خلف الكواليس .. من أرض الملوك الى صحراء الجزائر : القصة كاملة وراء اختيار مواقع تصوير “The Goat Life”
بقلم : عبدالرؤوف بن أحمد
تحولت رحلة البحث عن الصحراء المثالية لتصوير “The Goat Life” إلى مغامرة استكشافية امتدت عبر عدة دول ، حيث حملت كل وجهة خيارات خاصة. من الهند إلى الجزائر ، كانت هذه الرحلة مليئة بالتجارب والتحديات التي واجهها المخرج بليسي بإصرار وعزيمة لا تلين ، ليجد في النهاية في صحراء الأردن والجزائر المواقع الأمثل لتحقيق رؤيته السينمائية الفريدة.
من الرواية إلى التكيف السينمائي : من السرد الذاتي لنجيب في رواية “أيام الماعز” إلى التحول إلى صورة بصرية قاسية ، في عام 2008 ، نشر الكاتب الهندي بني دانيال ، المعروف باسم بنيامين ، روايته “Aadujeevitham” أو “حياة الماعز” ، وهي رواية مكتوبة باللغة المالايالامية ، التي تُستخدم في جنوب الهند.
تتناول الرواية قصة نجيب محمد ، مهاجر هندي ضاع في السعودية. كان نجيب يحلم بالعمل في الخليج لجمع المال الذي يمكنه من دعم عائلته في وطنه. ولكن بمجرد تحقيق هذا الحلم ، يجد نفسه في سلسلة من المواقف التي تدفعه نحو حياة العبودية ، حيث ينتهي به المطاف في رعاية الماعز في صحراء سعودية قاسية. في نهاية المطاف ، يخطط نجيب للهروب من هذا الأسر في الصحراء.
الرواية تعتمد بشكل كبير على السرد الذاتي ، حيث يروي نجيب تجربته من خلال حوارات داخلية. ببراعة ، استطاع بنيامين أن ينسج حبكة مشوقة جعلت منه كاتبًا بارزًا ، وأصبح “حياة الماعز” من أكثر الكتب مبيعًا في اللغة المالايالامية، حيث تمت إعادة طبعها أكثر من 200 مرة وتُرجمت إلى عدة لغات.
في نفس العام ، وصلت الرواية إلى يد المخرج الهندي بليسي إيبي توماس ، المعروف عالميًا باسم “بليسي”. يقول بليسي عن تجربته مع الرواية : “عندما قرأت ‘حياة الماعز’، تملكتني العديد من الأفكار البصرية. القارئ دائمًا ما يصنع في ذهنه صورة بصرية ، لكن في السينما ، علينا أن نبتكر ما يتجاوز تلك الصورة. هذا كان التحدي الأكبر الذي واجهته”.
في عام 2009 ، دخل بليسي في اتفاقية مع بنيامين لتحويل الرواية إلى فيلم سينمائي ، بعد مناقشة التفاصيل مع المخرج لال جوز ، الذي كان قد أبدى اهتمامًا سابقًا بتحويل الرواية إلى فيلم. بدأ بليسي في كتابة السيناريو بعد الحصول على حقوق الرواية ، وأشار إلى أن الفيلم سيضيف عناصر جديدة غير موجودة في النص الأصلي.
وفي عام 2010، أعلن بليسي رسميًا بدء العمل على تكييف الرواية للسينما. وصرح في أبريل من نفس العام لصحيفة “الهندوس” بأنه مشغول بكتابة السيناريو.
بحلول منتصف عام 2017، أشار بليسي إلى أن السيناريو قد أصبح جاهزًا ، إلا أن مواقع التصوير لم تُحدد بعد. كما أضاف أن الإنتاج سيبدأ في نوفمبر من نفس العام ، ومن المتوقع أن يستغرق الفيلم 18 شهرًا ليكون جاهزًا للعرض.
عن التحديات التي واجهته في تكييف الرواية ، أوضح بليسي أن السرد الذاتي الذي تميزت به الرواية والذي يعتمد على الحوارات الداخلية كان من الصعب نقله إلى الشاشة. الكتابة السينمائية تختلف بشكل كبير عن الأدب؛ فمثلاً ، في الجزء الثاني من الرواية ، عندما يوبخ “الكفيل” نجيب باللغة العربية ، يُقرأ النص الأصلي باللغة المالايالامية ، لكن في الفيلم يجب أن نرى كيف تؤثر اللغة على نجيب. يجب أن يُظهر الفيلم تحول نجيب الجسدي والنفسي ، وعلى الصور البصرية أن تتفوق على تلك التي تخيلها القراء. ولأن نجيب لا يفهم اللغة العربية ، قرر صناع الفيلم عدم استخدام ترجمات للمشاهد التي تتضمن اللغة العربية ، ليشعر المشاهدون بنفس الحيرة والاغتراب الذي عاشه نجيب.
عند تحويل الرواية إلى فيلم ، كان من الواضح أن الحوار سيكون محدودًا. وفقًا لبريتفي راج ، الذي قام بدور نجيب محمد ، فقد صرح بأن الفيلم يتضمن حوالي 20٪ فقط من الحوارات ، مما يعطي حرية أكبر للصور البصرية لسرد القصة.
منذ البداية ، كان التحدي الأكبر للفيلم هو الترجمة البصرية لمعاناة نجيب. اختار بليسي التركيز على قوة الصورة لنقل القصة بدلاً من الاعتماد على الحوار. وقد قاده هذا القرار إلى القيام برحلة استكشافية واسعة للعثور على الموقع المثالي الذي يتماشى مع متطلبات السيناريو ، حيث كانت الصورة هي اللغة الأساسية للفيلم.
رحلة الاستكشافية الكبرى للمخرج وطاقمه باحثين عن الصحراء المثالية!
في قلب مشروع الفيلم The Goat Life” تكمن رحلة استكشافية قادها المخرج الهندي وطاقمه ، بحثًا عن الصحراء المثالية التي تعكس بدقة تفاصيل الرواية الأصلية “أيام الماعز”. كانت هذه الرحلة مليئة بالتحديات والاختيارات الدقيقة ، حيث تنقل الفريق بين عدة دول ، بما في ذلك السعودية ، للتعرف على الحياة البدوية والبيئة الصحراوية الأصلية للقصة.
الهند : البداية في راجستان ، من أرض الملوك
بدأت رحلة فيلم “The Goat Life” في ولاية راجستان ، المعروفة بأرض الملوك ، وهي أكبر ولاية في الهند من حيث المساحة والسابعة من حيث عدد السكان. تقع في شمال غرب شبه القارة الهندية وتحتوي على صحراء طهار ، التي تُعرف أيضًا بصحراء الهند الكبرى ، وهي سابع أكبر صحراء في العالم بمساحة تتجاوز 200 ألف كيلومتر مربع.
رغم أن صحراء طهار كانت الخيار الأكثر سهولة في الهند ، إلا أن المخرج بليسي شعر أن هناك شيئًا مفقودًا ، أولاً ، أن هذه الصحراء لم تعكس بدقة البيئة القاسية التي كان يبحث عنها ، أقل تحديًا وقساوة ، وبالتالي لم تقدم الخصائص البصرية الفريدة التي كان يبحث عنها. ثانيًا ، لاحظ أن “الماعز في صحاري العرب لديها خصائص فريدة”، معز “العواسي” هي سلالة أغنام في جنوب غرب آسيا وأصلها من بادية الشام ، شائعة في بلدان المشرق العربي ، وهو ما لم يجده في الهند ، مما دفعه للبحث في أماكن أخرى.
يقول برابهاكار ، المنتج التنفيذي للفيلم : “فيلم بهذا الحجم ، وإذا كنت قد زرت صحاري راجستان من قبل ، فأنا شخصيًا لم أستطع رؤية أنها الموقع المناسب”.
السعودية : رحلة التعرف على الحياة البدوية ، البيئة الاصلية للقصة !
في السعودية ، غاص بليسي في أعماق الحياة البدوية ، حيث سافر عبر الصحاري وتحدث مع العديد من البدو. تعلم من خلال هذه التجربة الكثير عن تفاصيل الحياة اليومية للبدو ، مثل كيفية بناء المسارات وتجهيز الخيام وتربية الماعز. كانت هذه المعرفة ضرورية لإضفاء الواقعية على الفيلم، حيث كان الهدف هو نقل المشاهدين إلى قلب الصحراء وجعلهم يشعرون بكل تفاصيلها.
لم تكن هذه الرحلة من أجل بحث عن موقع تصوير ، حيث قال بليسي (المخرج) : “لم نكن سنحصل على تصريح لتصوير فيلم هناك ، كنا نعلم ذلك ولكن لفهم حياة الصحراء والبدو” ، كانت رحلة لاكتشاف الثقافة والتقاليد التي تشكل حياة البدو في الصحراء. من خلال هذه الرحلة ، تمكن بليسي من فهم البيئة التي عاش فيها نجيب ، بطل القصة ، وكيفية تفاعله مع هذه البيئة القاسية. كانت هذه التجربة بمثابة نافذة على حياة البدو.
هذا الفهم العميق للبيئة الأصلية للقصة يلعب دورًا حاسمًا في اختيار مواقع التصوير والإكسسوارات المناسبة. عندما يكون لدى المخرج وفريقه معرفة دقيقة بتفاصيل الحياة اليومية والثقافة المحلية ، يمكنهم اختيار المواقع التي تعكس بدقة الجوهر الحقيقي للقصة. هذا الفهم يساعد أيضًا في اختيار الإكسسوارات والديكورات التي تضيف واقعية للفيلم ، مثل تصميم الخيام ، أدوات الطهي ، وحتى الملابس التقليدية. كل هذه العناصر تساهم في خلق تجربة سينمائية غامرة تجعل المشاهدين يشعرون وكأنهم يعيشون القصة بأنفسهم ، وهو ما حدث بالفعل.
استكشاف في الخليج العربي !
بعد استكشاف البيئة الأصلية للقصة في السعودية واستبعاد إمكانية التصوير هناك ، قرر المخرج بليسي البحث عن بديل في الخليج يحقق خصائص البيئة الأصلية للقصة. صرح بليسي قائلاً : “هناك العديد من الأماكن في الخليج التي تتمتع بإمكانات تصويرية. دبي ، أبوظبي ، مسقط ، الكويت ، الدوحة ، سافرت عبر هذه المناطق بحثًا عن صحراء مناسبة”.
بدأ البحث في الدوحة ، حيث صرح المخرج بليسي قائلاً : “الدوحة هي مكان به صحراء تحيط بها البحر ، لذا لم يكن هذا ما كنا نبحث عنه ، كما أن المساحة المتاحة كانت صغيرة”. على الرغم من جمال المناظر الطبيعية في الدوحة ، إلا أنها لم تتناسب مع متطلبات الفيلم من حيث المساحة والبيئة الصحراوية القاسية.
توجه البحث بعد ذلك إلى الكويت ، لكن هنا أيضًا واجه بليسي عقبات جديدة. فقد كانت “رمال الصحاري في الكويت بيضاء اللون”، وكانت الأراضي تبدو متشابهة جدًا ، دون وجود تلك الكثبان الرملية الكبيرة التي تمنح الصحراء جاذبيتها البصرية. كان هذا التشابه البصري والتجرد من التنوع سببًا كافيًا لإقصاء الكويت من قائمة المواقع المحتملة.
في سلطنة عُمان ، أعجب بليسي بجمال مدينة مسقط ، حتى أنه وجد فيها شخصية “الكفيل” (الفنان العُماني طالب البلوشي) ، قال بليسي : “مدينة مسقط في عُمان جميلة جدًا للعين. وجدت فيها شخصية الكفيل” ومع ذلك ، لم تكن الصحراء هناك تلبي احتياجات الفيلم. أضاف المنتج التنفيذي برابهاكار : “صحراء خارج دبي أو عُمان أو أي مكان آخر ، كل ما ستراه هو الرمال. كيف يمكنك إدخال الجغرافيا في الفيلم؟ كيف تحافظ على الاهتمام البصري في الفيلم؟” ، وفي تعليقه على هذه التجربة ، واصل برابهاكار القول : “كان هذا الفيلم رحلة حقيقية ، لقد سافرنا فعليًا حول العالم مستكشفين الاحتمالات لتحقيق رؤية الفيلم بالشكل الصحيح”.
في رحلة البحث عن الموقع المثالي لتصوير فيلم “حياة الماعز”، استكشف فريق العمل العديد من الصحاري حول العالم. ورغم تنوع الخصائص الفريدة لكل موقع ، إلا أن أياً منها لم يلبي جميع متطلبات الفيلم. وأوضح المخرج بليسي : “كل مكان يتميز بخصائصه الخاصة ، لكنني لم أشعر أن أيًا منها كان مناسبًا تمامًا لفيلم مثل ‘حياة الماعز'”.
بروز خيار الأردن : صحراء وادي رم جنوب المملكة الهاشمية
بعد عدة جولات من البحث والاستكشاف ، بدأت الخيارات المتاحة أمام الفريق تتضاءل. عندها تذكروا موقعًا في الأردن كانوا قد فكروا فيه في بداية رحلتهم. كشفت الأبحاث أن الأردن يحتضن سلالات من ماعز العواسي ، وهو ما عزز احتمال اختيارهم لهذا الموقع نظرًا للتشابه الثقافي مع السعودية والكويت المجاورتين.
أعاد الفريق النظر في وادي رم بالأردن ، الذي كان قد ظهر في أبحاثهم الأولية عبر الإنترنت. يتميز وادي رم بتنوع تضاريسه ويقع ضمن حدود صحراء حِسمى ، مما يجعله واحدًا من أجمل الصحارى في العالم. هذا الموقع كان قد استخدم لتصوير العديد من الأفلام الشهيرة مثل “لورنس العرب” عام 1962 بإخراج ديفيد لين ، وفيلم “المريخي” عام 2015 من إخراج ريدلي سكوت ، وذلك بسبب التشابه الكبير بين تضاريسه وتضاريس كوكب المريخ.
رغم أن وادي رم بدا موقعًا مثاليًا ، إلا أن الانتقال إلى الأردن وتفحص الموقع عن قرب لم يكن سهلاً. تطلب ذلك الكثير من الجهد والوقت والصبر من الفريق. وكما أوضحت روان بابيا ، مديرة الإنتاج في الأردن : “لقد كانت التجربة هنا مذهلة بحق ، لكن تحقيقها استغرق الكثير من الجهد والوقت والصبر”.
خلال عملية الاستكشاف ، اكتشف الفريق مدى تميز وجمال وادي رم. وكما قال برسانت مادهاف ، مصمم الإنتاج : “في اليوم التالي ، خرجنا مبكرًا واكتشفنا مدى جمال المكان فعلاً. كان المنظر رائعًا ، وكأننا على كوكب آخر.” وأضاف روبن جورج ، المخرج المساعد الرئيسي : “في تلك اللحظة ، أدركنا عظمة هذا المكان؛ شعرنا وكأننا وجدنا موقعًا ضخمًا”.
بعد استكشاف شامل ، أصبح القرار واضحًا : وادي رم هو المكان المثالي لتصوير فيلم “حياة الماعز”. تضاريس الوادي الفريدة وثقافة البدو الذين يعيشون هناك كانت تتماشى تمامًا مع الرؤية الفنية التي يسعى بليسي لتحقيقها. وكما قال بليسي : “البدو بملابسهم التقليدية وأسلوب حياتهم عاشوا هنا في وادي رم الأردني ، وهو ما يتوافق مع رؤيتنا الفنية”.
لتنفيذ عملية الإنتاج في وادي رم ، تعاون الفريق مع شركة “Jordan Pioneers”، إحدى أبرز شركات الإنتاج السمعي البصري في الأردن والمنطقة. اتفق الفريق معها على توفير الدعم اللوجستي والتقني والفني اللازم لتحقيق رؤية الفيلم.
في النهاية ، أثبت وادي رم أنه الموقع المثالي لاحتضان مشاهد الفيلم وتجسيد حياة الصحراء والبدو بدقة في قصة سينمائية فريدة. توافرت في هذا الموقع العناصر الأساسية للفيلم : صحراء قاسية ملائمة ، ووجود سلالات من ماعز العواسي ، بالإضافة إلى البيئة البدوية التي تعزز الأصالة الفنية. كان اختيار وادي رم تأكيدًا على التزام المخرج وفريقه بتحقيق رؤية سينمائية أصيلة ومتكاملة.
ظهور خيار استكشاف مناطق جديدة قريبة من الأردن : مصر
بينما كانوا يخططون لتصوير الفيلم في الأردن في جدولين أو ثلاثة خطط تصوير ، طرحت فكرة استكشاف مواقع قريبة إضافية ، كانت فكرة هي تصوير مشاهد هروب محمد نجيب من الكفيل ، في الصحراء الكبرى هي صحراء تحتل الجزء الأكبر من شمال أفريقيا ، وهي أكبر الصحارى الحارة في العالم بمساحة تفوق الـ9 ملايين كم مربع.
قادهم هذا الاستكشاف في النهاية إلى مصر ، حيث علق المخرج بليسي قائلاً : “عندما نتحدث عن مصر ، نتحدث عن عالم من الأهرامات. البلد معروف بتاريخه العريق ، من كليوباترا إلى العديد من الشخصيات الأخرى. وهذه هي مصر”.
لكن المنتج التنفيذي برابهاكار أشار إلى أن الهدف لم يكن مجرد العثور على صحراء رملية ، بل كانوا يسعون لاكتشاف تنوعات مثيرة حتى ضمن صحراء نفسها ، قائلاً : “لم يكن هدفنا مجرد النظر إلى صحراء رملية ، بل كنا نبحث عن تنوعات مثيرة داخل الصحراء”.
ورغم ذلك ، واجه الفريق العديد من الصعوبات أثناء محاولاتهم لتصوير الفيلم في مصر ، مما اضطرهم في النهاية إلى إلغاء الخطط هناك. وأكد بليسي قائلاً : “واجهنا العديد من الصعوبات ، مما دفعنا إلى إلغاء خطط التصوير في مصر”.
غيرو الاتجاه الى المغرب العربي : البداية من صحراء تونس
برزت تونس كخيار محتمل ، وقد جذبهم تونس كموقع تصوير أجزاء من فيلم “حرب النجوم” ، حيث تم تصوير مشاهد كوكب تاتوين في مناطق مثل مطماطة وشط الجريد. دفع هذا إلى استكشاف صحراء تونس ، ولكن بعد الفحص ، صرح المخرج بليسي قائلاً : “رأينا المزيد من الأراضي الرطبة هناك ، وشعرت أنه إلى جانب الصحراء ، كانت هناك مستنقعات طينية صغيرة في تونس”. لم تكن هذه البيئات الرطبة تتماشى مع رؤيته لصحراء قاحلة ذات كثبان رملية متموجة خالية من أي مناطق رطبة ، لذا لم تكن تونس هي الموقع المناسب الذي كان يبحث عنه.
نحو أقصى الغرب : إلى المغرب….
تحول انتباه الفريق إلى أقصى الغرب ، نحو المغرب. وأشار بليسي : “تم تصوير العديد من الأفلام الهوليوودية في المغرب.” كما يعتبر المغرب خلفية ساحرة للعديد من أفلام بوليوود ، مما زاد من جاذبيته كموقع تصوير.
بدأ الفريق في تقديم الأوراق المطلوبة في المغرب ، وبسرعة دخلوا مرحلة ما قبل الإنتاج. وقال روبن جورجي ، المخرج المساعد الرئيسي : “لقد قدمنا الأوراق المطلوبة في المغرب ، وبدأنا عملنا في مرحلة ما قبل الإنتاج بأقصى سرعة.” خلال هذه الفترة ، تحول التركيز بشكل غير متوقع إلى خصوصية الماعز المغربية.
علق بليسي قائلاً : “عندما رأينا تلك الماعز ، رغم أنها من نفس سلالة العواسي ، إلا أنها كانت تتمتع بميزة خاصة ، حيث كانت لها ذيول طويلة أشبه بالكلاب. البعض مازحوا قائلين إن هذه الرحلة هي عن البحث عن الماعز، بلا شك ، الماعز هو العامل الأكثر أهمية في فيلم Aadujeevitham (حياة الماعز).”
وفي النهاية، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة ، اضطر الفريق للعودة من المغرب بسبب ظروف غير متوقعة ، مما دفعهم لإعادة تقييم خياراتهم والبحث مجددًا عن الموقع المثالي.
الجزائر : العرق الغربي الكبير ، تميمون المحطة الأخيرة في رحلة بليسي الاستكشافية
وصلت رحلة البحث عن الصحراء المثالية لتصوير فيلم “The Goat Life” إلى الجزائر ، حيث وجد المخرج الهندي بليسي ما كان يبحث عنه. عبر الإنترنت ، تعرّف بليسي على الصحراء الكبرى في الجزائر ، وكانت مناظرها الخلابة تتماشى مع رؤيته السينمائية. ومع ذلك، واجه بليسي وطاقمه مخاوف أمنية بسبب الأخبار القديمة التي تحدثت عن هجمات تنظيم القاعدة في منطقة تڨنتورين. رغم استتباب الأمن في الجزائر ، ظل بليسي يشعر بالقلق من “اختطاف الأشخاص والمشكلات الأمنية.” وقال بليسي : “لم نكن نعتقد أبدًا أننا سنكون قادرين على التصوير في الصحراء الكبرى في الجزائر والعودة أحياء.” لكنه تغلب على مخاوفه وقرر المضي قدمًا ، باحثًا عن شركة محلية للتعاون معها في عملية الإنتاج.
عبر البحث على الإنترنت ، وجد الفريق شركة “لونجا للإنتاج” في الجزائر. كان الاتصال بالشركة خطوة حاسمة في تحقيق رؤية بليسي. هذه المرة الأولى التي تتعاون فيها شركة إنتاج جزائرية مع مخرج هندي. بعد التنسيق المستمر ، قرر المنتج الجزائري الاتصال بالكاتب والصحفي حميدة عياشي ، المستشار السابق لدى وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة. في جانفي 2020، تواصل مع المستشار وأخبره بنيتهم تصوير فيلم “حياة الماعز” في صحراء الجزائر، بين تيميمون وتاغيت.
تحمس المستشار للفكرة لأنها كانت فرصة لتسويق صورة الجزائر ، وخاصة صحرائها الخلابة ، للمخرجين السينمائيين العالميين. وكان عليه إقناع وزيرة الثقافة السيدة بن دودة بتجاوز العقبات البيروقراطية. وعلى هذا الأساس ، راسل علوي وزير الثقافة ، وتم دعم المسعى رسميًا. في 6 فبراير 2020، تم إرسال أول مراسلة رسمية إلى وزيرة الثقافة وسكرتير الدولة للصناعات السينماتوغرافية ، يوسف سحايري ، مقدمة من صاحب مؤسسة لونجا للإنتاج ، تشمل ملفًا كاملًا عن الفيلم.
نصف شهر بعد تقديم الملف ، وصل بليسي برفقة اثنين من طاقمه إلى الجزائر ، بعد رحلة سفر غير مباشرة دامت 14 ساعة. التقى السيد علوي ، مدير مؤسسة لونجا للإنتاج ، وكان من المفترض أن يغادروا إلى تيميمون عبر رحلة داخلية من مطار الجزائر هواري بومدين في 20 فبراير 2020. لكن الرحلة تأخرت لمدة 16 ساعة وتم إلغاؤها بسبب إضراب عمال الخطوط الجوية الجزائرية ، ما اضطرهم للتنقل برًا في اليوم التالي.
في فجر 22 فبراير 2020 ، وصل الفريق إلى تيميمون مع شروق الشمس ، انطلقوا برفقة أدلاء محليين لاستكشاف صحراء تيميمون الشاسعة، وتحديدًا العرق الغربي الكبير. هذه المنطقة تُعدّ ثاني أكبر عرق في الجزائر، وتمتد على مساحة 80,000 كم²، مع كثبان رملية تصل طولها إلى 300 كم. يشغل العرق الكبير حوالي 20% من مساحة الصحراء الجزائرية.
انبهر بليسي بالمناظر الخلابة التي اكتشفها في تيميمون ، وقرر تصوير جزء كبير من فيلمه هناك. بعد أن استعرض العديد من الصحاري العربية ، وقع اختياره النهائي على الصحراء الكبرى في الجزائر. قال سونيل، مدير التصوير : “عندما نتحدث عن البحث عن موقع تصوير لفيلم *Aadujeevitham*، عملنا بجد لتحديد موقع مناسب في الصحراء. قمنا بفحص العديد من الصحاري، بما في ذلك في تونس ومصر والمغرب، وأخيرًا اخترنا الصحراء الكبرى في الجزائر.” وأضاف بليسي : “أعتقد أنه من أجل الوصول إلى هذا الموقع ، سافرت عبر كل صحاري العالم.” وأكد المنتج التنفيذي برابهاكار أن بليسي كان يسعى لتحقيق رؤيته بشكل عضوي ، دون الاعتماد على المؤثرات البصرية. ورغم التحديات، احتلت الصحراء الجزائرية مكانة خاصة في قلب بليسي ، وقرر أن تكون جزءًا أساسيًا من فيلمه.
في 24 فبراير 2020، بعد عودتهم من رحلة معاينة الموقع، تم استقبال بليسي وفريقه من قبل وزيرة الثقافة بحضور سكرتير الدولة للصناعات السينماتوغرافية، يوسف سحايري ، طرح ياسين خلال اللقاء مسألة الترخيص باسم مؤسسته لصالح الفيلم ، مع تسهيلات الحصول على التأشيرات (visa) لطاقم تصوير، تمت الموافقة على طلب التصوير، وتعهد بليسي بجلب أكثر من ستين مشاركًا في صناعة الفيلم من تقنيين وممثلين، بالإضافة إلى الاستعانة باليد العاملة الفنية الجزائرية، ثم توالت الزيارات من طرف المخرج والفريق التقني والفني الى صحراء تميمون من أجل المعاينة بين 2021 و 2022 ، تم تحديد أمكنة التصوير اتفق الجانبان شركة لونجة لانتاج السينمائي الجزائرية وشريك الأجنبي الممثلة في ” Visual Romance” التي يمثلها المخرج نفسه وفريقه الانتاجي، بموجبها يكون ياسين علوي مسير مؤسسة لونجة لانتاج السينمائي هو المنتج المنفذ للفيلم بالجزائر، ليحصل الفيلم بعدها على التسهيلات اللازمة ، وفي 2021 تم إبرام عقد لفائدة مؤسسة لونجة الجزائرية التي تعامل معها المنتج الهندي ؛ وصاغ العقد مستشار خبير بالمركز الجزائري لتطوير السينما (CADC). وطبعا في قانون السينما في الجزائر ، المنتج السينمائي الأجنبي لا يمكنهم الحصول على رخصة تصوير في الجزائر ، الا إذا كان مشتركا مع مؤسسة ذات حقوق جزائرية، بقى مخرج في تواصل مع ياسين علوي ، فيما بعد طيلة عامين حتى وصول الفريق لتصوير الفيلم في فاتح من ابريل 2022
كواليس تصوير فيلم حياة المعز أثناء شهر رمضان 2022 وسط صحراء تميمون
تحديات التصوير خلال جائحة كورونا وما بعدها ، من صعوبات الى النجاح الكاسح
بعد الاتفاق في الجزائر في فبراير 2020، عاد المخرج بليسي وفريقه إلى الهند، مع الحفاظ على تواصل مستمر مع الطرف الجزائري. وبعد أقل من أسبوعين، في 9 مارس 2020، وصل فريق تصوير فيلم “حياة الماعز” إلى وادي رم في الأردن لاستكمال الجدول الثاني من التصوير، بعد سنتين من التصوير الأولي في الهند في 1 مارس 2018. كانت المرحلة الأولى من التصوير قد انطلقت في ثيروفالا، باثانامثيتا، كيرالا، حيث تم تصوير مشاهد الفلاش باك لحياة نجيب قبل وصوله إلى السعودية. في ذلك الوقت، كان المخطط هو إتمام التصوير خلال 150 يومًا على مدار 18 شهرًا.
سارت الأمور كما هو مخطط لها حتى بدأ انتشار فيروس كوفيد-19 في الهند. في 16 مارس 2020، أعلن رئيس الوزراء الهندي عن فرض إغلاق كامل على البلاد اعتبارًا من منتصف الليل ، مما أثر بشكل كبير على إنتاج الفيلم. حينها، كان فريق التصوير، المؤلف من حوالي 75 شخصًا، بينهم الطاقم الهندي والأردني ، يقيم في مخيم في وادي رم. ومع تزايد حالات الإصابة بالفيروس ، اضطر الفريق إلى عزل أنفسهم في المخيم، مما أضاف تحديات كبيرة لعملية الإنتاج.
سمحت السلطات الأردنية للفريق بمواصلة التصوير مع الحفاظ على العزلة، ولكن بعد ثمانية أيام فقط، اضطروا إلى التوقف في 24 مارس. ومع ذلك، تمكنوا من الحصول على إذن لاستئناف التصوير لمدة 17 يومًا إضافية ، ولكن سرعان ما تم سحب الإذن في 27 مارس بعد فرض حظر التجول. في هذه الأثناء ، طلب بليسي المساعدة من حكومة كيرالا ، عبر غرفة تجارة الأفلام في كيرالا ، لإعادتهم إلى الوطن. ظل الفريق عالقًا لمدة 32 يومًا.
عندما بدأت القيود في التخفيف ، استؤنف التصوير في الأسبوع الأخير من أبريل 2020 واستمر حتى 17 مايو. تم إعادة 58 عضوًا من الطاقم، إلى جانب مواطنين هنود آخرين ، إلى الهند في 22 مايو بواسطة حكومة الهند ، بعد إقامتهم التي استمرت 70 يومًا في مخيم الصحراء، حيث تمكنوا من التصوير لمدة 25 يومًا فقط، مما أسفر عن إكمال حوالي 50% من المشاهد المقررة في الأردن.
بعد التوقف الطويل والصعوبات التي فرضتها الجائحة، كان عليهم الانتظار حتى عام 2022 للعودة إلى التصوير وفقًا لجدولة جديدة. عاد المخرج وفريقه إلى الجزائر في 1 أبريل 2022، حيث بدأوا التصوير في تميمون بصحراء الجزائر، وكانت هذه المرحلة من التصوير تحتاج إلى 40 يومًا في الجزائر و35 يومًا أخرى في الأردن. تم نقل فريق الإنتاج، الذي يتألف من أقل من 60 فنيًا وتقنيًا، عبر رحلة غير مباشرة من الهند إلى الجزائر مرورًا بمطار حمد الدولي في الدوحة. من هناك، تم نقلهم إلى الجزائر العاصمة، ثم إلى مطار ڨورارة في تيميمون عبر رحلة داخلية.
استمر التصوير في الجزائر لمدة 40 يومًا، حيث أقام الفريق في فندق ڨورارة طوال شهر رمضان وحتى عيد الفطر. تم تصوير مشاهد الهروب من الكفيل في صحراء تيميمون ، وخاصة في منطقة العرق الغربي الكبير، وأيضًا على أصعب الطرق في الجزائر ، طريق البنود – تيميمون، الذي يُعتبر خاليًا من الحياة لمئات الكيلومترات. شارك في الفيلم جزائريون كأدلاء وخبراء صحراء من أهل المنطقة، وأيضًا كممثلين في أدوار ثانوية. كما عمل فريق تقني جزائري إلى جانب نظيره الهندي، مما أتاح فرصة للاحتكاك المهني واكتساب الخبرة. بذلك، يكون هذا الفيلم هو الأول الذي يتم تصويره في الجزائر بمساهمة مؤسسة جزائرية وبمشاركة فريق تقني جزائري.
غادر الفريق تميمون في 9 مايو 2022 ، بعد قضاء عيد الفطر فيها، عائدين إلى الجزائر العاصمة عبر رحلة دخلية ، ومنها إلى الدوحة في اليوم التالي ، قبل أن ينتقلوا إلى الأردن لاستكمال التصوير في وادي رم. تم الانتهاء من التصوير في الأردن في 14 يونيو ، مما أنهى الجدولة الدولية للفيلم. انتقل التصوير بعدها إلى بيروناد، راني، كيرالا في 22 يونيو للجدولة النهائية ، حيث تم تصوير مشاهد السجن ، وانتهى التصوير بالكامل في 14 يوليو 2022، بعد 14 سنة من أكبر عمليات انتاج طويلة !
في تأملاته الأخيرة ، قال بليسي: “أثناء بحثي المكثف عن المواقع، الصحاري ، والماعز لفيلم *Aadujeevitham*، سواء كنت مدركًا لذلك أم لا ، أصبح نجيب ، الماعز ، والجمال جزءًا كبيرًا من قلبي. عندما أفكر في ذلك الآن ، وبينما كنت أتجول بتلك الشدة والجنون، أصبحت حياتي، بطريقة ما، تشبه حياة الماعز”.
انتهت هذه المغامرة أخيرًا، وفي أكتوبر 2022، صرح براثفيراج لصحيفة “فاريتي” أن الفيلم كان في مرحلة ما بعد الإنتاج ، مع خطط للمشاركة في المهرجانات السينمائية خلال عام 2023. بلغت تكلفة إنتاج الفيلم حوالي 82 مليون روبية ، ما يعادل حوالي 9.88 مليون دولار أمريكي. صدر الفيلم في 28 مارس من هذا العام ، وحصل حتى الآن على تقييم 7.1 من 10 على موقع IMDb الشهير، و3.5 من 5 نجوم على موقع AlloCiné. وقد شهد الفيلم انتشارًا واسعًا على منصة نتفليكس ، خصوصًا بعد ترجمته إلى العربية في أغسطس الماضي ، مما أثار تفاعلًا ونقاشًا دوليًا غير مسبوق بالنسبة لفيلم هندي. أصبح الفيلم ثاني أغلى فيلم مالايالامي على الإطلاق ، حيث حقق إيرادات شباك التذاكر تتراوح بين 16.75 و19.27 مليون دولار ، مما أسفر عن أرباح تتراوح بين 6.87 و9.39 مليون دولار، مشيرًا إلى نجاح مالي كبير ، ولا تزال الأرقام في ارتفاع مستمر.