مونودراما “شئ ما ينخرُ في رأسي” للمخرج “يوسف البلوشي” منجز فني عُماني عالمي
في مهرجان بولندا 2024 ..
كتب : علي باقر – مملكة البحرين
التطلع والطموح هو ديدن الفنان المبدع الذي يحاول بكل ما أوتي من جهد أن ينشر ثقافته و يعزز مكانة وطنه ، ومن المعروف أن البلدان لاتنهض إلَّا بثقافتها واقتصادها وعلومها وبتشمير سواعد شعوبها وبناء عقولهم وتقديمها كل السبل لنهضتهم لينتجوا وتدفع بهم ليتمازجوا مع شعوب العالم لترسيخ إبداعاتهم .
لذا نجد أكثر الفنانين المبدعين طموحهم الانطلاق إلى المحافل والمسابقات والمهرجانات الفنية والعلمية بكل أنواعها من أجل كذلك الهدف السامي نهضة الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه.
ما شغلني في هذه الأيام من متابعاتي الفنية هي الدورة الأولى 2024 من مهرجان “Sitfy Poland” المسرحي المنعقد في مدينة كراكوف القديمة البولندية ﻷتابع نتاج أخوتي الفنانين المسرحين الأعزاء من البلدين الشقيقين لنا في خليجنا العربي وهما سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ، الذين دخلوا هذا المهرجان المسرحي العالمي بثبات واصرار ، بل وامتزجوا مع أخوانهم المثقفين الفنانين ليكتسبوا من الخبرات وليحفروا بجهدهم اسمي وطنهما بنور في تلك المنافسة العالمية ، حيث قدمت فرقة مزون العُمانية عرضها المسرحي المونودرامي “شيء ما ينخر في رأسي” بطولة الممثل الفنان المبدع أحمد العُويني وإخراج الفنان التليفزيوني المسرحي السينوغرافي يوسف البلوشي وتأليف الكاتب أحمد الماجد وبمشاركة فنانين عُمانيين مبدعين وهم يوسف الحارثي في الموسيقى والمؤثرات الصوتية وعبيد الخروصي مساعد في اﻹخراج واﻷستاذ عبدالله اللويهي في الإدارة المسرحية و المتابعة.
كما قدمت فرقة جوقة المسرح السعودية عرضها المسرحي السعودي “امرأة في ورطة ” من إعداد الكاتب مشيل منير وإخراج تركي با عيسى .
ومن خلال متابعاتي الإعلامية حول فعاليات الدورة الأولى من مهرجان “Sitfy Poland” في العاصمة القديمة ” كراكوف” البولندية الذي انطلق من 20 حتى 23 من إبريل 2024 ، وتنافس فيه زملاؤنا الأحبة الفنانين المسرحيين السعوديين والعُمانيين مع المسرحيين في دول أوربا الشرقية وأخوانهم من الفنانين المسرحيين في أوربا الغربية ، تابعت أيضا نتائج المهرجان يوم اختتامه ، وجاءت النتائج كالتالي :
حصد العرض الرُّوماني “لاتنتقموا منا ” جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل ، وهو من تأليف الكاتب إيونوت بوكليد وإخراج الفنان إيلا نيستور ، أما جائزة أفضل إخراج فكانت من نصيب الفنان مخرج العرض الإيطالي فالبونا شيبري “بورنيشا – العذراء المحلفة ” ، وهو من تأليف الفنَّانة سارة جياكوميلي ، و أيضا استحق النص المسرحي لعرض “بورنيشا – العذراء المحلفة” جائزة أفضل نص مسرحي نالتها الكاتبة سارة جياكوميلي ، وقد حصد الفنان المخرج العُماني “يوسف البلوشي” جائزة أفضل سينوغرافيا مسرحية عن عرضه العُماني المونودرامي “شيء ما ينخر في رأسي” .
كما فاز الممثل المونودرامي الفنان أحمد العويني بجائزة أفضل ممثل في المهرجان
،أما الفنانة الرُّومانية سيليفيا رايليانو ، فقد حصدت جائزة أفضل ممثلة عن عرضها المسرحي “لاتنتقموا منا” ، كما حصد العرض المسرحي “امرأة في ورطة” للمملكة العربية السعودية على جائزة لجنة التحكيم الخاصة ، أما الممثلة الأسبانية ” زوي لوبييز ” فقد حصدت جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن دورها في العرض الإسباني ” Siemperevivas ” انتاج Prex Teatro . وقد سبق فعالية توزيع الجوائز لهذه المنافسة تقديم فقرة فنية للفنان ” Tomasz Katra “ ، وفي فعالية الختام أعلنت الدكتورة إنجي البستاوي مدير عام المهرجان وعضو اللِّجنة العليا فيه تكريم الكاتب و المؤلف “جان بيير” من الجمهورية الفرنسية ، والمخرج المصري مازن الغرباوي مؤسس المهرجان ومؤسس مهرجان شرم الشيخ المسرحي ومديره الأسبق ، ثم أعلنت الدكتورة إنجي البستاوي تكريم إدارة المهرجان أيضاً .
ومن خلال فرحتي بجدارة الفرقتين المسرحيتين الخليجيتين اللتين تمثلان بلغتهما “العربية” بلدان أمتنا العربية ونجاحهما في إثبات وترسيخ قدميهما في هذا المهرجان منهل الخبرات العالمية في المسرح ، يدفعني ذلك بأن أفخر أيضا بفناني جمهورية مصر العربية الحاضرة باحتضان هذا المهرجان العالمي إداريا و أخص بالذكر الفنانة المخرجة الدكتورة إنجي البستاوي مدير عام مهرجان “ Sitfy Poland “ 2024 وعضو اللِّجنة العليا فيه ، وهي مدير مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي ، وكذلك الفنان المخرج مازن الغرباوي مؤسس ومدير مهرجان شرم الشيخ الذي أدار معظم دورته ، وهو أيضاً مؤسس مهرجان “ sitfy Poland “ البولندي 2024 في دورته الأولى وهو أحد الشخصيات المكرمة في هذا المهرجان.
فمن شدة اعتباطي آثرت أن أتواصل مع الفنان العُماني السينوغرافي التلفزيوني والمسرحي الأستاذ يوسف البلوشي مخرج العرض المونودرامي “شيء ما ينخر في رأسي” الحائز على جائزتي السينوغرافيا وأفضل ممثل في مهرجان “ Sitfy Poland البولندي 2024 التي استحقها بطل العرض العُماني الفنان أحمد العُويني “ وسألته عن حقيقة مشاركته في مهرجان دولي عالمي بأول تجاربه في صناعة العرض المونودرامي مع أن له باع طويل في صناعة عروض مسرحية بمدارسها الفكرية وبأشكالها الجماعية التي قدمتها فرقة مزون المسرحية العُمانية وحققت عروضها مع المخرج البلوشي إنجازات وجوائز في سلطنة عُمان وخارجها وأصبح فنانوها اليوم مسرحيين لامعين و بارزين ومبدعين في وطنهم .
تملكني الخوف من هذه التجربة بالذات .. لماذا جازف المخرج البلوشي بعرض مونودرامي مضني ، ويحتاج إلى الكثير من التفاصيل الإخراجية والتبصر السيكيولوجي الذي يهتم بالتفكير العقلي والسلوك ، فأجاب قائلاً : “شيء ما ينخر في عقلي” هي أول عرض مونودرامي يشكل أول تجاربي في المونودراما المسرحية ، وما قلته صحيح ، ما دفعني هو هدفي “الطموح” في خوض كل ألوان و أشكال المسرح بأساليب معاصرة وحديثة لأحقق النهضة الفنية المسرحية لوطني الحبيب سلطنة عُمان من خلال مشاركاتي في الداخل أو الخارج لهذا كانت فكرة المشاركة لي في المهرجان العالمي “Sitfy Poland” في دورته الأولى 2024 لأرسخ قدمي وقدم أبطال فرقة مزون العُمانية في تلك المحافل التي تتسلط عليها الأضواء في العالم لأرفع علم وطني العُماني هناك من خلال تقديمي هذا العرض لتشاهده الجماهير العاشقة للمسرح ، ومع ذلك اعترف بصعوبة التجربة التي لازمتني من بداية اختياري للممثل البطل المفعم باللياقة الرياضية الذي وجدته قادراً على التَّلون والتّشكل بآداء الحالات التَّجسيدية التي تتصارع في دواخله ويجسدها بأشكالها البصرية والتأثيرية ، كما وجدته قادراً على أن يحافظ على إيقاع العرض ليجذب الجماهير عاطفيا وذهنياً بسيطرة منه تامة ، مما يدفع بالمشاهد إلى التشويق حتى نهاية العرض دون أن يفسد العرض السأم والملل .
والحمد لله أن البطل المسرحي الفنان أحمد العُويني اجتاز هذا الاختبار الصعب أمام الفنانين الكبار المتنافسين في الفرق المسرحية العالمية والجماهير العاشقة للمسرح المتدفقة على كل العروض المسرحية في مدينة “كراكرف” البولندية. وفعلاً تحقق هدفي من الاختيار لشخصية بطل العرض المسرحي المونودرامي فقد استحق الفنان أحمد العُويني جائزة أفضل ممثل في المهرجان ، بل استطاع هذا الفنان المبدع عبر تشخيص أدوره التجسيدية أن يتفرد بكل الشخصيات و الحالات الإنسانية والخاصة والعامة وكل الحالات الانفعالية بكل حثيثياتها من خلال عرض مونودرامي متقن وبإنجاز محكم في تحولاته من حالة إلى أخرى مع مقدرته على المحافظة على إيقاع العرض .
هذه التجربة المونودامية فتحت لي أفق آخر ووجهتني لأخوض مثل هذه التجربة في المستقبل ، المهم أن هذه التجربة المونودرامية عبرت عن دخولي في خضم إرهاصات المونودراما وما يدور حولها وتأثيراتها ، لذا أجد أن عنوانها “شئ ما ينخر في عقلي” ربما هو يلازمني بل ويدور في عقلي الباطن وهو هوس الإخراج المونودرامي بالإضافة لإخراجي العروض المسرحية الجماعية الأخرى. الأهم أننا نقلنا صورة مشرفة للمسرح العُماني ومستواه الفني الرَّاقي في المرحلتين الماضية والحالية سواء في خليجنا العربي ودول أمتنا العربية وفي دول العالم ، وأنا من خلال هذا العرض الذي أعدُّه في رصيد سيرتي الإخراجية المسرحية الذاتية منجزاً فنياً عُمانياً عالمياً ، فقد جعلنا نسلط الضوء من خلاله على الهدف السامي لقياداتنا العُمانية في المسرح من اهتمام ملموس ومضيء ، لذا أقدم شكري الكبير إلى سعادة السيد سعيد بن سلطان وكيل وزير الثقافة والرياضة والشباب على وقفته ودعمه للمسرح العُماني بشكل عام ، وأيضا للهيئة العُمانية للمسرح وعلى رأسهم الفنان الدكتور عماد بن محسن الشنفري ، الذي أسهم في هذا المنجر بوقفته الأخوية معنا ، وكما أتقدم بالشكر لفريق العمل المتابع للعرض والتدريبات المضنية التي خضناها في عُمان وأثناء عرضنا المسرحي في بولندا ، والشكر موصول إلى كل الفنانين المنتسبين لفرقة مزون العُمانية المسرحية وإن شاء دائماً نخطو بخطواتنا الرائعة إلى الأمام لننقش بإبداعاتنا اسم سلطنة عُمان بأحرف من نور .