GreatOffer
ثقافة وفن

الفيلم الفلسطيني “لا أرض أخرى”… شهادة سينمائية ترفع الصوت في وجه الظلم

بقلم : سيلينا السعيد

Advertisement GreatOffer

في ليلةٍ من ليالي الفن التي يُفترض أن تكون احتفالًا بالجمال ، صعدت فلسطين إلى خشبة الأوسكار ليس عبر ألوان الفساتين أو بريق المجوهرات ، بل بصوت الأرض ، بنداء البيوت المهدمة ، وعيون الذين هُجروا وبقوا هناك في الذاكرة ، في التراب ، وفي صمت الحجر حين ينادي صاحبه.

“لا أرض أخرى” ، الفيلم الذي انبثق من وجع مسافر ، لم يكن مجرد عمل وثائقي؛ بل كان مرآةً لوجع وطن ، صدىً لخُطى المهجرين ، وصرخةً في وجه من يقتلع الجذور ويظن أن الشجرة ستنسى تربتها.

Advertisement

الفيلم

هذا الفيلم، الذي أخرجه المخرج الفلسطيني باسل عدرا والصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام ، حمل إلى العالم حقيقة قد تُخفى خلف عناوين الأخبار : شعبٌ يُنتزع من أرضه ، يُجرد من سمائه ، لكنه باقٍ. إن هذا الفيلم لا يروي قصة فلسطين فقط ، بل قصة الإنسانية التي تُختبر في كل حجر يُهدم ، وفي كل شجرة تُقتلع ، وفي كل أمّ تراقب بيتها يتحول إلى غبار.

عندما نُطق اسم الفيلم على مسرح دولبي، لم يكن الفوز مجرد لحظة انتصار سينمائي ، بل كان حضورًا فلسطينيًا يتحدى الإقصاء ، ويثبت نفسه في أكثر ساحات العالم بريقًا. إنه يقول للعالم : “ها نحن هنا ، لا نُمحى ، لا نُنسى ، لا نغيب”. في تلك اللحظة ، كان ثمة إدراكٌ جماعي بأن هذا ليس مجرد فيلم يوثق ماضيًا ، بل هو شهادة حية على حاضرٍ لا يزال يُكتب.

الفيلم

على خشبة المسرح ، وقف باسل عدرا ليس ليشكر فحسب ، بل ليشهد ، ليذكّر ، ليمنح صوتًا لمن صودرت أصواتهم ، وليقول أمام العالم : “هناك أرض واحدة ، وأن تهجير القلوب أصعب من تهجير الجدران”. كلماته لم تكن مجرد خطاب ، بل كانت دمعةً في عين طفل يحمل مفتاحًا صدئًا ، وكانت نظرة عجوز تحفظ خريطة القرى التي محتها الجرافات ، وكانت نداءً للأرض لمن يسمع.

أما يوفال أبراهام ، فقد أضاف بصوتٍ يرتجف : “صنعنا هذا الفيلم معًا، فلسطينيين وإسرائيليين ، لأن أصواتنا معًا أقوى ، لأن العدل لا يعرف لونًا واحدًا ، ولا وجهةً واحدة. رأينا بأعيننا الخراب ، وعرفنا أن الصمت خيانة”.

لكن في قاعة الأوسكار ، حيث يعلو التصفيق ، كان هناك إدراكٌ آخر : هذا الفيلم ليس فقط عن ماضٍ يُوثق ، بل عن حاضرٍ يتجسد في كل لحظة. عن بيوت تُهدم الآن ، وعن مدن تنادي أهلها ولا يسمعها أحد. في عالمٍ تُمسح فيه الحقائق بضغطة زر ، جاء “لا أرض أخرى” ليكون شاهدًا لا يمكن محوه ، شهادة سينمائية تنزف بالحقيقة ، وتعلن أن الأرض تعرف أصحابها ، حتى لو زُيفت الخرائط.

إذا كان للفن أن يكون سلاحًا ، فقد حمل هذا الفيلم كلمةً تُقاوم ، وذاكرةً تُحفظ ، وأملًا يُولد في عيون الذين يرفضون أن يكونوا مجرد أرقام في نشرات الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى