جرائم الحرب “War Crimes”
بقلم : السفير أشرف عقل
جرائم الحرب هي تلك الانتهاكات لقوانين الحرب ، أو القانون الدولي ، التي تعرض شخصا ما للمسئولية الجنائية الفردية. وبينما يعود فرض قيود على التصرف في نزاع مسلح إلى المحارب الصيني صن تسو فى القرن السادس قبل الميلاد ، كان الإغريق القدماء من بين أول الذين اعتبروا تلك المحظورات قانوناً. وظهرت فكرة جرائم الحرب بحد ذاتها ، وبأكثر معانيها اكتمالا ، في قانون مانو الهندي “حوالى عام 200 ق.م”. ومن ثم شقت طريقها إلى القانون الروماني والقانون الأوروبي ، وبصفة عامة ، تعد محاكمة بيتر فون هاجنباخ ، الذي حوكم سنة 1474 في النمسا وحكم عليه بالموت لقيامه بأعمال وحشية في وقت الحرب ، أول محاكمة حقيقية على جرائم الحرب فى العصر الحديث .
وقد قبلت بعض الدول مع الحرب العالمية الأولى اعتبار انتهاكات معينة لقوانين الحرب من الجرائم التى قُنن معظمها في اتفاقيات لاهاي لسنة 1889 وسنة 1907م. وعرف ميثاق محكمة نورمبرج العسكرية الدولية لسنة 1945م جرائم الحرب بأنها “انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها ، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة ، أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم ؛ قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم ؛ قتل رهائن ؛ سلب ملكية خاصة ؛ والتدمير غير الضروري عسكرياً.
ولم يتبن المجتمع الدولي فكرة المعاقبة على جرائم الحرب بسهولة ، وإنما مرت هذه الفكرة بعدة مراحل ، ويمكن اعتبار النصوص الدولية التالية علامات مميزة لهذا التطور :
– معاهدة فرساي لعام 1919م .
– اتفاق لندن لعام 1945م .
-اتفاقيات جنيف لعام 1949م. ، وخاصة الاتفاقية الرابعة .
وقد أصبحت جرائم الحرب في وقتنا الراهن تستلزم ملاحقة فاعليها ، والحكم عليهم بأشد العقوبات ، وقد ذكر البروفيسور تونكين فى هذا الخصوص ما يلى : “عندما يطلق على حرب عدوانية تستهدف انتهاك الأعراف الدولية ، صفة جريمة ، فهذا يعني بالنسبة للدولة ، أنها ارتكبت جنحة ذات طابع خاص للغاية ، أما الأشخاص الطبيعيين الذين نفذوا هذه الأفعال ، فيطبق عليهم القانون الدولي الحديث ، مبدأ اقتراف الجريمة الدولي ، وما يسفر عنه من تحميلهم للمسئولية الجنائية”.
ومن وجهة نظرنا ، يمكن القول إن القانون الدولي الجنائي يشكل فرعا متكاملاً للقانون الدولي ، وتنظم قواعده التعاون في مجال التخصص والقبض على الأشخاص الطبيعيين ومعاقبتهم ، بصرف النظر عن مناصبهم باعتبارهم الشخصيات المسئولة عن ارتكاب الجرائم الدولية والجرائم ذات الطابع الدولي “.
* وفي هذا السياق لابد من التركيز على الجرائم الدولية التالية :
– جرائم ضد السلام :
وهي كل عمل يتضمن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية ، أو البدء بمثل هذه الحرب ، أو أي حرب منها ، خرق للمعاهدات والاتفاقيات الدولية أو التعهدات المعطاة ، أو المشاركة في خطة أو مؤامرة تهدف لاقتراف مثل هذه الأعمال. وتعد الجرائم ضد السلام ، حسب اقتراح تراينين تعبيراً جديداً تبناه اتفاق لندن عام 1945م. ، وقد أنشأ هذا الاتفاق المحكمة العسكرية الدولية التي عُرفت باسم محكمة نورمبرغ ، ووضع لها شرعيتها الخاصة بها والتي تتكون من 30 مادة ، بالإضافة إلى لائحة الإجراءات التي تطبق فيها ، والعقوبات التي يمكن أن تصدرها بدلا من تعبير “جرائم الحرب”.
-جرائم ضد الإنسانية :
وتشمل جرائم القتل والإبادة والتعذيب والتهجير والابعاد والاستبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد ، لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية ، سواء كانت فردية أو جماعية ، ويلحق بهذه الأعمال الشبيهة بها التي تقترف ضد المدنيين في المناطق المحتلة .
– جرائم الحرب فى حد ذاتها :
وهي الانتهاكات الخاصة بقوانين الحرب من جهة ، ولما تعارفت عليه الأمم المتمدنة في حروبها من جهة ثانية ، بالإضافة إلى أي جريمة أخرى غير هذه الجرائم تقترفها سلطات الإحتلال أو أفرادها ضد المدنيين في المناطق المحتلة .
*وقد تبنت هيئة الأمم المتحدة بموجب قرارها الصادر عن جمعيتها العامة تحت رقم 95/1 بتاريخ 11 ديسمبر 1946م. ، مبادئ محكمة نورمبرغ الستة التالية :
1- كل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل ، يعد جريمة طبقا للقانون الدولي ، ويكون مسئولا عنه ويستحق العقاب .
2- إذا كان القانون الوطني لا يعاقب على عمل يشكل جريمة حرب ، فان هذا لا يعفي من ارتكبه من المسئولية وفقا لأحكام القانون الدولي .
3- إذا تصرف الشخص الذي ارتكب الجريمة بوصفه رئيسا للدولة أو مسئولا فيها ، فان هذا لا يعفيه من المسئولية طبقا للقانون الدولي .
4- إذا تصرف الفاعل بأمر من حكومته ، أو من رئيسه الأعلى ، فان هذا لا يعفيه من مسئوليته حسب أحكام القانون الدولي ، ولكن من الممكن أن يساعده ذلك كأحد الظروف المخففة لصالحه حسب المادة الثامنة من قانون المحكمة .
5- كل متهم بجريمة دولية له الحق فى محاكمة عادلة طبقاً لأحكام القانون الدولي .
6- إن المبدأ الذي يقول “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” المطبق في القوانين الداخلية يمكن التجاوز عن تطبيقه في القانون الدولي .
ومن هنا يتضح لنا أن هناك في مبادئ القانون الدولي الحديث ، مبدأ يقول بأن المسئولية عن ارتكاب الجرائم ضد السلم ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد البشرية يتحملها ، إلى جانب الحكومات ، أولئك الأشخاص الطبيعيين المتهمين بإعداد الجرائم المذكورة وتخطيطها وتدبيرها وارتكابها ، ويعد الشخص الطبيعي مقترفا لجريمة جنائية دولية ، حيث يكون هذا الشخص بما له من علاقة قانونية بالدولة ، قد اقترف جرائم دولية بصفة شخصية وعن طريق اللجوء إلى هيئة من هيئات الدولة .
* أنواع جرائم الحرب :
– تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم .
-الجرائم الموجهة ضد المدنيين كاغتصاب النساء ، والتعدي على الممتلكات الشخصية .
– التشغيل والتهجير القسري للسكان .
– التعذيب والإبادة الجماعية .
*اتفاقيات جنيف :
وقد نظمت اتفاقيات جنيف التي عُقدت على أربع مراحل بدءا من عام 1864م. وحتى عام 1949م. ، الأعمال التي تصنف كجرائم حرب ، حيث نصت الاتفاقية الرابعة على حماية المدنيين في حالة الحرب ، والحفاظ على حقوقهم المدنية.
– كما اعتُبرت هذه الاتفاقيات المرجعية لتحديد ما إذا كانت الأعمال التي تجري من قبل إحدى القوى التي تدخل في حرب قد قامت بجرائم حرب.
– وتعد هذه الاتفاقية ” الرابعة “ملزمة بموجب القانون الدولي ، وجرى على أساسها تعقب العديد من القادة العسكريين والسياسيين لمحاكمتهم ، إما محليا أو في المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام 2002م. ، وتختص بمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية “.