ثلاثة فصول على الورق …..
بقلم : مريم الشكيلية
يالها من ستين دقيقة عشتها وكأنها الحلم ، هل تصدق لم أتمكن من النوم ليلة البارحة؟! كنت أعيد في مخيلتي شريط تلك الدقائق بكل تفاصيلها التي عشتها ، وأنا أسير تحت دفء شمس الخريف في شارع المتنبي ، أو بالأحرى أن أسميه شارع الورق الأبيض المتوسط ، أو شارع العطور والعصور ، أو أي اسم ترغب في تسميته ، وأعذرني لست بارعة في تسمية الأشياء كما تفعل أنت عندما تطلق الأسماء كأنك تولد فيها الحياة.
صدقا لم يغف لي جفن حتى الساعات الأولى من الفجر … كنت منفعلة ، ومندهشة ، وفرحة جداً…كنت مراراً وتكراراً أستحضر تلك الساعة من ذاكرتي ، وكأنني أكتبها في ورقي كنت أمسك بها خشية أن يفلت مني تفصيل واحد منها. أردت أن أبقيها في ذاكرتي لثمانين سنة القادمة!
أعتقد إنني إذا ما غفوت قبل أن أعيد تلك الدقائق وكأنني أعيشها ألف مرة فإنني أخشى حقا أن تكون بمثابة حلم ، وليست حقيقة … أعلم إنك حين تقرأ هذه السطور سوف يدهشك ما أكتب ، وكيف لي أن أسهب في وصف ساعة أعتدت عليها أنت آلاف المرات ، وسوف تقول لي أنت امرأة الأحلام والضوء.
سيدي ، عليك أن تخلد إلى النوم؛ حتى تتماثل للشفاء تماماً بعد تلك الوعكة الصحية التي رافقتك ، وأطاحت بقلمك حتى ما إذا وصلتك هذه السطور أن تكون الترياق الذي يعيدك إلى أول السطر ، ويعيد إليك الحياة برائحة حبر.
عندما اختطفك المرض في تلك الأيام الماضية كنت كمن أطفأ قنديل ضوء ومحبرة عن هذا العالم.
هل تصدق كنت أكتب لك طوال تلك الفترة بغزارة قلم ، ولكن ليس على الورق ، وإنما على سراب ورق ، ومخيلة ، وعلى تلك السحب الفارغة من المطر.
أعلم أن هذا الفصل بنكهة الخريف الممتلئ بجيش من الفيروسات التي تتسلق أجسادنا ، ورغم هذا كنت قد قلقت عليك كثيراً.
إننا جميعاً ننتظر فصل الشتاء حين يأتي تبكي السماء ، وتغسل غبار هذه الطفيليات الصغيرة من على مساماتنا وكذا سطورنا.