آراء

ليلة سقوط ترامب ومرتضى منصور

بقلم : د. محمد سعد
لا أدري السبب الذي حدا بالبعض للربط بين سقوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه جو بايدن، وسقوط مرتضى منصور ـ الذي لقبه البعض بـ”ترامب الدقهلية” ـ رئيس نادي الزمالك المصري في الانتخابات النيابية بدائرة ميت غمر وهي مدينة صغيرة تابعة لمحافظة الدقهلية الواقعة شمال الدلتا المصرية، ورغم الجانب الكوميدي الساخر في هذه المقارنة، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الحقائق والطرائف، فكلا الرجلين مثيران للجدل ، وكلاهما ينتمي للجنس الأبيض القوقازي، حيث هاجر أجداد ترامب لأبيه من ألمانيا في أوائل القرن التاسع عشر ، وورث عنهم الشعر الأحمر والبشرة الشقراء ، ومهنة السمسرة في العقارات التي أدخلته نادي المليونيرات منذ تسعينيات القرن الماضي، وأوصلته لعضوية الحزب الجمهوري الذي ترشح على قوائمه لانتخابات الرئاسة في 2016م بعدما أزاح عن طريقه سياسيين مخضرمين نافسوه للظفر بترشيح الحزب ، لينجح في الفوز بالكرسي الرئاسي الأشهر، بعد هزيمته لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كيلنتون، عقب معركة انتخابية حامية، جاءت نتيجتها مخالفة لكافة استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات وتنبأت جميعها بفوز مريح لكلينتون وهزيمة ساحقة لترامب.
بينما ولد مرتضى منصور في حي شبرا الشعبي بالعاصمة القاهرة لأسرة ميسورة الحال ترجع جذورها لإحدى القرى القريبة من مدينة المنصورة التي شهدت الحملة الصليبية الخامسة التي تعرضت لها مصر في القرون الوسطى، وبناها الملك الكامل أحد ملوك الدولة الأيوبية في العام 616هـ ـ 1219م ، كمعسكر للجند لاستعادة مدينة دمياط التي احتلها الصليبيون وظلوا فيها ثلاث سنوات ، وأحاطها بسور حصين بنا داخله قصرا لسكناه ودعا الأمراء والعساكر لبناء منازلهم وحصونهم بجواره، وزود المعسكر بالآلات الحربية والمتاريس، وأطلق عليها المنصورة بعدما نجح في هزيمة الصليبيين وطردهم من دمياط انطلاقا من المنصورة، التي حظيت منذ ذاك الوقت باهتمام سلاطين المماليك بسبب موقعها الذي يتوسط الطريق بين العاصمة الفسطاط وأهم الموانئ المصرية في ذاك الوقت دمياط ، التي تعرضت لغزوات عديدة من الفرنجة الطامعين في احتلال مصر، نتج عن هذه الحملات الأوروبية المتكررة تواجد آلاف الجنود الأوروبيين؛ الذين إما أسروا أو هربوا من الحرب أو تخلفوا عن الرجوع لديارهم ، وامتزجوا بالشعب المصري، ووجدوا في قرى ومدن شمال الدلتا ملاذا آمنا للعيش والاستقرار، فتزاوجوا وتناسلوا بعدما أعلنوا إسلامهم وأصبحوا مصريين ، وربما هذا يفسر السبب وراء وجود كثير من سكان محافظات الدلتا المصرية، يتمتعون بالبشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الناعم الأصفر.
وهي الصفات العرقية التي ربما تجمع ترامب بمرتضى منصور الذي وضع الشهرة ولفت الأنظار هدفا منذ بداية حياته العملية ، حيث كان يعمل بسلك القضاء بعد تخرجه في كلية الحقوق جامعة عين شمس منتصف سبعينيات القرن الماضي، وجاءته الفرصة ، حينما كان ينظر قضية رفعها عشرات المحامين في العام 1983م ، يطالبون فيها بوقف عرض فيلم “الأفوكاتو” لنجم الكوميديا الشهير عادل إمام اعتراضا على دور المحامي الذي لعبه إمام وكان يدعى حسن سبانخ وكان محاميا فاسدا يستغل الحيلة والرشوة في كسب قضاياه وهو ما اعتبره المدعون إهانة لمهنة المحاماة ، وحضر عادل إمام جلسة النطق بالحكم الذي سيصدره المستشار مرتضى منصور وكان إمام يجلس في الصف الأمامي بجوار محاميه، و طلب منصور في بداية الجلسة من عادل إمام الدخول إلى القفص تمهيدا للنطق بالحكم بوقف عرض الفيلم وحبس عادل إمام سنة مع الشغل ، وما إن نطق بهذه العبارة إلا وساد الهرج والمرج قاعة المحكمة وطار الخبر للصحفيين وقيادات الداخلية الذين كان يربطهم بالزعيم عادل إمام علاقات قوية ، وقف عادل إمام في ثبات وقال لمرتضى منصور متحديا:”مش عادل إمام اللي يدخل القفص”، واهتز مرتضى منصور وأسقط في يده فلم يكن تصرفه قانونيا فالتهمة جنحة ولا تستدعي وجود المتهم في القفص، واختفى مرتضى 10دقائق عن المنصة، وعاد ليتلو على الحضور استقالته من العمل بالقضاء اعتراضا على تدخل جهات عليا والضغط عليه لإلغاء الحكم على إمام، والمفارقة أن مرتضى اتجه بعد استقالته للعمل بالمحاماة وأصبح من أشهر المحامين المصريين والعرب وأصبح صاحب أعلى أجر يصل لملايين الجنيهات والدولارات في قضايا القتل والمخدرات والتهرب الضريبي .
تصدر هشتاج “مرتضى سقط يارجاله” قائمة الأكثر تداولا في مصر وعدد من الدول العربية، بعد إعلان خسارة منصور وخروجه من السباق الانتخابي، وفقده الحصانة البرلمانية التي أساء استغلالها واستقوى بها في إهاناته المتكررة لرموز سياسية ورياضية عجزت عن أخذ حقها منه ووقف تجاوزاته.
وسهر ملايين المصريين للصباح يتابعون نتيجة الانتخابات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي،وأطلق رواد التواصل الاجتماعي على مدينة ميت غمر لقب “بنسلفانيا مصر” وهي المدينة التي ساهمت في حسم نتائج الانتخابات الأميركية لصالح جو بايدن ، والتي يرفض ترامب الاعتراف بنتائجها حتى الآن، وقام بالطعن عليها أمام المحكمة العليا، مصرا على امتلاكه أدلة تؤكد وجود عملية تزوير واسعة في أكثر من ولاية ، ونفس الشيء فعله مرتضى الذي حمل تركيا وقطر والإخوان مسؤولية هزيمته، وأعلن اعتزامه الطعن على نتيجة الانتخابات أمام القضاء وأنه سيفجر مفاجآت ويقدم “سيديهات” وأدلة موثقة للتزوير والتجاوزات التي تعرض لها أمام المحكمة.

Advertisement

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى