صحة

السل .. مئة وأربعون عاماً ونيف من اكتشافه وما زالت الأرواح تحصد … باتت الدعوة ملحة للقضاء عليه

"نعم.. يمكننا القضاء على السل"

بقلم : د فاطمة اليعقوبية

Advertisement

يعد مرض السل (الوباء الصامت) الذي تسببه جرثومة بكتيريا السل أحد أبرز الأمراض المعدية فهو يصيب الجهاز التنفسي أو بعض الأعضاء الأخرى كالجهاز العصبي والجهاز الهضمي والجهاز الليمفاوي والعظام ، وينتقل من شخص لآخر بالتعرض للرذاذ المعدي المنبعث من الشخص المصاب في أثناء العطس أو السعال أو الكلام أو الغناء ، وتتلخص أهم أعراضه المشتبه بها في الحمى والسعال الذي يكون مصحوبا أحياناً بخروج الدم لمدة أسبوعين أو أكثر والتعرق الليلي ونقص الوزن وانعدام الشهية وقد تظهر أعراض أخرى متعلقة بالأعضاء المختلفة المذكورة أعلاه.

مقال السل 2

Advertisement

وهناك نمطان معروفان لمرض السل بعد الإصابة به ، الأول هو السل النشط وهو ظهور الأعراض بعد التعرض لبكتيريا السل وتكمن خطورته في تفاقم المضاعفات إذا لم يُكشف عنه ويُعالج ، والثاني هو السل الكامن وفيه يصبح الشخص حاملا لبكتيريا السل دون ظهور الأعراض وتكمن خطورته في إمكانية تحوله للنوع النشط إذا لم يُعالج.

مقال السل 3

أما طرق الوقاية من السل فهي تتلخص في سرعة التوجه للمؤسسة الصحية فور الشعور بالأعراض لتسريع الكشف عنه وعلاجه وتتبع المخالطين له وعلاج المصاب بالسل النشط أو تقديم العلاج للمصابين بالسل الكامن ، مع تأكيد ضرورة الالتزام بالخطة العلاجية التي تصل إلى 6 أشهر من تناول العقاقير وقد تتجاوز هذه المدة بناء على العضو المصاب واستجابة المريض وتبعا لإرشادات الطبيب المعالج ، كما ينبغي الالتزام بالإجراءات الوقائية في أثناء وجود المريض داخل المؤسسة الصحية كتوفير غرفة العزل وارتداء كمام التنفس الخاص من قبل طاقم العلاج أو عند وجوده بين أفراد العائلة أو في الأماكن العامة كاستخدام المنديل أو باطن كوع اليد عند العطس أو السعال ومداومة غسل اليدين أو تعقيمهما.

وحسب منظمة الصحة العالمية فإن السل ما يزال أكثر الأمراض المعدية فتكًا في العالم ، حيث يسبب يوميًا هلاك أكثر من  4100 واعتلال ما يقرب من 000 28 شخص آخر مما حدا بالأمم المتحدة إدراج مبادرة القضاء على السل من ضمن الغايات الصحية المحددة في أهداف التنمية المستدامة.

وقوضت جائحة (كوفيد-19) سنوات من التقدم المحرز في الجهود الرامية إلى إنهاء السل؛ فلأول مرة منذ أكثر من عقد، سجلت الوفيات الناجمة عن السل ارتفاعا في عام 2020 حيث وصل أعداد المسجلين الجدد من مرضى السل في عام 2022 إلى 7.5 مليون شخص، العدد الأعلى منذ 2019 وبزيادة تصل إلى 28% عن عام 2020.

ووفقا لمعايير منظمة الصحة العالمية تعد سلطنة عُمان ذات معدل منخفض في الإصابة بحالات السل بمعدل أقل من 10 لكل 100000 من السكان منذ عام 2012 , شكل (1). حيث تناقص المعدل العام خلال السنوات من 2008 إلى 2018 مع زيادة طفيفة -بسبب تغيير سياسة فحص الوافدين عند القدوم – ثم شهد تراجعا خلال جائحة (كوفيد-19) عامي 2020-2021 كما هو واضح في الشكل.

مقال السل 4 شكل 1

عقب ذلك شهد المعدل العام زيادة في السنتين الماضيتين إذ بلغ لكل الحالات في سلطنة عُمان  9.5 لكل100000 من السكان في عام 2023 (اللون الأزرق) وتعزى هذه الزيادة لارتفاع معدل الإصابة في غير العمانيين (اللون الأخضر)  الذين يأتي معظمهم من دول عالية الإصابة بمرض السل، أما العمانيون فإن معدل إصابتهم بقي ثابتا منذ 2018 مما يستدعي النظر في الآليات الممكنة لإحراز الانخفاض الملحوظ.

وتشير إحصائيات عام 2023 إلى أنه سُجلت 490 حالة سل ،99 حالة سل بين العمانيين بزيادة مطردة لحالات السل في غير العمانيين منذ عام 2019.شكل (2). وشكلت حالة سل رئوي مؤكدة مخبريا ) %76) من إجمالي الحالات، في حين وصلت النسبة لغير العمانيين (%94.3) حالة سل رئوي مؤكدة. أما السل المقاوم للأدوية فقد سُجلت 3 حالات في عام 2023 كما سُجلت 18 حالة وفاة في 2023.

مقال السل 5 شكل 2

وتهدف سلطنة عُمان بالإستراتيجية الوطنية القضاء على السل (شكل 3) حيث أُطلقت الإستراتيجية في 24 مارس 2021 وستنفذ على مراحل لخفض نسبة الإصابة إلى أقل من 100 لكل مليون شخص بحلول عام 2035 وذلك للوصول إلى ما يسمى بمرحلة ما قبل القضاء على السل بخفض الإصابة بنسبة 90 بالمئة وخفض الوفيات بنسبة 95 بالمئة قياسا إلى الوضع الوبائي لعام 2015.

مقال السل 6 شكل 3

وترتكز الإستراتيجية الوطنية على الوقاية والتشخيص والعلاج والتعزيز التي ستطبق في الأنشطة الآتية: تعزيز قدرات الطاقم الطبي في حصر المخالطين وفحص الفئات ذات الخطورة كالوافدين والمصابين بالعوز المناعي وتوفير الفحوصات المخبرية ذات الفاعلية والحساسية الكبرى وتوفير العلاج المناسب وتعزيز الوعي المجتمعي وتشجيع البحث العلمي لتجويد الخدمات المقدمة للمرضى ولجهود سلطنة عمان الحثيثة المتمثلة في انخفاض معدلات الإصابة وارتفاع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمصابين والمخالطين فقد استشهدت منظمة الصحة العالمية بها بوصفها إحدى التجارب المثيرة للاهتمام في إقليم شرق المتوسط.

وتشارك سلطنة عُمان دول العالم كل عام الاحتفال بذكرى اليوم العالمي للسل في 24 مارس لإذكاء وعي الجمهور بالعواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة للسل وتكثيف الجهود الرامية إلى إنهائه والقضاء عليه. ويأتي  شعار هذا العام “نعم.. يمكننا القضاء على السل.” لتأكيد ركيزة الوقاية من المرض فهذه مسؤولية المجتمع والطاقم الطبي معا فالتزام الأفراد بالإفصاح عن جميع المخالطين للحالة والفحص المبكر عند حدوث أعراض وإكمال العلاج للسل الكامن والنشط إضافة إلى الالتزام بإجراءات الوقاية العامة وأسلوب العطس والسعال جميعها ستسهم في دحر السل.

ونظمت وزارة الصحة العديد من الفعاليات لإذكاء الوعي المجتمعي والمحلي فقد ألقى مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها ندوة علمية بحضور وكيل التخطيط والتنظيم الصحي ووكيل الشؤون الصحية حضرها عن بعد عدد غفير من الفئات الصحية وأضيئت بعض المعالم المحلية مثل دار الأوبرا ومتحف عمان عبر التاريخ باللون الأحمر ونُشر الخبر في القنوات الرسمية والاجتماعية للوزارة تأييدا للسعي العالمي وحث الجهود إضافة إلى العديد من الأنشطة في  جميع المحافظات  والمدن الصحية.

يأتي اختيار هذا اليوم تخليدا لذكرى اليوم نفسه من عام 1882 الذي أعلن فيه العالم روبرت كوخ عن اكتشافه للبكتيريا التي تسبّب السل ، مما مهّد الطريق لتشخيص هذا المرض وعلاج المُصابين به.

إن أهم الرسائل التوعوية التي ينبغي مشاركتها وبثها بين أفراد المجتمع هي أن مرض السل يمكن الوقاية منه وعلاجه والتشافي منه كما ينبغي الترويج لإنهاء الوصم والتمييز الناجمين عنه إضافة إلى نشر الوعي عن أهمية تشخيص وعلاج السل الكامن في الفئات الأكثر عرضة للمخاطر مثل المخالطين لحالات السل خاصة الأطفال والقادمين من الدول ذات معدل الإصابة المرتفع والمرضى من ذوي المناعة المنخفضة.

مقال السل 7

د فاطمة اليعقوبية

قسم السل والأمراض التنفسية الحادة

مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى