GreatOffer
آراء

خان الصابون في طرابلس : حيث تعانق الرائحة الذاكرة ويُعانق الحب الزمن

بقلم : سيلينا السعيد

Advertisement GreatOffer

في قلب طرابلس ، المدينة التي تتنفس من البحر وتستيقظ على عبير الياسمين ، يقف “خان الصابون” كقصيدة حب محفورة في الحجر ، وشهادة حية على فن العيش الذي تتوارثه المدن العتيقة. هنا ، حيث الأزقة تتناغم مع همسات الماضي ، وحيث تصدح المقاهي القديمة بصوت فيروز كل صباح ، يحمل “خان الصابون” عبير الذكريات ، ويغزل من المسك والعنبر والورد ذاكرةً لا تشيخ ، وعبيرًا يسافر بين الزمن والقلب.

حين تبوح الرائحة بالسر

Advertisement

في لبنان ، كما في كل أرجاء العالم ، تحمل الروائح أسرارًا عميقة تتجاوز الكلمات. ولكن في طرابلس ، في قلب هذا الخان العتيق ، تتداخل هذه الروائح مع الحكايات وتتحول قطع الصابون الصغيرة إلى رسائل حب تحمل توقيع الزمن.

ما إن تخطو إلى داخل “خان الصابون” حتى يحيط بك “عطر غير مرئي”، يجذبك نحو مغامرة في الزمان والمكان. هنا ، تختلط روائح زيت الزيتون من كروم الكورة ، والغار من جبال عكار ، والعنبر من أسواق صيدا ، والياسمين من بساتين بيروت ، المدينة التي كانت يومًا تُعرف بـ”باريس الشرق”.

في هذا المكان ، لا يصنعون الصابون فقط؛ بل يصنعون الوقت ذاته. تتباطأ عقارب الزمن ، ويكتسب الصبر “رائحة مقدسة” ، حين ترى الأيدي الماهرة تعجن الزيوت العطرية وتصبها في قوالب طينية ، قبل أن تتركها تستريح تحت الشمس ، لتختم بختم الهوية والتاريخ.

الصابون… لغة الحب في لبنان

خان

في الأزمنة القديمة ، لم يكن الصابون مجرد حاجة يومية ، بل كان “لغة صامتة بين العشاق” ، ورسائل تُقرأ بالرائحة وليس بالكلمات.

في “جبيل” و”البترون” ، كانت الفتيات يخبّئن قوالب الصابون المعطّرة في خزائن ملابسهن ، لتفوح رائحتها في ليلة الزفاف ، كما لو أن العطر “يمنح الحلم أجنحة ناعمة”. أما في “صيدا” و”صور” ، كان الصابون المصنوع من “المسك والعنبر” يُهدى للعرسان ، “كأن الرائحة تحفظ الود أكثر من الكلمات”.

وفي “طرابلس” ، كانت النساء “يسقين الصابون بزيت الغار”، وكأنهن “يودعن في القوالب الصغيرة أسرار الوفاء” ، يضيفن إليها قطرات من “ماء الورد” ، ويخبّئنها في صناديق خشبية مطعّمة بالنحاس ، ليتركوا لها الفرصة “لتتخمّر كما يتخمّر الحنين في القلوب”.

خان الصابون… جسر بين المدن والذكريات

لا يمكن الحديث عن لبنان دون التطرق إلى عاداته التي تحوّل الأشياء الصغيرة إلى “طقوس لا تُنسى”.

كما تجتمع العائلات في القرى الجبلية حول “المناقيش الطازجة في صباحات الصيف” ، وكما تُزين ست الحبايب “صواني القهوة المرّة في صباحات العيد” ، تظل “طرابلس” تحفظ عاداتها في أزقتها ، حيث “يُقدَّم الصابون كهدايا مثل الحلوى” ، وحيث لا تزال العائلات تحتفظ “بصناديق الصابون القديمة كأنها كنز ثمين” ، تعبق روائحها “مع كل فتح للغطاء” ، لتعود الذكريات مع كل استنشاق.

ورغم تغيّر المدن وارتداء الأسواق القديمة “أثوابًا جديدة” ، يبقى “خان الصابون” في طرابلس شاهدًا على أن “بعض العادات لا تموت” ، وأن “الرائحة تبقى دائمًا أقوى من الزمن”.

هنا ، في هذا المكان العابق بالورد والحنين ، لا تشتري مجرد قطعة معطّرة ، بل “تقتني حكاية” ، تحملها معك إلى “بيروت أو بعلبك أو زحلة” ، وتتركها “تفوح في زوايا بيتك” ، كأنك تأخذ معك “روح لبنان… بلد لا يزال ينسج من ترابه وزهوره وزيوته ، قصائد من زمن الحب العتيق”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى