قراءة في كتاب

كتاب عقيدة الصدمة

عقيدة الصدمة تأليف الباحثة “الكندية ناعومي كلاين” أصدرته سنة 2009 باللغة الإنجليزية وقامت بترجمته “نادين خوري” سنة 2011م ، يمكن اعتبار هذا العمل الموسوعي الضخم أفضل كتاب سياسي اقتصادي بحسب النقاد العالميين وأهم ما صدر عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة من قبل المؤسسات والدول الكبري في العالم منذ ثلاثين عاما خاصة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي إلى وقتنا الحالي ، تشرح فيه نعومي كلاين أسطورة انتصار اقتصاد السوق الحرة عالميًا بطريقة ديمقراطية ، وتكشف أفكار ومسارات المال ، وخيوط تحريك الدمى وراء أزمات وحروب غيرت العالم في العقود الأربعة الأخيرة وتسمي الكاتبة هذه السياسات بسياسة ” العلاج بالصدمة ” ، وتشرح ما وقع في البلدان التي تعرضت للعلاج بعقيدة الصدمة، كما توضح تأثير سياسات صبيان مدرسة شيكاغو في مجال الاقتصاد على الدول التي طبقتها، سياسيا واجتماعيا ، ابتداء من إندونيسيا سوهارتو إلى تشيلي والأرجنتين والبرازيل ثم روسيا وشرق آسيا وصولا إلى العراق حيث يقوم مذهب رأسمالية الكوارث على استغلال كارثة ما، سواء كانت انقلابا ، أوهجوما إرهابيا ، أو انهيارا للسوق، أو حربا ، أو كارثة طبيعية، أو إعصارا، من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية كالقبول بحكومة انتقالية أو قاعدة عسكرية أو مساعدة دولية…

Advertisement
shamehk2

الجزء الأول من الكتاب تتحدث فيه الكاتبة عن تجارب عالم النفس الكندي الشهير “أيوين كاميرون”، الذي كانت تجاربه تهدف إلى مسح إدراك الإنسان وذاكرته كي يسهل برمجته والتحكم به.. تجاربه التي أخضع لها مرضاه النفسيين من خلال عزلهم تماما عن العالم الخارجي وتعطيل حواسهم تماما، ظلام لا صوت ولا لمس حتى ، وبعد ذلك تعريضهم لموجات من التيار الكهربائي.

الجزء الثاني بطله الشهير جدا الاقتصادي العالمي الحاصل على جائزة نوبل “ميلتون فريدمان” وما طُبق على الأفراد أراد تطبيقه على الشعوب وأمريكا اللاتينية خير دليل تشيلي الأرجنتين البرازيل…إلخ، وطبعا العراق…إلخ، والهدف أن الشركات الكبرى العابرة للقارات تجد أسواقا جديدة ولا شيء يقف في طريقها.

Advertisement
maharat

قامت الكاتبة بعد ذلك باختبار وفحص عدد شاسع من التجارب العالمية بداية من المقارنة عن حق بين نوع من التعذيب والعلاج قائم على إعادة تربية المرء انطلاقا من الصفر، أي غسل دماغه بالكامل وجعله فارغا قابلًا لكل إضافة ، وبين اقتصاد المحافظين الجدد القائم على إعادة الرأسمالية إلى طبيعتها وترك السوق حرة دون أي تنظيم أو تدخل أو زيادة.

ذلك يعني رفع يد الدولة تماماً، وتقليص جسم الدولة بحيث لا يبقى منها سوى سلطتها القمعية، منع أية مساعدات عن البلد وتركه يتدبر أمره بنفسه  خصخصة كل المرافق، فتح البلد أمام الاستثمارات الأجنبية التي تتولى إدارة المرافق المخصخصة ورفع أي قيود حمائية.

وطرحت الكاتبة فكرة برنامج غير شعبي إذ انه يؤدي إلى البطالة والتضخم وحرمان الطبقات الشعبية من أي ضمان ، لذا لا بد من تطبيقه بعد الكوارث؛ ففي الكارثة يسهل تمرير أي شيء، إذ يكون الناس في هلع لا يملكون معه أي مقاومة ، هذا ما حصل بعد 11 سبتمبر لكنه لم يحصل هناك فحسب ، بل حصل قبل 11 سبتمبرفي تشيلي والأرجنتين وبوليفيا وأميركا اللاتينية عموماً وروسيا وأوروبا الشرقية كلها ، وحصل في العراق بعد 11 سبتمبر، الانهيار الاقتصادي الحالي لم ينشأ اليوم ، ثمة تجربة عالمية خاضتها مدرسة شيكاغو أدّت إليه.

العلاج بالصدمة

الصدمة التي يمكن تطبيقها على الفرد، يمكن أن تطبق على المجتمعات ، تخيل دولة اشتراكية مثلا أو دولة تتدخل وتقدم دعما اجتماعيا للمواطنين ونريد أن نحوّلها لنظام السوق الحر، التحولات الكبيرة على المستوى الاقتصادي المشابه لهذا لن يقبل بها الشعب أبدا ومن المستحيل أن تمر مرور الكرام في ظروف طبيعية، بل قطعا سيصاحبها نوع من صدمة.

مجموعة الناس الذين يمثلون الدولة مع مرور الوقت، مفاهيمهم الاجتماعية والسياسية وسياستهم بنت سورا حولهم، حتى يحميهم من الأفكار التي يرون بأنها سيئة ، السور له بوابة واحدة ويقف عليها حارس في الأوضاع الطبيعية دخول السياسات والأفكار يتم من خلال هذه البوابة فقط وتحت إشراف الحارس الذي يصعب التفاهم معه جدا وخصوصا لو كانت الأفكار غريبة.

عوضا عن التفاهم معه لو طبقت مبدأ الصدمة ممكن أن تضربه على رأسه ويصاب بعمى مؤقت، تستطيع خلال فترة قصيرة أن تمرر أي سياسات أو أفكار من البوابة ، أو ممكن لصدمة قوية أن تهز الأرض بقوة لدرجة أنها ستوقع السور كله وذلك سيمنع البوابة من أي ميزة إشرافية فيسبب صدمة أكبر بتأثير أقوى.

  • الصدمة يمكن أن تكون: ( انقلابات – حروب عسكرية – اضطرابات ثورات – عمليات إارهابية –  تضخّما اقتصاديا – كوارث طبيعية – أوبئة ) الأزمة تجعل المستحيل ممكنا!

الدولة ستعمل على خلق أوضاع جديدة تمرر من خلالها سياسات اقتصادية واجتماعية الناس كانت سترفضها في الحالة الطبيعية ، الدولة لديها ٢٠ شركة لو قررت أن تبيع شركة منهم للقطاع الخاص في الظروف العادية ، ستندلع احتجاجات كبيرة ولكن لو صدمت الشعب بصدمة جماعية ، من الإنذار بحرب قد تحصل أو تضخم اقتصادي ، ستتمكن من بيع العشرين شركة دفعة واحدة ولن يجرؤ أحد على قول أي شيء.

عندما تحدث الكارثة، السكان يدخلون في حالة الصدمة الجماعية ويكونون أكثر قابلية على أن يقبلوا سياسات كان من المستحيل عليهم قبولها في الأوضاع الطبيعية.

الشعب يسلّم بشكل أكبر ويقضي على كل خطوط دفاعه ومقاومته، ويمكنك حينها أن تهندس المجتمع وتعيد ترتيبه بالكامل من الصفر.

ستتمكن من أن تخفض الإنفاق الاجتماعي، أو تلغي القطاع الحكومي ، تخصخص كما تشاء وتحرر السوق تماما.

بناء على مبدأ الصدمة الذي صاغه “مليتون فريدمان” فهو يرى أن الأزمات فقط – سواء كانت حقيقية أو مفتعلة – هي التي لديها القدرة على إحداث تغيير حقيقي على مستوى الدول والجماعات.

سياساته تقوم على تحجيم القطاع العام ونقل أعماله للقطاع الخاص وتجفيف الإنفاق الاجتماعي وإعطاء الشركات حرية التصرف بصورة كاملة.

المبادئ تلك تم تصديرها من أميركا لدول العالم، سواء الدول الديموقراطية في أوروبا مرورًا بالانقلابات العسكرية في أميركا الجنوبية انتهاء بآسيا وإفريقيا.

أنت حاكم مدينة ، والناس بالنسبة لك طلباتهم لا تنتهي فهم يريدون كذا وكذا ، حوّل الحياة كلها لجحيم الاضطرابات والانفلاتات في كل مكان وخسر الناس كل مقومات الحياة ، أفقدهم كل إحساس بالأمن ، عندها سيرضون بأي شيء تقدمه لهم ، المهم أن يحافظوا على حياتهم ،أو خض حربا وافتح جبهة سهلة، أسمح ببعض الهجمات الإرهابية بذلك سيكون لديك سبب مقنع أن تقضي على أي اضطراب داخلي.

ليس شرطا أن تخلق الأزمة ، المهم أن تتحرك فيها بسرعة وتطبق السياسات بسرعة قبل رجوع المجتمع لحالته الطبيعية ، اشغل الشعب في المزيد من الصدمات ، ولو قررت أن تمرر سياسة معينة في ساعة الصدمة وحصل مقاومة اخلق صدمة أكبر ، لو أن هناك ضررا قم بدمجه مع ضرر ثان أكبر، كي يمر بصورة أسرع (مبدأ الأاضرار كلها دفعة واحدة).

إن كانت العملية طويلة ومؤلمة والناس لن تستطيع الاحتمال اخلق عدوا وهميا وخوّف الشعب منه، ولكن  يجب أن يكون شبحا هلاميا لا أحد يمكنه معرفة أبعاده أو يمكنه أن يمسكه.

ومثلما أن الكوارث مفيدة على الجانب السياسي، فهي مفيدة على الجانب التجاري وتعتبر فرص استثمارية ممتازة، لأنه بعد كل انهيار تأتي الفوضى، يمكنك أن تستغلها وتحقق منها مكاسب ضخمة ، فقدان الناس لكل شيء جعلهم يوافقون على أمر كان من المستحيل أن يوافقوا عليه في الوضع الطبيعي ، وعلى سبيل المثال؛ حي شعبي في قلب مدينة أثرية  بيوته سكانها ورثوها عن آبائهم الذين ورثوها من جدودهم من آباء جدودهم وهم رافضون تماما ترك تلك البيوت بأي ثمن ، اليوم المدينة استيقظت على زلزل دمّر جزءا من ذلك الحي ، يمكنك أن تستغل أثر الصدمة الذي سببه الزلزال، وتعوض السكان وتشتري بيوتهم بأبخس الأسعار أو حتى تعطيهم بدلا منها بيوتا في أماكن بعيدة وتستغل الموقع وتبني مكانه مواقع ومنتجعات سياحية ستحقق لك أضعاف ما دفعته.

حرب العراق خير دليل

لو كان الاقتصاد في دولتك متعثرا وكل الحلول التي حاولت تطبيقها غير مجدية بدرجة كافية، واليوم أتاك خبر بأن بلدك تعرّض لهجوم ، وأن المهاجمين خطفوا طيارات وضربوا عدة أماكن حيوية في البلد، فأنت ستقوم بتطبيق مبدأ الصدمة وستستغل حالة الخوف والصدمة التي أصابت شعبك.

ستصدر قوانين تسمح لك بالتحكم بالبلد بشكل أكبر، وبأن تتجسس على الناس ، ستطبق سياسات داخلية وخارجية كان من المستحيل للشعب الموافقة عليها في الظروف الطبيعية، بل يمكن للشعب أن يطلب منك تطبيقها بنفسه.

وستعلن الحرب على دولة ثانية بدون أسباب حقيقية، ولكنها لن تكون حربا عادية، بل حرب استثمارية، ستعطي لاقتصاد بلدك دفعة قوية ، ستدفعه لمدة عشر سنين للأمام ، ستوفر المليارات لآلاف الشركات الخاصة في دولتك ، بداية من شركات الأسلحة والشركات الأمنية وشركات إعادة الإعمار، بالطبع فأنت ستدمر البنية التحتية بالكامل، لكي تعيد بناؤها مرة أخرى بعقود تجارية جديدة، وصولا لشركات الطباعة التي ستطبع الكتب المدرسية للدولة التي قمت باحتلالها وستستفيد بكل الطرق.

ستتجاهل حقوق الإنسان في معتقلاتك التي كنت تعلن عنها ليلاً ونهاراً وتعطّل القيم التي كنت تنادي بها بدعوى الوضع الصعب الذي تمرون فيه.

وختاماً.. الصدمة تخسر معظم قوتها وأغلب فعاليتها إذا عُرِفت ، لو عرف الشعب مبدأ الصدمة الذي يمارس عليه، كان بكل تأكيد سيكون له رد فعل مختلف!

وأخيراً لن تجد ـ إلا نادراً ـ كتاباً في الاقتصاد السياسي بمثل متعة هذا الكتاب ، وإذا شق على القارئ قراءة الـ 750 صفحة فإن بعضها قد يكون كافياً، ذلك أن نعومي كلاين اليسارية الكندية عرضت أطروحتها بمنتهى السلاسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى