ثقافة وفن

مسرحية الأطفال البحرينية “أشجع الشُّجعان” أجاد ممثلوها صورها السُّلوكية والنَّفسية ، فتفاعل معها الأطفال بصدق

كتب : علي باقر – مملكة البحرين

Advertisement

ما دفعني للكتابة حول مسرح الطفل واستعادت صورته المشرقة مشاهدتي لمسرحية “أشجع الشُّجعان” للكاتبة البحرينية المهتمة في سكيولوجية الطفل الأستاذة رابحة عيسى البصري ، وإخراج الفنان محمد عبد الحسين وإشراف فنان الريف جعفر البصري وقدمتها فرقة “العشاق” ، تم عرض المسرحية على مسرح قاعة الكوثر بقرية مهزة في جزيرة سترة بمملكة البحرين ، وكانت من تمثيل الفنانين : حسن حبيل ، حسن أبو تاكي ، محمد جعفر البصري ، محمد جاسم في دور ، سيد مرتضى جميل ، سيد مجتبى جميل ، يوسف أحمد في دور ، هادي محمد البصري ، محمد رضي البصري و حسن عباس البصري في الديكور ، و محمد رضي البصري في الإضاءة ، وسيد جميل سيد حسن في الصوتيات ومحمد عبد الحسين في المؤثرات الموسيقية ، وحسين قبَّال في إدارة الخشبة ، و محمد عبد الجليل ، محمود ميرزا ، محمود الملأ ، مصطفى مطر ، علي الحر البصري في إدارة العرض و محمد الحر البصري و سيد جميل سيد حسن في اللجنة الإعلامية.

مسرحية بحرينية 2

Advertisement

وجدت في العرض المسرحي الطفولي الممتع تفريغ نفسي عميق مناسب لعقلية الطفل مناسب لتفكير الطفل .. وُضِع في قوالب سلوكية ونفسية ، رغم شحة توظيف الكوميديا فيها إلَّا أن الأطفال تعلقوا بها وتفاعلوا مع أحداثها تفاعلاً حتى نهايتها وانسجموا مع شخوصها في روعة أدائهم ، فقد أتقنوا أدوارهم باللغة العربية الفصحى ، وتفوقوا في نطق بُنية مفرداتها وضبط إيقاعها .. وهذا ما زاد اندهاشي من روعة التَّدريب الإخراجي والأدائي و اللَّغوي.

المسرحية التي تناولت “قلبوب وأصدقائه” تعلقت بسلوك مضر وهو الغضب الذي عادة ما يسيطر على نفسية الإنسان ويدمر علاقاته مع زملائه والآخرين من حوله ، فهو وسيلة من وسائل الهدم ، وهي لم تستفز الأطفال فقط ، وإنما نال أولياء أمورهم منها شحنات من ذلك الاستفزاز ، فمن خلال عرضها يستشف أولياء الأمور صوراً تعليمية هي بمثابة خارطة طريق تساعدهم على فهم نفسية أبنائهم وسلوكهم وطرق المعالجة التبصيرية من بين أحداثها.

أدركت أن اسمها “أشجع الشجعان” لاتسلط الضوء على بطل واحد من بين شخوص المسرحية كشكل من أشكال المفاضلة ، وإنما اسم المسرحية اكتسب شكل آخر هو في نظري أكثر عمقاً وهو المحبة والتعاون المثمر البناء لايصل إليه الإنسان إلا بعد تخلصه من سلوك الشائن والغضب نهائياً ،  وأن صفة الشجاعة مهمة ويحتاجها الإنسان كوسيلة للدفاع عن نفسه ، ولكن يجب الَّا تكون مقرونة بالغضب والاقتتال.

مسرحية بحرينية 3

فكرة عرض مسرحية أشجع الشجعان اقترنت بأربعة شبان بينهم المارد “شجاع” الذي لا يُظهر ضراوة غضبه إلا عندما يتمكن الغضب فيهم عند تفاعلهم مع بعضهم في حياتهم السلوكية بكل ما فيها من لعب و دراسة وتواصل مع الانترنت ، فقد تجسدت شخصيات محببة للطفل مثل :  الكرة والمعرفة والأنترنت والأكسجين والوقت وكلها شخصيات تمثيلية عايشت الأطفال وأصبحت صديقة لهم خلال هذا العرض الجميل التَّخيلي.

تلك الشَّخصيات لها دور كبير في تغلبهم على الأزمات التي تواجه مجموعة الأطفال قلبوب والمعلم الصغير”لبيب”  وصديقه “عصام” التي هو بحاجة إلى التَّعلم ، وظهر من سلوكهم الاجتماعي أنهم يتقنون العلوم حينما تسيطر عليهم المحبة والصداقة الحقَّة فتتهذب نفوسهم ولكنهم حينما تظهر تسيطر عليهم نزعة الغضب في نفوسهم تتغير حياتهم وتتعثر مشاريع المحبة بينهم فيحيكون المؤامرات لأصدقائهم بتلذذ وشراهة مما يحفز ذلك على الخصام. وهنا نجد أن عنصر الشر “شجاع” صاحب الصندوق المخيف ، فيظهر كالمارد المخيف الذي يقبض على المتسبب في الغضب ويعذبه في الصندووق الذي يتصاعد منه الدَّخان والعذاب ، فنجد أن قلبوب يسقط في شر أعماله بعد أن سيطر عليه الغضب ويكون ضحية أخرى للمارد و يضعه في الصندوق ومما يدفع الأصدقاء في التفكير من إنقاد زميلهم من سطوة المارد ويحاولون خوفا على زميلهم وهكذا يحاولون مساعدهم “الأوكسجين” الذي يحتاجه الجميع وهو سر الحياة النقية الذي يتوصل لكلمة السر التي تفتح الصندوق بواسطة المعرفة والتفكير وحب أصدقائه ومساعدة الأصدقاء من جمهور الأطفال.

المخرج الفنان محمد عبدالحسين حاورته حول هذه المسرحية قائلا : ” كيف استطعت أن تقدم عرضاً للطفل ملهماً رغم أنه بكورة إخراجك وأن مسرح الطفل في حقيقته بالغ التعقيد يحتاج إلى أمور كثيرة علمية تغوص في سلوك الطفل وتدرس ميوله ؟

مسرحية بحرينية 4

فأجاب : شكراً لاهتمامكم وآمل أن تصل الرسالة من خلال تجربتي الأولى إلى مجتمعنا الكريم ، لقد اكتسبنا فهماً مختلفاً عند قراءتنا للنصوص المسرحية واستخراج الهدف منها ، محاولين إيصال العمل إلى ضفة النجاح ومراعين المعايير المثلى، فلكل مسرح أسسه العلمية والعملية والأكاديمية والفنية.

وفي عملنا هذا ، والمستهدف فيه فئة عمرية محددة ، تم مراعاة كل ذلك. فإن كان لديك نصاً جميلاً  موجهاً للطفل تتجلى فيه المعايير الأكاديمية والمعرفية ، فأنت تكون محظوظاً. أدرك تماما أن مسرح الطفل يصنف على أنه من أكثر المسارح صعوبة ، ويحتاج إلى الكثير من الفهم – الفهم الأكاديمي والفني والتقني على مستوى النظر والسمع والحركة – بعالم الطفل . فرقتنا اجتهدت كثيرا في توفير كل ذلك ، وأن لديها تجارب سابقة ولذا عمدت علي التطوير في هذا العمل.

وأردف قائلاً : المتصدي لأي عمل مسرحي يجب أن يضع في ذهنه المعوقات التي قد تحاول إعاقة أهدافه و يجب ألا يستسلم لها ، فمن خلال تدريباتنا وجهنا بعض من المشكلات  لمشروعنا أن الممثلين طلبة وهم – كما نحن – مهتمون بمستقبلهم الدراسي وانجازهم في امتحاناتهم . فعالجنا هذه المشكلة بالمرونة الكبيرة في التدريبات ، ولعل هذه أكبر عقبة واجهة العمل ولكن أعطتنا تحدٍ جميلٍ وطعم حلو تذوقناه عندما ابتهجنا بنجاح عروضنا المسرحية بحضور كبير من الأطفال و أولياء أمورهم وتفاعلهم مع المسرحية.

كانت لي وقفة مع الكاتبة الأستاذة رابحة عيسى البصري مؤلفة هذه المسرحية سألتها : نص أشجع الشجعان وجدته سيكولوجياً تربوياً في شكل بناء أحداثه و تصاعد بنائه موجها في عمقه للطفل صوراً وتخيلا وتأثراً ، فما مدى صدق مقولتي هذه عندك ؟

مسرحية بحرينية 5

استشعرت الكاتبة لذة العرض وابتسمت متخيلة للفرحة التي انعكست على الأطفال وأولياء أمورهم وأجابت : “كتبت النَّص ممسرحاً فيه أكثر من جانب وأكثر من اشتغال ، وقمت بمراعاة الجانب الأدبي فيه والمحافظة على شكل النص وايقاعه والبناء السَّردي فيه مراعيةً الفئة العمرية  المتلقية ، وحتي الفئات أولياء أمورهم ، أما الجانب الثاني فهو السيكولوجي والتربوي والنفسي وهذا الجانب أخذ مني فترة كبيرة في الدراسة والتَّبحُّث لدخول في عوالم الغضب وعالم ضبط الأعصاب والتقنيات وأمور أخرى كثيرة ، فالنص عبارة عن خلطة عجيبة يجب أن تصل للطفل على هيئة فرجة مسرحية ولسنا بحاجة إلى أن نحلل له الموضوع أو المعلومة بتوجيه مباشر ، ندرك أننا بحاجة لأن نجعله يهضم المعلومة بأسلوب قصصي مسرحي فيه فرجة ومتعة وانشداد وانجذاب إلى المسرح.

أما عن اختياري للموضوع فقد جاء من سلسلة ما أطرحه للمسرح من مواضيع “قلبوب” على مسرح الطفل وهذه الحلقة من تقديم حلقة بعنوان “قلبوب في خطر” طرحناها في عام 2018 وتتناول إشباع الرغبات وتأجيلها عند الطفل ، وكيف نحولها إلى مشورة عقليه قلبية فيها حوار نفسي داخلي ؟ وكيف نتعامل مع الطاقة التي أعطانا إياها الله بحيث يتوجب علينا حُكمها والتّحكم فيها بطريقة علمية هادئة لاتؤذيه و تؤذي الآخرين.

مسرحية بحرينية 6

الفنان المخرج جعفر البصري المشرف العام على مسرحية الأطفال “أشجع الشجعان” تحدَّث عن العرض المسرحي قائلاً : إننا قدمنا العمل بشكل واقعي مرمز له صور تخيلية يتناغم معها الطفل ويستوعبها ، فمن خلال مشاهدتك لاحظت أن المعرفة شخصية والساعة (الوقت) شخصية والكرة أيضا شخصية محببة لعالم الطفل ولكنهم شخصوا أدوارهم التمثيلية لغرض محاكمة الأطفال والأطفال المتفرجين تقبَّلوا الحكم وانحازوا إلى ماهو خير وصالح لهم ، تفاعل الأطفال مع العرض يعني أنه يتطلع إلى الصدق ويحبه ويعرف الضرر ويحاول الابتعاد عنه.

هذه الحالات النفسية دخل الطفل في عوالمها وأدرك أن التنمر والعدوانية والتآمر على الناس صور من الشر يجب الابتعاده عنها ، وأردف قائلاً ” أن سر النَّجاح في هذا العرض المسرحي هو الإتكاء على نص قريب من الطفل ويمتاز بالقوة في البناء والحبكة والصراع ، ويغوص في سلوكه ، وفيه تفاصيل دقيقة ، كتبته الأستاذة رابحة البصري وهي كاتبة مثقفة ومطلعه ، والمخرج أبدع في تعميق الحدث المسرحي من خلال الأداء وتطويعه لأن يكون قريباً من الطفل بشكله وطقسه الذي تعايش معه الأطفال من خلال أداء الممثلين الجميل باللغة العربية الفصيحة بضبطها وبنائها كما أنه حافظ على الحالات النفسية التي عمقت أداء الممثلين ، مما أدى ذلك إلى إندماج الأطفال وتفاعلهم مع العرض حتي لحظة انتهائه.

حاولت أن أحاور أبطال المسرحية فتحدث الممثل المبدع محمد جاسم إبراهيم عن شخصيته وإنجازه المسرحي قائلاً : لعبتُ شخصية “لبيب” و أنا أمثل في واقعي المسرحي شخصية عقل “عصام” الذي يفكر ويتخذ القرار في كل أمور حياته ، فحينما يكون متفاهماً مع “قلبوب” تزدهر شخصية عصام وتصبح حياته مرتبة ، ولكن حينما يختل عقله ويسيطر عليه الغضب ينزعج “شجاع” المارد  وتحدث المشاكل لعصام ورفاقه فيخسر عصام عقله وقلبه في حالة الغضب ، فنجده في هذه الحالة يكره ويفعل أشياء دون تفكير ويدير المقالب ولايحترم أوقات الدراسة واللعب. أما الممثل محمد جعفر البصري الذي لعب شخصية “قلبوب” فقد تحدث عن الدروس التي استفاد منها أثناء التدريبات وعن أهمية شخصيته “قلبوب” في أحدث المسرحية .. فقال : المسرح بشكل عام يعلمك الكثير فقد تعلمت منه الصبر وتحمل المسئولية والتَّحدي لبلوغ شخصيتي التمثيلية بين أقراني والممثلين الذين يكبروني سناً لكي أحافظ على هدوئي واتزاني وأحفاظ على التفاصيل الدقيقة التي أسدى بها المخرج ، علمني التركيز أيضا لأن مسرح الطفل يحتاج إلى الحرص على الأداء وعدم الارتجال لأن المسرحية موجهة لطفل وهو يلتقط الحركة والصوت وربما يسجل في ذهنة عادات سيئة لذا أستوجب منا الحرص على التقيد بالحوار والحركة. أما شخصية “قلبوب” فيه تمثل القلب وهو سر الحياة ونبضها ، هذه الشخصية تمثل الماء في جسم الإنسان فمن صلح قلبه صلحت سرائره وكل حياته.

شخصية “محبوبة” ـ الكرة جسدها الفنان حسن علي بوتاكي قال : لعبت هذه الشخصية في مسرحيتي الأطفال “قلبوب في خطر” وهي الجزء الأول التي تظهر مخاطر التعلق بالأجهزة الألكترونية وكما شاهدتني في عرض مسرحية الأطفال “أشجع الشجعان” التي تسلط الضوء على صفة الغضب ومضارها وشخصياتي الكرة التي يعشقها ويتعلق بها الملايين من البشر وليس فقط الأطفال وطبيعتها محبوبة وقريبة منهم ، وهي تعبر عن نوع من التخيل الرمزي في التشخيص تظهر مدى الحب والتعلق بين الطفل الذي يهوى اللعب وكما تراها في العرض .. أنها تحاول أن تزيح المشاكل والأزمات عن رفاقها وتفرح حينما تنفرج أزماتهم .

الفنان المخضرم الذي يلعب شخصية المارد “شجاع” حسن حبيل ” علَّق على دوره بقوله رغم أن اسمي “شجاع” إلا أنني أمثل شخصية الشرير المارد الذي يخافه الأطفال ، ولكن الشرَّ في شخصيتي لها حكمة تنعكس على جميع أصدقائي الممثلين .. فأنا صفتي الداخلية إنني “شجاع” محب لجميع أصدقائي ولكن التَّحول في إكتسابي سلوك الشر وسجن أصدقائي لا يحدث إلا حينما يتأثرون ويسلكون  سلوك “الغضب” فنجده  يسيطر عليهم .  لذا ترون سلوكي كمارد لايظهر إلى عند سلوك الغضب عندهم ، فالتَّحول هو نفسي ، وبه ارتباط ٌ شَرطِيٌ  .. أحببت هذه الشخصية بتحولاتها وبشكلها البصري وأدائها المخيف وبما تحمل من حكمة .. وهي أن الحياة تبدوا جميلة رائعة كلما ابتعدنا عن سلوك الغضب الذي يفرق الأحباب ويخلق الأزمات والمشكلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى