آراء

“ابن مشهد” نال الشهادة مع رفاقه

بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي

Advertisement

في الوقت الذي كان الإيرانيون يحتفلون فيه بليلة مولد الإمام الثامن علي بن موسى الرضا ، كسائر أعيان الشيعة في العالم ، إذا بهم يتفاجأون بانتشار خبر تحطم مروحية سماحة السيد إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ووزير خارجيته عبداللهيان ، والمرافقين للرئيس.

كنتُ في تلك الليلة أحضر احتفالات الولادة بمدينة مشهد التي تضمُّ قبر الإمام؛ حيث وصلتُ إليها للمشاركة في هذه المناسبة مع جمع من ملايين المسلمين الذين توافدوا إلى هذه المدينة لإحياء المناسبة الدينية السعيدة من مختلف أنحاء المعمورة والمدن العالمية الأخرى. وقد اختلطت مشاعر  الفرح بمولد الإمام ، ومشاعر الحزن على فقدان الطائرة لحظتها ، في الوقت الذي بدأ المواطنون الإيرانيون فيه في متابعة الحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية؛ حيث تصدرت صور الرئيس الشهيد في مختلف الأماكن. وفي صباح اليوم التالي (الإثنين) نشرت وسائل الإعلام خبر استشهاد الرئيس ومرافقيه ، في جو اتسم بهطول الأمطار الكثيفة وانخفاض درجات الحرارة في المنطقة التي سقطت فيها المروحية ، وذلك بعد بحث استمر طوال الليل وحتى الساعات الأولى من الفجر من قبل الفرق المُكلَّفة.

Advertisement

ومنذ صباح ذلك اليوم وحتى الآن ، تتصدر صور الشخصيات التي لقيت مصرعها في الحادث الأليم منصات الاحتفالات الدينية في مشهد وغيرها من المدن الأخرى؛ حيث تعتبر مشهد مقرَّ ولادة المرحوم السيد رئيسي الذي تفقَّه في العلوم الدينية في هذه المدينة ، وحصل على درجات علمية في الماجستير والدكتوراة ، ومن ثم ترأس إدارة المرقد الرضوي لعدة سنوات ، قبل أن يعمل في الادعاء العام ويصبح لاحقًا مدعيًا عامًّا للجمهورية ، ومن ثم رئيسًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

مشاعر الحزن بَدَت على الكثير من أبناء مشهد وغيرها من المدن الإيرانية ، على فقدان هذه الكوكبة التي أسماها المواطنون بـ”خَدمَة الشعب”، خاصة السيد إبراهيم رئيسي الذي يُجِله ويحترمه كل شخص في إيران نتيجة للخدمات والتغييرات والتطورات التي أحدثها في الجمهورية بعد تولي الرئاسة ، بجانب نجاحه في تعزيز العلاقات الدولية لإيران مع دول العالم ، خاصة دول المنطقة ، واحتضانه للمقاومة الإسلامية الفلسطينية.

تعليقات عِدَّة نُشِرَت عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي قال بعضها إن أيدي استخباراتية أمريكية وإسرائيلية وراء هذه الفاجعة الأليمة ، إلّا أنَّ الكثير من المواطنين الإيرانيين يعزون ذلك إلى الأجواء المناخية والطقس الماطر في تلك المنطقة ، وهذا لا يعني بأن القائمين على الحكومة الإيرانية سوف يُهملون هذه الفرضيات ، خاصة إذا تبيَّن أن الرئيس ومرافقيه ذهبوا ضحية مؤامرة خارجية وبأيدٍ أجنبية. فلكلِّ حادث حديث ، إلَّا أن الوضع في إيران مستقر ، والحياة الاجتماعية والاقتصادية لم تتوقف أبدًا. وما حصل لهؤلاء القادة في اعتقاد الكثير من الإيرانيين هو تكريم إلهي باستشهادهم من أجل مصلحة الآخرين من أبناء الوطن ، وأن الكثير من المسؤولين يتمنون الشهادة في سبيل الله من واقع ما وعد به الرحمن الرحيم للشهيد ومنزلته في الآخرة.

إنَّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية -كما يعرفها الكثير- دولةٌ ولَّادة في جميع المجالات؛ فهي فقدت الكثير من كوادرها السياسية والعسكرية والفنية نتيجة لرفضها سياسة الخذلان والانحطاط مثلما تنوي بعض دول العالم العمل بها مع بعض دول العالم الضعيفة ، ووقفت منذ اللحظة الأولى داعمةً للقضية الفلسطينية ، ورفضت أن تفتح علاقاتها مع الدولة الصهيونية؛ الأمر الذي أغضب القوى الكبرى في أمريكا والدول الأوروبية التي مارست أبشع سياسات المقاطعة الاقتصادية والمصرفية على إيران منذ أكثر من 40 عامًا. ورغم ذلك ، تمكنت إيران من إبعاد نفسها عن التبعية الخارجية ، وتمكنت من تحديث وتطوير آلاتها الصناعية والزراعية والغذائية وإنتاجها الوفير في كل مجالات الحياة ، مع تقديم تلك العلوم وخاصة في صناعة الصواريخ والمقذوفات وغيرها لأبناء المقاومة الفلسطينية الذين يقفون اليوم شوكة في حلوق الصهاينة المستبدين الذي يمارسون أبشع أنواع الإبادة ضد المواطنين الأبرياء بغزة الصامدة ، من خلال أسطولهم من الطائرات الأمريكية الحديثة ، والأسلحة الأوروبية المتطورة.

لقد تعرَّضت إيران لعدة محن منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة آية الله الإمام الخميني -رحمه الله- والذي وصف أمريكا بالشيطان الأكبر ، وخصص يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك يومًا للأقصى. واليوم أصبحنا على علم بجرائم أمريكا تجاه أبناء فلسطين المسلمين عموما. فهي لا تريد أيَّ تطوُّر للأمة الاسلامية ، وإنما تريد استعباد الناس وإذلالهم لخدمة أهدافها اللئيمة وحماية الدولة الصهيونية اللقيطة من أن تكون هي المسيطر على الشعوب في المنطقة ، وهذا ما كان يرفضه الشهيد إبراهيم وما ترفضه القيادة الإيرانية منذ تلك الساعة وحتى اليوم وإلى انقضاء الأجل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى