من الفيزياء النووية إلى خشبة المسرح العالمي … نسيم حداد يُعيد للعيطة صوتها الحيّ

كتبت : سيلينا السعيد
في زمن تتشابه فيه الأصوات وتتكرر القوالب، اختار الفنان المغربي نسيم حداد أن يشقّ طريقًا مختلفًا، يبدأ من الجذور والذاكرة، من صوت عتيق اسمه “العيطة”، لكنه يقدّمه برؤية حديثة تنبض بالوعي، الصدق، والعمق الإنساني.
ولم يلمع اسم نسيم حداد لمجرد اختلاف صوته أو تفرّده الفني، بل لما يُمثله من ظاهرة استثنائية تتجاوز حدود الأداء الموسيقي، إلى مشروع ثقافي جامع بين الفن والعلم، بين التراث المغربي والفضاء العالمي. فقد تجاوز صدى أغنيته المستوحاة من فن العيطة الحدود الجغرافية، لتتصدر قوائم الاستماع في دول عدّة مثل السعودية، الإمارات، مصر، السودان، قطر، ولبنان. أغنية عبرت اللهجات والثقافات، ووصلت إلى جمهور شاب وجد فيها شيئًا أصيلًا، حيًّا، وقريبًا من وجدانه… دون حاجة إلى شرح.
لكن خلف هذا الفنان صوتٌ آخر… صوت العالم.
فحداد حاصل على دكتوراه في الفيزياء النووية، وسبق أن عمل ضمن فريق تجربة ATLAS الشهيرة في المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN)، أحد أضخم المشاريع العلمية في العالم. في رصيده أكثر من 600 بحث علمي محكَّم، لكنه بعد سنوات من الانغماس في أعماق العلم، قرّر أن يُصغي إلى نداء آخر يسكن أعماقه: نداء الذاكرة، الوطن، وفن العيطة.
وهكذا وُلد مشروعه الطموح “Ayta World Tour”، وهو ليس مجرد جولة عروض فنية، بل رؤية ثقافية شاملة لإحياء هذا الفن الشعبي المغربي وتقديمه للعالم من خلال:
إصدار موسوعة ضخمة بعنوان “موسوعة العيطة”، يُرتقب صدورها في سبتمبر المقبل، لتوثيق تاريخ وأشكال هذا الفن الشفوي المغربي.
تنظيم عروض مسرحية موسيقية على أعرق المسارح العالمية، منها Grand Rex في باريس، Opéra Berlioz في مونبلييه، والمسرح الملكي في أمستردام.
إطلاق معرض متنقّل للآلات الموسيقية المغربية، يروي حكاية الأداء الشعبي ويُعيد الاعتبار للذاكرة الموسيقية الوطنية.
ويُنتظر أن تكون السهرة الكبرى المرتقبة يوم السبت 5 يوليو في الساحة الرئيسية لـ”موروكو مول” بالدار البيضاء، إحدى أبرز محطات هذا المشروع، حيث يُتوقّع أن تشهد أضخم حفلة لفن العيطة في التاريخ المغربي.
لكن ما الذي يجعل تجربة نسيم حداد مختلفة حقًا؟
إنه لا يُعامل “العيطة” كتراث جامد يُعرض للاستهلاك، بل كصوت حيّ نابض بالحكمة، الشغف، والألم. لا يُبسّطها ولا يُجمّلها، بل يقدّمها في لغتها الأصلية، بإيقاعها الخام، مؤمنًا بأن الصدق الفني لا يحتاج إلى ترجمة.
تجدر الإشارة إلى أن فن العيطة يُعدّ من الفنون الشفوية الأصيلة في المغرب، وهو يجمع بين الشعر والغناء والموسيقى، ويعود تاريخه إلى قرون مضت، حيث ارتبط بالمقاومة الشعبية والاستحضار الجمعي لقيم الحرية والهوية الوطنية.
نسيم حداد، في مشروعه، لا يُحيي صوت العيطة فقط، بل يعيد إلينا سؤالًا جوهريًا:
هل يمكن لفنان أن يكون عالمًا… وللعالِم أن يكون صوتًا لذاكرة شعب؟