آراء

التعاون قانون الطبيعة

بقلم : محمد بن العبد مسن

Advertisement

أخي القارئ الكريم..

موضوعنا في هذا المقال التعاون المجتمعي بين الناس في حياتهم اليومية ، وأثاره على الفرد والمجتمع ، فالنحلة الواحدة لا تجني العسل لوحدها ، لذا يجب التعاون بين الجار وجاره والصديق وصديقه والأخ وأخاه.

Advertisement

كما أن التعاون يقرب أفراد المجتمع من بعضهم البعض ، ويقلل من النزاعات ، ويشجع الأفراد على مشاركة أوقاتهم الخاصة في مساعدة بعضهم البعض عند الحاجة ، حتى يستفيدوا جميعًا على اختلاف أعمارهم وأجناسهم لكونهم جزءًا لا يتجزأ من نفس المجتمع.

أيضًا التعاون يعتبر عمل صالح يقدمه الإنسان لأخيه ، فالتعاون له قيمة كبيرة ترتقي بها النفس وتسعدها ، وتنير الدرب ، فلا قيمة لمجتمعات لا يقدم فيها العون لمن يحتاجه ، لهذا يجب أن نعلم أولادنا أن البر والصلاح هم أساس الحياة.

وقد أمرنا الله جل في علاه بقول (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ)..

أخي القارئ هنا الكثر من المشاهير لهم أقوال في هذا الجانب ..

على سبيل المثال لا الحصر المؤلفة الأمريكية : (سارة أديسون ألين) في أحد مقولاتها الشهيرة : “كيف يمكننا معرفة المعنى الحقيقي للجمعيات الخيرية إذا كنا لا نعرف حتى كيف نساعد أقرب الناس إلينا؟”.

وقال الشاعر الفرنسي (جان دو لافونتين) : “ساعدو بعضكم بعضا ، فواحدكم ليس وحيدا في الطريق ، بل هو جزء من قافلة تمشي نحو الهدف”.

وهناك أيضًا مثل اسكتلندي معروف : “اجتماع السواعد يبني الوطن و اجتماع القلوب يخفف المحن”.

وتقول أحد السيدات مررت ذات يوم بشارع مجاور للجامعة وذلك منذ فترة طويلة أثناء تحضير رسالة الماجستير الخاصة بي ووجدت فتاة صغيرة تجلس وأمامها بعض أكياس المناديل وبيدها كتاب مدرسة تقرأه باهتمام  لم أهتم في البداية ولكن تكرر هذا المنظر مرة بعد مرة وكنت أتأمل تلك الفتاه كل يوم.

مما زادني الأمر فضولاً .. وكنت أسأل نفسي من يا ترى هذه الطفلة؟! ولماذا في نفس المكان أجدها دائمًا ؟

فقررت أن أشتري منها مناديل وأسألها..

فقلت لها ماذا تفعلين هنا ؟

أجابت الطفلة أراجع كتابي المدرسي هنا قبل عودة أمي ..

قلت لها أين أمك ؟!

قالت في إحدى البيوت المجاورة تعمل هناك تمسح السلالم ..

سألتها :هل تذهبين الى المدرسة ؟

قالت : نعم فبعد وفاة أبي أصرت أمي علينا أنا واخواتي أن ندرس .

سكتت الطفلة قليلًا ثم قالت ..

نعم نعم أخواني ثلاثة من الإناث و اثنين من الذكور ..

قلت : أين هم !

قالت : أختي الكبرى تجلس مع الصغار وتعد أعمال المنزل ريثما نعود في آخر النهار وأخي سالم  يعمل في إحدى ورش السيارات و أخي ابراهيم يعمل على مسح السيارات بالطرقات.

تبين لي أنها من أسره فقيرة جداً .

عرفت من حديثها أنها تدرس في مدرسة الحي في الصف الثالث الإبتدائي

وفي اليوم التالي ذهبت الى المدرسة وسألت عنها رأيتها تجلس وحدها ليس لديها أي أصدقاء أو ربما ينفر الجميع منها كما أخبرتني المعلمة حتى أن ملابسها تبدو قديمة لا تملك أي مصروف شخصي كزميلاتها على الرغم من كونها متميزة جداً في دراستها فأحزنني ذلك كثيراً ..

توجهت إلى المديرة و طلبت منها أن تكرم هذه الفتاة في اليوم المقبل باعتبارها طالبة مثالية وتقدم إليها هدية تشمل بعض الدفاتر و الأقلام وماينقصها في دراستها مع ثوب جديد وذلك لعفة نفسها وعدم تقبلها الصدقة من أحدهم وقدمت بعض النقود للمديرة وقلت لها هذا مصاريف الهدية وأتركي الأمر بيني وبينك .

لم تمانع المديرة في ذلك كما أنها أمدتني أيضاً بعنوان الطفلة كما طلبت منها.

عدت يومها الى منزلي وبداخلي جزء كبير من الراحة لشعوري أنها ستفرح كثيراً بذلك وبينما نتناول العشاء لم يكن زوجي على مايرام حاولت أن أعرف ماذا يحزنه هكذا لكن لم يتحدث توقعت كما لو أن أحداً من أهله حدثه بشأن الانجاب الذي تأخر أربعة أعوام ولا يريد أن يخبرني كيلا أحزن.

في اليوم التالي وقبل ذهابي إلى الجامعة ذهبت الى منزل الفتاة و أخبرت والدتها أني سأقدم إليها في كل شهر مبلغ من المال لأجل دراسة ابنتها مع تأكيدي لها أن هذه جائزة من المدرسة لكونها طالبة مثالية ..

فرحت الأم كثيراً بهذه المنحة وبقيت أنا على وعدي لطوال سنواتٍ كثيرة عشت هذه السنوات في سعادة كثيرة كان الخير يأتي إلي من كل باب ..

والله رزقني اثنين من الإناث ومثلهم من الذكور حصلت على الماجستير وتبعته بالدكتوراه ترقى زوجي في عمله مرات متكررة والله الحمد.

قالت في حديثها أن حياتنا تبدلت كثيراً ولم يكن يعلم زوجي كيف ذلك بينما كنت أعلم أنه سر الصدقة التي أقوم بها الى هذه البنت و كلما ازددنا كلما قدمت اليها المزيد.

الجميل أني أراها اليوم تجلس بين طلابي في كلية الطب وتعد أكثرهن تفوقاً وتميزًا وهي لا تعلم أني معها منذ طفولتها ولا تعلم أنها سر كل ما وصلت إليه في حياتي .

لو تأملنا أخي القارئ في هذه القصة الواقعية ..

نجد فعلًا كما تعهد الله سبحان أن للمتصدقين نمية في أموالهم ومباركتها ، قال الله تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

أي أن للمتصدق من الله سبعمائة ضعف جزاءً على ما تصدق به كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه قال : (منْ أنفقَ نفقةً في سبيلِ اللهِ ، كتبتْ له سبعمائةُ ضعفٍ).

ويقول (تشارلز داروين)-عالِم تاريخ طَبيعي وأحيائي وجيولوجي بريطاني- بعد مشوار طويل في العلم دام أكثر من ٥٠ عام ..

أختصرها في جمله رائعة قالها في أحد مؤلفاته خلال تاريخ البشرية الطويل وعالم الحيوان أيضا “من تعلم التعاون والارتجال بطريقة فعالة هو الذي ساد”.

القارئ العزيز..

الخلاصه من هذا المقال يجب علينا جميعًا أن نغرس في للأجيال المتعاقبة ضرورة التعاون لأن هذا العاده تساهم في بناء الدول وتقدم الأمم ، لأهمية هذه القيمة التي تكاد تندثر من مجتمعاتنا بسبب زيادة الاختلاف والفرقة بين أبناء الأمة الواحدة ، فأصبح دور كل فرد ومؤسسة في المجتمع إعادة إحياء هذه القيم في النفوس والتعاون الصادق السخي هو أفضل طريقة لتحقيق التطلعات المشروعة لكل شخص وتحقيق أهداف جماعية عظيمة للمصلحة العامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى