنه :

إذا جادتِ الدنيا عليكَ فجُدْ بها   …   على الناسِ طرا إِنها تَتَقَلَّبُ

فلا الجودُ يفنيها إِذا هي أقبلتْ   … ولا البخلُ يُبْقيها إِذا هي تَذْهَبُ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى