صراع الأجيال بين التقنية والمبادئ : هل من سبيل للعودة؟

بقلم : العذراء المطاعنية
لماذا غابت السعادة عن أجيالنا؟ لماذا نراهم يعيشون في حالة من القلق والتعاسة المستمرة؟ ما الذي يشغل أذهانهم؟ وكيف وصلوا إلى هذا الوضع؟ قد تكون النقلة المفاجئة التي حاولوا مواكبتها هي السبب في هذه التعاسة، لكن السؤال يبقى: هل الجميع يؤيد هذه التطورات؟ بالطبع، سيكون الجواب “نعم” من الجميع، فمن منا لا يرغب في مواكبة العصر؟ لكن هل الجميع راضٍ عن النتائج التي وصلنا إليها؟ لا أعتقد أن هناك من يكون سعيدًا عندما يرى انحراف الناس، خاصة أبناء أمته، نحو السوء والتهلكة. مهما مرَّت الأيام، ومهما سعينا وراء هذه التطورات، لا بد لنا من التمسك بالمبادئ والقيم التي أمرنا بها الله ورسوله ﷺ. فلا يمكن لهذه التطورات أن تكون حجة لتبرير الانحراف.
المشكلة الكبرى تكمن في السماح لهذا الانحراف بالانتشار. يجب التفريق بين “مواكبة التطور” و”الانحراف”. فليس بالضرورة أن يتشابه الاثنان، ومن سمح بالانحراف فهو من يتحمل وزر ذلك. قضية التطور لا تتعلق باتباع كل ما هو جديد وعصري، بل تتعلق برؤية الانحراف والتخلف دون محاولة للتخلص مما يسيء لنا ولديننا. النقلة المفاجئة التي عاشها الناس بين فترات زمنية مختلفة قد تكون سببًا رئيسيًا في فقدانهم للسعادة، حيث أصبحوا محصورين في فكرهم الذي يقتصر على مواكبة كل ما هو جديد، دون التفكير في صحة هذه التغيرات.
فما إن تعلقوا بشبكات التواصل الاجتماعي، حتى أصبحوا يركضون وراء كل ما هو جديد، مهتمين بمعرفة آخر الأخبار وتفاصيل حياة الآخرين، بينما تجاهلوا حياتهم الخاصة. قضوا ساعات طويلة على أجهزتهم، لا فائدة تُذكر سوى إهدار الوقت. في أيام مضت، كنا نتحاسب على كل لحظة لم نستفد منها، أما الآن، أصبحت الأعمال تتم في المنزل على أجهزتهم دون أي حركة فعلية.
أتساءل: ماذا لو اختفت هذه الأجهزة الحديثة؟ كيف سيكون حالنا؟ كيف سيساهمون في رفعة أوطانهم، وقد اعتادوا على العمل من خلال هذه الأجهزة، وهم محبوسون في منازلهم؟ هل فكروا في ذلك يومًا؟
لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم، وهي تخلق واقعًا افتراضيًا بعيدا عن الحقيقة. كثيرًا ما نرى فئات من الشباب تتأثر بتجارب “النجاح” التي يقرأونها على هذه الشبكات، لكن في معظم الأحيان، تكون هذه النجاحات مبالغًا فيها، مما يسبب لهم إحباطًا حين لا يحققون نفس النتائج. في النهاية، يجدون أنفسهم في دائرة من التوتر، ما يؤدي إلى تعاستهم وفقدانهم للأمل.
لا يجب أن ننسى أن كل فرد لديه قدراته الخاصة، فلا يجوز مقارنة أنفسنا بالآخرين. لا تنجرفوا وراء تطلعات الآخرين، فكل منا يملك مسارًا مختلفًا. لذلك، يجب أن يتجنب هؤلاء الطموحون السير في طريق لا يتناسب مع قدراتهم، وأن يبذلوا جهدهم في سعيهم لتحقيق النجاح الذي يليق بهم.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: “واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا”. فصلة الأرحام تعتبر من القيم التي أوصى بها الله ورسوله ﷺ، وعندما نقطع الأرحام نؤذي أنفسنا والمجتمع. هذه القيم في طريقها للزوال، حيث أصبح البعض يكتفي بإرسال رسالة نصية للأقارب بدلاً من اللقاء والتواصل المباشر، مما أدى إلى تدهور العلاقات الأسرية. في الأعياد، حيث كانت البيوت ممتلئة بالضجيج والضحكات، أصبح الجميع منشغلًا بهواتفهم، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
لقد ضاعت المبادئ، وماتت القيم الإسلامية. انقادت بعض الفئات نحو الأفكار الغربية، وتبنت ثقافاتها، متخذة منها قدوة، مما أدى إلى فقدان الهوية الثقافية والدينية. لا يمكننا أن ننكر أن العالم يمر بتقلبات، لكن في هذا الزمان، نجد أن الأمم التي تخلى أفرادها عن قيمهم الإسلامية أصبحت على حافة الانهيار.
قصص الأنبياء التي ذكرها الله في القرآن مليئة بالحكم والعبر، ولقد تمسكوا بمبادئهم رغم كل الصعوبات. نبينا محمد ﷺ، على الرغم من كل الإساءة التي تعرض لها، ظل ثابتًا على الحق، متمسكًا بمبادئه. فماذا عذرنا نحن اليوم؟ هل الجري وراء تطورات العصر يمكن أن يكون مبررًا للتخلي عن قيمنا ومبادئنا؟ كيف يمكننا أن نجد السعادة ونحن نتخلى عن أساسيات ديننا؟
وفي ختام مقالتي، أود التأكيد على أنه في ظل هذه التطورات التكنولوجية، يجب على الأجيال الجديدة أن تتمسك بالقيم والمبادئ التي حث عليها ديننا الحنيف. مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح هناك فجوة كبيرة بين الأجيال، خصوصًا بين الآباء والأبناء. لذلك، يجب أن نضع حدودًا للحرية ونتجنب الفوضى التي قد تؤثر سلبًا على هويتنا ومبادئنا. لنحافظ على جذورنا الدينية ولنعيش بسعادة واطمئنان.