آراء

حول اللسان العربي ومعضلة التدقيق اللغوي

كتب : محمد المبارك خالد التيرابي

Advertisement

اللسان العربي 2

مدقق اللغة العربية في كافة الميادين، وبخاصة في الإعلام الدولي، هو الذي لا يرصد الهنات والأخطاء اللغوية فحسب فيما يُقرَأ ويُكتَب، وإنما ذاك الذي يبرع في مجالات مختلفة نتيجة خبرات تطبيقية طويلة ومتعددة في معرفة الصياغات التركيبية المتطلبة (معنًى وسبكًا وترتيبًا وتشكيلًا، وتقديمًا سريعًا)، هذا عدا الإلمام بالنطق الصحيح للأسماء وبعض الكلمات في مجالات معينة، مثلًا كيف ينطِق أسماء كروزفلت، إبراهام لنكلن، الآستانة، هضبة التبت، نبات القنب، يوسف بن تاشفين، طرفة بن العبد؟

Advertisement

وكيف ينطِق كلمات ككمية، نظرة، مركز ، يهرع، يشتهر، قَصص أم قِصص، وما الفرق بينهما؟ نأتي على نهاية الأخبار، أم نأتي إلى…، يتواجد أم يوجد، حاجة أم حوجة، أقمار صناعية أم اصطناعية، أعتذر إليك أم أعتذر منك؟

وذلك نسبة لسعة اللسان العربي وتمدده، فاللغة العربية -على سبيل المثال- في مترادفاتها ومدلولاتها تمثل أربعين ضعفًا للغة الإنكليزية! وصدق الشاعر إذ يقول على حال لسانها الشاكي:

وسِعتُ كتاب الله لفظًا وغايةً

وما ضقتُ عن آيٍ بهِ وعظاتِ

أنا البحر في أحشائهِ الدرُّ كامنٌ

فهل ساءلوا الغوَّاص عن صدفاتي؟!

ومن المفارقات المضحكة والمبكية في آن أن كثيرًا من القوم لا يجيدون أبسط قواعد الإملاء، وقد تكشفت حقيقتهم بعدما بدأوا يكتبون عبر الإعلام الاجتماعي، برغم أن بعضهم حائز على شهادات عليا!  هذا عدا الأخطاء اللغوية نطقًا وتداولًا كما ألمحنا إلى ذلك في سابق حديثنا  … الأخطاء الشائعة الشائهة والشائنة التي لا يتورع من الوقوع فيها حتى كثير من مشاهير الإعلاميين وكبار المسؤولين وبعض أولئك المحسوبين على العلم والمعرفة بكل أسف!

نعود للب موضوعنا، ففي الإعلام التطبيقي -مثلًا- يُفضل أن يكون المدقق مذيعًا أو مقدم برامج متميزًا سابقًا، وسابقًا على السواء.

وفي مجال العمل الوثائقي كذلك يتطلب الأمر  أن يُختار من خَبِر ذلك المجال ردحاً طويلًا من الزمن، على مختلف التخصصات، فمثلًا لغة البحار وما حوَت، تختلف عن لغة الجبال وماغطَّت، واللغة العقَدِيَّة، وكذا الإخبارية؛ السياسية والاقتصادية تختلفان عن اللغة العلمية باختلاف ضروبها! وينطبق ذلك على لغة “المكاتبات” الإدارية، وغيرها.

هذا عدا ضرورة معرفته الميدانية معايشةً وخبرة باللغة العربية تحدثًا وطلاقة وتحريرًا وكتابةً وترجمة؛ إملاءً، ونحوًا، وصياغة، ونطقًا صحيحًا،  وطرحًا، وغير ذلك كما أشرنا آنفًا.

وفي الميادين الإعلامية بوجه خاص -وفي أيامنا هذه تحديدًا- تكون الأولوية للمدقق اللغوي الذي يُتقن الترجمة من الإنكليزية إلى العربية والعكس بالعكس مثلًا، ليتحقق من صحة وحجم وصياغة بعض الأخبار العاجلة، ومن مدى صدقية البحوث الاستقصائية، فكل كلمة لها ألف حساب، وحساب، وبخاصة في عصر الإعلام الاجتماعي الرقمي هذا، الذي يستوجب التدقيق والتحقيق في ظل زحمة المكاشفة، وشيوع المشاركة، وسرعة الصياغة والنقل، وجرأة التلفيق والتهويل أحيانًا.

علمًا بأن المنافسة كبيرة للغاية في طلب الالتحاق بالعمل الإعلامي، وغير الإعلامي، من قِبَل ذوي الكفاءات التطبيقية المتعددة ذات الخبرات الميدانية النوعية التي تبدو جليةً -ومنذ الوهلة الأولى- على اللسان والإنجازات العملية “المباشرة” على حد سواء، وبخاصة في حقل الإعلام بعدما بات “سلطةً أولى” مُهابة تهم الجميع؛ وبالتالي يدخل في كافة التخصصات على اختلاف مشاربها.

  • خبير استشاري في التدريب التطويري الذاتي والمؤسسي ، والإعلام التطبيقي بخبرات دولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى