27 عاما على مذبحة الحرم الإبراهيمي
في مثل هذا اليوم، منذ 27 عاما باغت مستوطن يهودي بالرصاص والقنابل ، مئات المصلين المسلمين وهم سجود في صلاة الفجر، بالمسجد الإبراهيمي، بمدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، موقعا 29 شهيدا، وعشرات الجرحى. ولم تكن المجزرة ،نتيجة قرار آني، بل ثمرة تخطيط وتدبير من قبل مجموعة مستوطنين، وبمشاركة غير مباشرة من الجيش الإسرائيلي، الذي تغيّب عن نقاط تمركزه وقت المجزرة. ويحظى المسجد باهتمام خاص لدى المسلمين، لاعتقادهم بأنه بُني على ضريح نبي الله إبراهيم عليه السلام. لكنّ المستوطنين ، يقدسون المكان أيضا، ويُطلقون عليه اسم “مغارة المكفيلا”، لاعتقادهم، كذلك، بوجود قبر النبي إبراهيم وزوجته سارة، في مغارة أسفل البناء المقام حاليا. ما قبل المجزرة يعود بنا أحد شهود الحادث وهو مدرس متقاعد، لليوم الذي سبق المجزرة. ويكشف أنه رغم حدوث مناوشات بين المصلين والمستوطنين، خلال صلاة العشاء التي سبقت المجزرة، إلا أنه يقول إنه فوجئ بغياب كامل لقوات الجيش الإسرائيلي عن مواقعها المعتادة، خلال صلاة الفجر، وهو ما يؤكد تورطه بالمجزرة. ويضيف قفيشة “خلال صلاة العشاء، أخّر الجيش دخولنا إلى المسجد، أكثر من ربع ساعة، وحاول مفاوضتنا على أداء صلاة العشاء بمكان غير الذي نصلي فيه، لتواجد المستوطنين داخل المسجد”. ويكمل “بسبب المناوشات، توقعت استنفار الجيش على مداخل المسجد، لكن، لفت انتباهي خلال ذهابي للصلاة (التي شهدت المجزرة)، غياب الجنود عن مدخله، على غير العادة”. واعتاد قفيشة، خلال شهر رمضان أن يُصلي الفجر في الصف الأول خلف الإمام مباشرة، نظرا لسكنه بمحاذاة المسجد، لكن، هذه المرة تأخر قليلا فالتزم الميمنة مبتعدا قليلا عن الإمام. وتوافَق وقوع المجزرة مع فجر يوم الـ15 من شهر رمضان لعام 1415 هجري. ويسرد قفيشة تفاصيل المجزرة قائلا “خلال سجود التلاوة في الركعة الأولى، سمعت صوتا قويا، فظننت أن زلزالا وقع، لكنها كانت قنابل وإطلاق نار”. ويتابع “لمّا رفعت رأسي من السجود، وقعت عيناي على المستوطن باروخ جولدشتاين، يحمل بندقية ومسدسا، وكان قد أفرغهما تماما”. وجولدشتاين، من سكان مستوطنة “كريات أربع” في الخليل، وهو طبيب عسكري بالجيش الإسرائيلي، وكان ناشطا في حركة “كاخ” الإرهابية، التي أسسها المتطرف “مائير كهانا” (قُتل في نيويورك عام 1990). ويُرجّح قفيشة وجود شركاء من المستوطنين لغولدشتاين، نظرا لمحاولتهم فتح أحد الأبواب الخلفية للمسجد بعد نفاذ ذخيرته، في محاولة لتهريبه. لكنّ المصلين، نجحوا في الإمساك به، وقتله قبل أن يتمكن من الهرب. مشاهد الفجر الدامي ويقول الشاهد إن أغلب الضحايا كانوا من الذين توسّطوا الصفوف خلف الإمام، وبينهم أطفال ومسنون. ويستذكر قفيشة مشاهد ذلك الفجر الدامي قائلا “رأيت بِركة من الدم على سجاد الصلاة، وجماجم مفجَرة وأشلاء متناثرة، ومصلين يلفظون أنفاسهم، بينهم طفل لم يتجاوز 11 عاما، وجرحى يستغيثون”. وعلى الفور غادر قفيشة المسجد بهدف استدعاء الإسعاف، عبر هاتف يملكه أحد جيران للمسجد، ويتابع “ساعدتُ في نقل الشهداء والجرحى، عبر سيارات خاصة وسيارات الإسعاف، حتى غرقت ملابسي بالدماء”. ويشير قفيشة إلى أحداث سبقت المجزرة، بينها قيام مستوطنين بإحراق سجاد المسجد، وإلقاء مواد كيميائية عليه، وإدخال الكلاب والاعتداء على المصلين وضربهم، كما حصل معه عدة مرات. معاقبة الضحية ورغم الأذى الكبير الذي تعرض له المسلمون بسبب المجزرة، إلا أنهم فوجئوا بإصدار لجنة تحقيق إسرائيلية توصيات قاسية، كان أهمها اقتسام المسجد بين المسلمين والمستوطنين. واستدعت اللجنة عشرات الفلسطينيين واستمعت لشهاداتهم، وفي النهاية قررت اقتطاع نحو نصف المسجد الخلفي، وتحويله إلى كنيس يهودي، مع فرض إجراءات على دخول المصلين. كما نشر جيش الاحتلال العشرات من نقاط المراقبة العسكرية، والحواجز الملموسة من جدران إسمنتية وحديدية، والمأهولة بالجنود داخل أزقة البلدة القديمة من الخليل وفي محيط المسجد. كما أُغلقت شوارع بأكملها مثل شارع الشهداء، ومئات المحلات التجارية بأوامر عسكرية أو بفعل التقييدات، ولا زالت مغلقة حتى اليوم. وكان من آثار المجزرة تشكيل “بعثة التواجد الدولي المؤقت”، بقرار دولي عام 1994، لمراقبة انتهاكات الاحتلال في الخليل، وعملت منذ 1997، حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو منعها من العمل مطلع 2019. انتهاكات متواصلة وما زال المصلون الراغبون في الوصول إلى المسجد من خارج محيطه، يضطرون إلى عبور عدة حواجز عسكرية وإلكترونية، وعلى مداخله يضطرون لعبور بوابات إلكترونية. كما أن الأذان لا يرفع في المسجد “الإبراهيمي”، بشكل دائم. وفي هذا الصدد يقول مدير المسجد، الشيخ حفظي أبوسنينة، لوكالة الأناضول إن إسرائيل منعت في عام 2020 رفع الأذان من المسجد 599 مرة. وتقع غرفة الأذان الخاصة بالمسجد في القسم المقتطع للمستوطنين، ويتطلب وصول المؤذن إليها وجود الجنود ومرافقتهم له. ويذكر أبوسنينة من الإجراءات المتخذة بعد المجزرة: وضع موطئ قدم للاحتلال داخله، وفرض مزيد من الإجراءات على دخول المصلين، وإغلاقه عدة مرات طوال العام، والتدقيق في هويات المصلين، ونصب كاميرات مراقبة، ومصادرة جزء من الأراضي التابعة له، والتخطيط لتغيير معالمه بإقامة مصعد في أحد جدرانه. تقسيم المدينة وقسّم بروتوكول الخليل، الذي وقعت عليه إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1997، مدينة الخليل إلى منطقتين: خ1 (H1) وتشكل نحو 80% من مساحة المدينة، وتتولى فيه السلطة الفلسطينية مسؤولياتها، وخ2 (H2)، وتحتفظ فيها إسرائيل بجميع الصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بالأمن، وفيها المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة. وتنتشر في قلب الخليل ومحيط المسجد الإبراهيمي (نحو كيلومتر مربع) ثماني بؤر استيطانية، منها ثلاث بؤر قيد الإنشاء، وخمس بؤر يقطنها حوالي 700 مستوطن، وفق معطيات تجمع شباب ضد الاستيطان المحلي (غير حكومي). ويقيم في البلدة القديمة، نحو 400 مستوطن بشكل دائم، بالإضافة إلى 300 يتعلمون في مدرسة دينية. أما عدد الفلسطينيين فيبلغ حوالي 7 آلاف نسمة. يُذكر أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم لمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أدرجت عام 2017 الحرم الإبراهيمي، والبلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي.