الضريح الملكي في الرباط : تحفة معمارية خالدة في قلب المغرب

الرباط : د. محمد سعد
يُعدُّ ضريح محمد الخامس من أبرز المعالم التاريخية التي تزين مدينة الرباط ، وهو يتراءى شامخًا على مرتفع يواجه مدينة سلا، يطل على نهر أبي رقراق الذي يتناغم مع أمواج المحيط الأطلسي في مشهد طبيعي ساحر. هذا الضريح ليس مجرد موقع تاريخي، بل هو أُسطورة معمارية تجسد الفنون الزخرفية المغربية التي أبدعتها يد الحرفيين المغاربة على مر العصور.
تم بناء الضريح بالقرب من صومعة حسان، وتُعتبر هذه المنطقة محط أنظار الزوار لاحتوائها على قبور ثلاثة من أبرز رموز المملكة المغربية: الملك محمد الخامس، وولديه الملك الحسن الثاني والأمير عبد الله. هذا المكان لا يقتصر على كونه ضريحًا فحسب، بل هو معلم يشع عبق التاريخ والمجد.
الضريح يتميز بجمال قُبَّته المهيبة، ومسجده الذي يعد مزارًا للمصلين، إضافة إلى إدارة المحافظ التي تُعنى بصيانة هذا الإرث التاريخي. صُمِّم الضريح بأسلوب الأندلسي المغربي الفريد، الذي هو مزيج رائع من تقاليد البناء الإسلامية، الزخارف الهندسية، واللمسات المغربية الأصيلة التي تطورت عبر أجيال من الحرفيين. يُعتبر الضريح من أبرز التحف الهندسية الحديثة التي تحاكي العراقة في كل تفاصيلها.
استغرق تشييد هذا الضريح ما يقارب العشر سنوات من 1962 إلى 1971، وقام بتصميمه المهندس الفيتنامي إيريك فان تاون، الذي جمع بين الرؤية المعمارية الغربية وأصالة الفنون الإسلامية المغربية. وفي جوار الضريح، تقف صومعة حسان، التي تمثل أحد رموز المغرب العريقة، رغم أنها لم تكتمل. يتوج القبو المزخرف الصومعة، في حين يزينها من الخارج سقف من البلاط الأخضر، الذي يشع بهاء ويعكس عراقة الهندسة المغربية.
صومعة حسان، التي ترتفع 67.5 مترًا، مبنية من الحجر الرملي وتزينها زخارف هندسية ونقوش نباتية تُعبِّر عن فنون المغرب الغنيّة. يميزها هيكلها الفريد الذي يعتمد على المنحدرات بدلًا من السلالم، مما كان يتيح للمؤذن الوصول إلى البرج على ظهور الخيل. أما العمود المركزي للصومعة فيتكون من ستة مستويات، كل مستوى يحتوي على غرف مقببة ونوافذ مقوسة على شكل حدوة حصان، وهو تصميم يعكس التأثيرات الأندلسية.
السطح الخارجي للصومعة مزين بـ ألواح السبكا والأعمدة المنحوتة من الحجر والمزخرفة بالرخام، ما يعزز من جمالها ويضفي عليها طابعًا تراثيًا فريدًا. تقع الصومعة في الطرف الشمالي لساحة حسان الواسعة، التي كانت مخصصة للمسجد الكبير. من هنا، تطل الصومعة على مدينة سلا ونهر أبي رقراق، في منظر يُعد من أكبر المناظر الفاتنة التي تزين العالم العربي والإسلامي.
إن ضريح محمد الخامس وصومعة حسان يمثلان نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، وبين التراث والمعاصرة، وتستمر هذه المعالم في سرد حكاية المغرب العظيم، الذي يحمل بين طياته تاريخًا من العظمة والفن.