حين ترسم الخطوط ملامح الهوية التشكيلية المغربية.. الصويرة تحتفي بتيار “النزعة الخطوطية”

المغرب : نادية الصبار
ماذا لو قرر الفن التشكيلي المغربي أن يتحدث بلغته الخاصة بدل ترديد أصداء الآخرين؟ هل آن الأوان ليحجز لنفسه مكانًا على خريطة التشكيل العالمي؟ من هذه الرغبة في التميز، وُلدت على يد الفنان التشكيلي والكاتب عفيف بناني حركة ‘النزعة الخطوطية’ (Le Traitillisme)، كأول تيار تشكيلي مغربي معاصر. هذا التيار يحطّ رحاله بمدينة الصويرة في معرضه الوطني الثالث، من 14 إلى 18 مايو 2025، بفضاء برج باب مراكش التاريخي.
المعرض، الذي تنظمه الهيئة الوطنية للرسامين والمصورين الفوتوغرافيين، بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والاتصال، وجمعية الصويرة موغادور، والمجلس الجماعي للمدينة، يشكل فرصة نادرة للغوص في أسلوب بصري غير مسبوق، يرفض الانصياع للمألوف، ويقترح قراءة جديدة للتراث المغربي من خلال تماوج آلاف الخطوط على القماش.
“لقد قلّدنا ما يكفي” ، يقول مؤسس الحركة، الفنان والكاتب المغربي عفيف بناني، قبل أن يضيف بنبرة حاسمة: “حان الوقت لنُسمع صوتنا، ونبتكر تيارًا تشكيليًا مغربيًا خالصًا، كما حدث مع الانطباعية في فرنسا أو التعبيرية في ألمانيا”.
منذ إطلاقه للنزعة الخطوطية سنة 2018، اختار بناني أن يضع لبنة أولى في مسار طويل لتأصيل تيار تشكيلي مغربي، ينطلق من التجربة الشخصية لكنه لا يتوقف عندها. ويشرح قائلاً: “أسلوب الخطوطيّة لا يحرص على إبراز التفاصيل بقدر ما يقترح تفكيكًا بصريًا للموضوع عبر تكرار عدد لا نهائي من الخطوط الصغيرة. عين المتلقي هي التي تعيد بناء اللوحة من جديد”.
هذه التقنية الفريدة، التي وصفها الناقد الفرنسي دانييل كوتوري بأنها “أول تيار عالمي من نوعه”، لا تشتغل فقط على المستوى البصري، بل تحمل في طياتها هاجسًا ثقافيًا عميقًا. وهو ما يؤكده بناني قائلاً: “نرغب في تسليط الضوء على التراث المغربي، المادي وغير المادي، بأسلوب معاصر يقطع مع التبعية الفنية”.
وأما الفنانة التشكيلية عائشة عرجي، وهي من الوجوه البارزة ضمن هذا التيار، فعبرت عن اعتزازها بانتمائها إلى ما سمّاه الفنان المؤسس ‘أميرات وأمراء التريتيلية’. وقالت في هذا السياق: “الخطية أسلوبي في التعبير عن المواضيع القريبة من ذاكرتي وطفولتي؛ القصبات، الأسوار، الأبواب القديمة، الحلي، الزي والإكسسوارات… كلها عناصر تحيي داخلي الانتماء والافتخار”.
وأضافت أن النزعة الخطوطية بدأت ذات يوم تحت مسمى “الصمت”، قبل أن تتحول إلى لحظة بوح جماعي واحتفاء بالهوية الفنية المغربية، خصوصًا كالتفاتة فنية وإنسانية لنساء المغرب، ونساء الجنوب الشرقي على وجه الخصوص.
ويشارك في هذا المعرض 32 فنانًا من مختلف جهات المغرب، إلى جانب فنانين من فرنسا واليابان، في عرض جماعي يضم 55 لوحة فنية، كلها مرسومة بنفس التقنية، بدون خلط أو استثناء.
ويتضمن البرنامج الموازي للمعرض تنظيم ندوة فكرية مساء الخميس 15 مايو ببيت الذاكرة بعنوان “الانغماس في ألوان موغادور”، تؤطرها الأستاذة أمينة لمغاري، فيما يُخصص يوم الجمعة 16 مايو للقاء مفتوح مع الفنان عفيف بناني، يتناول فيه “تداعيات اختراع التصوير الفوتوغرافي على الرسم”، في استحضار نقدي لمسار الفن البصري وضرورته اليوم إلى التجديد.
ويُنتظر أن يستقطب المعرض، الذي يقام لأول مرة في الصويرة، عشاق الفن التشكيلي المعاصر، والنقاد، والفاعلين الثقافيين، ممن يرغبون في التعرف على تيار يصفه بناني بأنه “حجر جديد في تاريخ الفن المغربي، سواء استمر أم لا، لكنه موجود، وله روحه وهويته”.
من هو عفيف بناني؟
عفيف بناني، فنان وكاتب مغربي من مواليد الرباط، بدأ مسيرته الفنية مطلع التسعينيات. اشتغل على مختلف المدارس التشكيلية العالمية من انطباعية وتجريدية وغيرها. وهو باحث في النظريات البصرية وتاريخ الفن، ومؤسس أول حركة تشكيلية مغربية معاصرة بعنوان “النزعة الخطوطية”، سنة 2018. أصدر مجموعة من المؤلفات والدراسات، وأقام معارض داخل المغرب وخارجه، مؤكدًا على ضرورة أن يحمل الفن التشكيلي المغربي توقيعه الخاص.