صُحار العُمانية بقلعتها الشامخة تتزين في “مهرجان الباطنة الدولي للسينما”
كتب : علي باقر
لبست قلعة صحار التاريخية حلتها ليلاً وزادنت بجمال ألوانها و توشحت بالإضاءة الصفراء و الحمراء ، وصدحت بالموسيقى التي تعزف حية من قبل فنانين عُمانين موهوبين ، وهي تستقبل الفنانين السينمائيين و المسرحيين و الإعلاميين الضيوف والجماهير العُمانية ، العاشقين للفنون الذين توافدوا عليها ، ليشهدوا عرس ولاية صُحار الفنِّي ، الذي يتزامن مع أفراح الشَّعب العُماني الأصيل ابتهاجاً بذكرى العيد الوطني في سلطنة عُمان الثاني والخمسين الذي يصادف 18 من شهر نوفمبر من كل عام.
لذا أرى أن قلعة صحار الشامخة أصرت بأن تتوشح في افتتاح مهرجان الباطنة السينمائي الدولي الذي نظمته الجمعية العُمانية للسينما والمسرح خلال الفترة من 12 وحتى 15 من نوفمبر 2022 ، تحت رعاية كريمة من سعادة الشيخ محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال بالباطنة ، لتظهر زينتها في عيون وفكر المخرجين والفنانين العُمانيين والضيوف والجمهور الذين توافد عليها.
وما أروع أن أشهد بعيني وفكري روعة الإعداد وفنون الاستقبال في ذلك المساء والاحتفاء بالفنانين والضيوف ، وأرى التناغم الجميل في الألوان والموسيقى والفرحة التي ترتسم على وجوههم ، ووقع عدسات الإعلاميين الذين جمعوا حلما فنيا لذكرى انطلاقة هذا المهرجان الحالم بأقكارالفنانين ، وتوهج الشاشة البيضاء بمشاهد فنهم السابع السينمائي والإبحار في مكنون دواخل قضاياهم وتأزماتهم وخيالهم من خلال الكاميرا ولغتها المؤثرة و المشوقة.
كان الافتتاح رهيبا فقد حضره راعي المهرجان سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة وسعادة عبد الله بن سعود العنزي سفير المملكة العربية السعودية المعتمد لدى سلطنة عُمان وعدد من المسئولين والفنانين والضيوف والمخرجين وعاشقي مشاهدة الأفلام.
حفل الافتتاح تناسب مع الموقع الجميل الذي يربط الإنسان العُماني بتاريخ بلده ويُعرف الجمهور على هذا التاريخ والسياحة الجميلة في سلطنة عُمان التي تجمع بين زهو تاريخها الحضاري التليد وجمال السياحة فيها. فكان الفيلم الذي عرض ليلة الافتتاح يفتننا بمشاهد السياحة فيها والقراءة لتأريخها وإن اقتصر على ولاية صحار إلا أنه يدعو أيضا للإطلاع على سائر معالم سلطنة عُمان التأريخية وجمال تضاريسها وواحاتها الخضراء وشواطئها.
فجاء الفيلم يحكي تاريخ البحارة العُمانيين وتاريخ صناعتهم للسفن ومناجم الحديد والنحاس ودور الصُحاريين كما غيرهم من العُمانيين عبر تاريخهم وحاضرهم في سائر الولايات العُمانية في التجارة و الزراعة.
استعرض مقدم الحفل المذيع أحمد البريكي بسحر كلماته الشاعرية جمال الإبداع الإنساني الذي بني و شيد والذي سجل لحظاته الجميلة ، عبر أزمنته وفروسيته وحكاياته وقضاياه وتأزماته بسحر خياله وأنغام إيقاعاته من خلال الكاميرا ، ورافقته الفنانة العُمانية ملوك النوفلية عازفة التشيلو بالعزف على الآلة الموسيقية أحلى الألحان لتتناغم مع كلمات المذيع الشاعرية المتناثرة الصادحة في فناء القلعة هذا التناغم الجميل الذي يحمل التجديد في الإلقاء شغف به الجمهور الكبير الذي حضر حفل الافتتاح.
في حفل الافتتاح كرم راعي المهرجان لجنتا التحكيم للأفلام السينمائية ، فكانت أولى المكرمات سيدة الشاشة العُمانية الفنانة فخرية خميس رئيسة لجنة الأفلام الروائية من سلطنة عُمان و عضوي اللجنة الدكتور حسين أميري من دولة الإمارات العربية المتحدة والفنانة جيهان كمال من المملكة المغربية ومن المكرمين أيضاً الدكتور مسفر آل الموسى من المملكة العربية السعودية رئيس لجنة التحكيم للأفلام الوثائقية. مع عضويهِ الفنانينِ صلاح الحضرمي وسليمان الخليلي من سلطنة عُمان.
ثم كرم راعي الحفل سعادة محافظ شمال الباطنة أيضاً مجموعة من الفنانين السينمائيين العُمانيين الذين لهم بصمات واضحة في المسيرة الفنية بسلطنة عُمان تقديراً لجهودهم في إنتاج الأعمال المسرحية السَّينمائية والمسرحية الذين تشهد لهم الساحة الفنية بالإنجازات الفنية.
منهم الفنان صالح زعل ، الفنَّانة فخرية خميس ، الفنان محمد نور ، الفنان إبراهيم الزدجالي ، الفنانة مريم المعمرية ، الفنان يوسف البلوشي ، الفنان إبراهيم البلوشي ، الفنان أحمد العويني ، الفنانة نعيمة البلوشية ، السَّينمائي عبد الله حبيب ، الفنان فارس البلوشي ، المخرج مصطفى عادل ، المخرج يوسف عبد الرحمن البلوشي ، المخرج خالد الضَّوياني ، والمخرج محمد بن خميس المعمري.
وفي ختتام حفل الافتتاح تم عرض الفيلم الوثائقي الجميل الذي أخرجه الفنَّان السَّينمائي محمد العجمي مدير المهرجان عن الآلة الخشبية المبتكرة آنذاك التيتسمى ” المنجور ” والتي كانت تستخدم في سلطنة عُمان قديما لسحب المياة من باطن الأرض قبل صناعة المضخات النفطية والكهربائية في الوقت الحاضر والتي تشهد تعاون بين الأفراد في تحريكها في مشاهد جميلة أظهرت من خلال حماس أفرادها فن ( الزمط ) الذي أصح سمة من سمات الفنون الشعبية في مجمل المناطق الشاسعة المحاذي لساحل الباطنة.
وقد صرَّحَ الفنان محمد بن عبد الله العجمي مدير مهرجان في كلمته للحاضرين : أن تنظيم مهرجان الباطنة السينمائي الدولي للأفلام القصيرة في دورته الأولى ينطلق في صُحار إيماناً من فناني السينما أعضاء الجمعية العُمانية للسينما والمسرح ودورهم في نشر ثقافة صناعة الأفلام السَّينمائية بين العُمانيين في معظم الولايات العُمانية من خلال إقامة المهرجانات السَّينمائية ، لإيجاد البيئة الجاذبة لصناع الأفلام السَّينمائية القادرة على التَّفاعل مع القضايا المجتمعية وذلك من خلال استضافة المهتمين صنَّاع السَّينما من مختلف دول العالم بهدف إثراء السينما العُمانية والارتقاء بها وبمشاركتها حتى تتشكل حالة سينمائية مميزة من خلال تبادل الأفكار والثَّقافات.
وأردف قائلا : ” تشارك في منافسة هذا المهرجان ثلاثة عشر دولة عربية .. وهم دولة الإمارات والسعودية والبحرين وتونس والمغرب ومصر وإيران وموريتانيا والجزائر وبنجلادش إضافة إلى ذلك أفلام سينمائية من سلطنة عُمان ويبلغ عدد الأفلام التي تأهلت للمنافسة إحد عشر فيلماً وثائقياً وسبعة أفلام وثائقية تدور حول علاقة الإنسان العُماني مع البحر وعشرون فيلماً روائياً ، وتم عرض الأفلام المتنافسة للجمهور في عدد من صالات العرض السينمائي بولاية صُحار وضمن فعاليات برنامج المهرجان ستعقد جلسات حوارية و حلقات تدريبية.
وأثناء تواجدي في اليومين الأولين للمهرجان قبل عودتي لوطني الحبيب البحرين استمتعت بحضور الندوة الحوارية الإثرائية الثَّقافية للسينما في الخليج بجامعة صحار قدمها الدكتور مسفر آل الموسى من المملكة العربية السعودية وحاورته المذيعة العُمانية الدكتورة جنان آل عيسى بمداخلاتها الإثرائية وقد دار الحوار حول “بدايات السَّينما في المملكة العربية السعودية “.
جاء في مجمل طرحه أن بدايات السينما كانت في الثلاثينات من القرن الماضي عن طريق الجاليات الغربية التي أنشأت شاشات عرض في مجتمعاتهم السكنية هدفها متابعة الأفلام الأمريكية والأوربية في شركة كاليفورنيا العربية التي سميت بعد ذلك بأرامكو وأما بداية الإنتاج السينمائي يرجع إلى سنة 1950 فيها بفيلم ” الذباب ” من بطولة فنانين سعوديين ، منهم الممثل السعودي حسن الغانم الذي يعد أول ممثل سعودي وكان الهدف من إنتاجه توعية المجتمع السعودي بمخاطر الذباب ، ثم تكونت حارة السينما وخصوصيتها داخل التجمعات السكنية للأجانب منها : أهل العاصمة الرياض داخل حي ” المربع ” فالأجانب بدأوا ينصبون شاشات العرض داخل كل مُربع سكني ، ثم فتح أول مكان لعرض الأفلام السينمائية في المدينة المنورة وبعد ذلك لحقتها مدينة جدة في حارة الجماجمة من فؤاد جمجوم و كبار أهل جدة يتذكرون الأفلام الأوربية والهندية والأمريكية في فترة الخمسينيات.
عادة ما كانت الطبقات البسيطة تتسابق لمشاهدة الأفلام في قاعات السينما وانتشرت قاعات السينما فدخلت الأفلام المصرية التي أثارت خيال المشاهدين والتأثر بها حتى تم استأجارها من المحلات المخصصة لذلك.
في بدايات السينما لم يكن هناك ترخيص رسمي ولكن تأتي شرعيتها في انتشارها في المدن السعودية ومشاركة كبار العائلات السعودية ، ثم انتشرت بين عام 1977 وحتى 1983 وبعد ذلك فرضت الرَّقابة على الأفلام ومنعت الأفلام غير المسموح بها و سنت القوانين للعروض السينمائية . أما الآن فتشهد الساحة الفنية في المملكة العربية السعودية حراكاً فنياً من الشباب الموهوب جديراً بالاهتمام مما زاد في مشاركة السينمائين السعوديين في مهرجانات السَّينما في الوطن العربي.
في الليلة الثانية من الافتتاح عرضت الصالة الثانية بسينما مجمع صُحار عدد كبير من الأفلام القصيرة المتنافسة بنوعيها الروائي والتوثيقي بحضور عدد كبير المخرجين والمهتمين والضيوف ومن عشاق السينما في المجتمع العُماني.
وعلى هامش المهرجان عرض الفيلم الروائي الطويل الإماراتي “شبح” لضيف المهرجان المخرج الفنان السينمائي عامر سالمين من دولة الإمارات العربية المتحدة واستطاع المخرج بخياله وتشويقه من معالجة الخلاف حول الهيمنة على الإرث الذي تكاد أن تتصدع به الأسر نتيجة الأطماع من القوي المتسيدة في الأسرة التي عادة ما نجدها تخطط بأفكارها للسيطرة على أفراد أسرهم بمشاريع تحقق لهم الاستفادة دون بقية الورثة إلا أن المخرج أحاك مطاردة الأشباح المرعبين لهم بخياله الفنتازي ليجعلهم جميعا يفكرون بعقلانية ليكون بيت العائلة كله مشروعا استثماريا تستفيد منه الأسرة كلها نتيجة الخوف من سلطة وهمية ارتسمت في عقولهم “الشبح” وقدرتهم على تحطيم حياتهم وتنغيصها . هذا الخيال له تأويله وهو أن نخاف من المهيمن القادر على كل شي خالقنا سبحانه الذي يبعدنا عن شرور أنفسنا.
وبحسب متابعتي لختتام المهرجان فقد حضر الفنان حميد بن سعيد المعمري رئيس مجلس إدارة الجمعية العُمانية للسينما والمسرح رئيس مهرجان الباطنة الدولي للسينما والمسرح بعد عودته من مهرجان السينما والبحر في سيدي افني بالمملكة المغربية ليشهد حفل الاختتام.
وكانت النتائج كالتالي : حصدت جائزة لجنة التحكيم للأفلام الوثائقية القصيرة فيلم “حواديت ايكنجي” لمخرجته مروة الشرقاوي من جمهورية مصر العربية. أما أفلام مسابقة الإنسان وعلاقته بالبحر حصل على الجائزة فيلم “لن تغوص وحيداً” للمخرج العُماني فهد الميمني كما حصل على جائزة الجمهور لأفضل فيلم في مهرجان فيلم “إيقاع من الحياة” لمخرجته العُمانية جواهر بنت ناصر الخروصية.
وخلال حفل الختام تم تقديم عرض بانورامي للقطات من الأفلام المشاركة ولكواليس المهرجان على مدار خمسة أيام متواصلة ، كما كرم عدد كبير من الضيوف المتعاونين في إنجاح المهرجان منهم الصَّحفي الدكتور محمد سعد ، لدوره في التغطية الإعلامية والمخرج هيثم سليمان للورشة “نحو سيناريو فيلم مذهل” ، كما كرمت إدارة المهرجان فرقة الدن للثقافة والفن ، لحصولها على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب للعام 2022م.