آراء

المجتمع الدولي بين الوهم والواقع: هل من صوت يتجاوز الصمت؟

بقلم: سامر شعلان

Advertisement

في زمنٍ تتواصل فيه المجازر بحق المدنيين في غزة، وتتحوّل المدينة المحاصرة إلى ساحة للأنقاض والدم، لا يقف العدوان الإسرائيلي عند حدود جغرافيا القطاع، بل يتمدّد ليطال لبنان وسوريا واليمن، ويصل مؤخرًا إلى قلب إيران. ومع كل تصعيد جديد، تتعالى الأصوات من كل حدب وصوب:

“على المجتمع الدولي أن يتحرّك!”

Advertisement

“أوقفوا الحرب!”

عبارات مألوفة، تتردّد كأنها لازمة في أغنية قديمة تحفظها الشعوب عن ظهر قلب، وتردّدها بلا كلل، رغم أنها لم تعد تُغيّر شيئًا في واقع الدم والخراب.

ملوك ورؤساء، نُخب وشعوب، عربًا وعجمًا، من الشرق والغرب، الكل يوجّه صرخاته إلى ذلك الكيان الغامض المُسمّى “المجتمع الدولي”… كأنه مخلوق أسطوري، لا يُرى ولا يُمسّ، يكتفي بمراقبة المأساة من مقاعد وثيرة، دون أن يخطو خطوةً واحدة نحو الفعل.

وهنا تُطرح الأسئلة التي طال إهمالها:

من هو “المجتمع الدولي” الذي يُناشده الجميع؟

هل هو دولة عظمى مجهولة؟ أم مجلس سرّي في ناطحة سحاب بعيدة؟

هل يسمع أنين الأمهات وبكاء الأطفال؟ وإن كان يسمع، فلماذا لا يتحرّك؟

وإن كان لا يسمع، فلِمَ نُصرّ على مناشدته؟

حتى الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يُفترض أن يُجسّد صوت الضمير الإنساني، لا يتجاوز دوره حدود موظف بريد يوزّع بيانات لا تغيّر شيئًا، أو يُطالب بتحرّك عاجل يدرك سلفًا أنه لن يأتي. أما القوى الكبرى، من واشنطن إلى بكين، ومن باريس إلى موسكو، فترفع شعارات “القلق”، بينما يبقى القرار مرهونًا بموازين المصالح لا القيم.

أما الموقف العربي، فلا يعدو أن يكون صورة باهتة لعجزٍ طويل الأمد، محكوم بمعادلات النفوذ وموازين القوى. لقد بات التأثير العربي خارج المعادلة، مقتصرًا على بيانات تنديد، وندوات مشبعة بالغضب العاطفي.

هكذا، يتحوّل “المجتمع الدولي” إلى شبحٍ ضبابي، كائنٍ خرافي يتحدث الجميع باسمه، لكنه لا يتكلم أبدًا. لا يُرى إلا في المؤتمرات، ولا يُسمع إلا في البيانات الجوفاء. وفي الحقيقة، هو مجرّد مرآة مشوّهة تعكس إرادة الأقوياء، وتسقط عمدًا وجوه الضحايا.

فأين كانت هذه الإرادة حين قُتل الآلاف من الأطفال؟

أين كانت حين انقطعت الكهرباء والمياه والأدوية عن المدنيين؟

أين كانت حين تحوّلت المستشفيات إلى مقابر، والمدارس إلى ركام؟

النتيجة واحدة: اجتماعات عقيمة، وبيانات باردة، ومسرحية سياسية هزلية نعرف نهايتها مسبقًا… لا شيء.

لقد خذلت المؤسسات، وخذلت السياسات، وخذلت القيم. وبينما الملايين ينتظرون من يسمعهم، يكتفي “المجتمع الدولي” بالمشاهدة من بعيد، وكأن الأمر لا يعنيه!

ربما آن الأوان لنتوقّف عن مناشدة من لا يسمع، ونلتفت إلى صوت الداخل:

صوت الشعوب، صوت الشارع، صوت الفلسطيني الذي يصمد في بيته رغم كل شيء.

آن الأوان لنعترف: إذا كان الجميع يطالب بوقف الحرب، فمن الذي يريد استمرارها؟

الجواب واضح… لكنه تائه في بريد إلكتروني لم يُفتح بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى