فعاليات

مفهوم مبدأ شفوية المحاكمة

كتب : محمد الهنائي

Advertisement

أن مبدأ شفوية المحاكمة هو أحد القواعد العامة والأساسية للمحاكمة ، والتي يجب على المحكمة باتباعه باعتباره عنصراً أساسياً في إجراءات المحاكمة ، والذي يهدف إلى اظهار الحقيقة بالحكم على المتهم بالبراءة أو الإدانة وإقراراً للعدالة ، وتقريراً لحق الدولة في العقاب ، حيث تكمن أهمية هذا المبدأ باعتباره ضماناً هاماُ للمتهم ليتمكن من حصوله على المحاكمة العادلة ، ويمكنه من الدفاع نفسه ، ويكفل هذا المبدأ أيضاً حقوق أطراف الدعوى الجزائية ، بحيث تقوم جميع إجراءات المحاكمة شفاهه أمام الخصوم مما يسمح لهم بمناقشة كافة الأدلة المعروضة في الجلسة ، وبالتالي تمكن للقاضي من خلاله بوزن الأدلة ويقدر قيمتها ، وتمكنه أيضاً من تكوين قناعته الوجدانية من خلال استنتاجه من الوقائع والمناقشات التي دارت أمامه ، وسوف نتطرق في هذا المقال إلى بيان مفهوم مبدأ شفوية المحاكمة وسنتناول أيضاً الاستثناءات التي وردت على هذا المبدأ .

مفهوم مبدأ شفوية المحاكمة :

Advertisement

ويقصد بمبدأ شفوية المحاكمة هو أن تقوم المحكمة بإجراءاتها بشكل مسموع وتحت بصيرة المحكمة في جلساتها المنعقدة (1) وذلك عند تقديم الدفوع والأدلة ، بحيث تقوم المحكمة بمناقشة تلك الأدلة والاستماع لأقوال الشهود والخصوم بحضور جميع خصوم الدعوى في الجلسة ، وتكمن أهمية هذا المبدأ في أن الحكم الصادر من قبل المحكمة بالبراءة أو بالإدانة لابد أن يكون قد صدر عن قناعة في تقدير الأدلة التي تم تقديمها للمحكمة والموازنة فيما يؤسسه القاضي من قناعته بالمعلومات والوقائع التي تمت مناقشتها وبين الإجراءات القائمة والتي تتم بشكل مسموع في جلسة المحكمة ، وذلك من خلال المرافعات العلنية ، وبالتالي يكون قد تم وفقاُ لقواعد المحاكمة ، وهذا ما قررته المحكمة العليا بأن “مبدأ شفوية المرافعة ، ماهيته ، وجوب طرح كل دليل تعتمد عليه المحكمة شفوياً في الجلسة وتجري في شأنه المناقشة الشفوية ، الاكتفاء بتحقيق الادعاء العام ومحاضر جمع الاستدلالات ، عيب ” (طعن رقم (188/2009) ، جزائي عليا ، جلسة 16/ 6/ 2009م ، سنة 9 ، ص703 ) ، وتكمن أهمية هذا المبدأ أيضاً في مراقبة المحكمة أعمال إجراءات التحقيق الابتدائي ما اذا كان قد شابه أية عيوب ، ولاسيما بأن هذا المبدأ هو أحد الحقوق والضمانات المقررة للمتهم في المحاكمة العادلة من خلال معرفته بكل ما يحول حول القضية ، وتمكينه من الاطلاع على الأدلة المقدمة ضده ولا سيما ذلك من أجل أن يقوم بالدفاع عن نفسه ، وذلك باعتباره أحد الاجراءات الجوهرية التي أوجبها القانون وبدونه تبطل المحاكمة ، وذلك لتطبيقاً مبدأ المجابهة بالأدلة أو المواجهة فيما بين الخصوم ، وترتبط هذه الشفوية بشكل أساسي بالعلانية ولا سيما بأن العلانية تسمح للجمهور بالحضور لجلسات المحاكمة ، فلابد من تمكين الجمهور والخصوم أيضاً في الدعوى من سماع الإجراءات والمناقشات التي تدور داخل جلسة المحكمة من أجل شعور الجمهور بالاطمئنان وثقتهم بالعدالة ، ويعتبر ذلك نوع من أنواع الرقابة على القضاء ، فلذلك عندما يقوم القاضي بالحكم فانه يعمل بمبدأ القناعة الوجدانية ، فتؤسس هذه القناعة على دليل علمي وعقلي ، فالدليل العلمي هو كل ما يدور من مناقشات في الأوراق التي يضمها ملف الدعوى، فلابد أن يعرض القاضي أو رئيس المحكمة كل ورقة موجودة في ملف الدعوى على الخصوم ويتناقشوا فيها ، وبعد ذلك يكون قناعته الوجدانية ويصدر الحكم في تلك القضية ، ولاسيما عندما يطلب القاضي مناقشة دليل معين من الخصوم فيعني أن تكون المناقشة بشكل مسموع ، وتفسيراً لذلك فإن أهمية مبدأ شفوية المحاكمة سيؤدي إلى تطبيق المواجهة بين الخصوم وكشف الحقيقة من خلال الأدلة التي توضع أمام المحكمة ومناقشتها في الجلسة بصورة علنية حتى تكون عقيدتها وقناعتها الوجدانية وأيضاً ضماناً لتحقيق العدالة، وقررت المحكمة العليا في سلطنة عُمان بأن “يطرح القاضي كل دليل يعتمد عليه للمناقشة الشفوية في الجلسة ، استناد الحكم إلى أدلة لم تطرح على بساط البحث بالجلسة ، أثره ، اعتبار الحكم معيباً ” ( طعن رقم (369/2006) ، جزائي عليا ، جلسة 17/10/2006 ، سنة 7 ، ص 180 ) ، ومما لا شك فيه فأن هذا المبدأ يعد من النظام العام مما يؤدي عند اتباعه إلى تحقيق العدالة وأيضاً يكون ضمان للحق في الدفاع وبالتي وجب على المحكمة أن تطبقه حتى لا يحدث أي خلل للإجراءات قد يؤثر على الحكم (3)، وقد أهتم المشرع العُماني وحرص على تقرير هذا المبدأ وذلك من خلال قانون الإجراءات الجزائية فقد نصت المادة رقم (215) على أنه ” …. لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح على الخصوم أمامه في الجلسة أو على معلوماته الشخصية” مما يدل ذلك على أن تعرض جميع الأدلة ومناقشة بشكل مسموع في الجلسة إلا أن هذا المبدأ قد ورد عليه بعض من الاستثناءات وهي كالآتي :

أولاً :- عدم التمكن من سماع شهادة الشاهد

بحيث يمكن الرجوع للكتابة إلى الأوراق التي دون فيها محاضر كشهادة الشهود وما إلى ذلك في بعض الأحيان عندما تحتم الضرورة على المحكمة القيام بذلك ، ويعد أيضاً وفاة الشاهد من الاستثناءات التي ترد على مبدأ الشفوية ، حيث أنه إذا توفي الشاهد أثناء المحاكمة أو قبلها وكان قد أدلى بشهادته أمام الادعاء العام وكانت الشهادة ضرورية ولابد أن تسمعها المحكمة والخصوم فعندها يمكن الرجوع إلى شهادته المكتوبة والتي أدلى بها أمام الادعاء العام ،  وكذلك أيضاً عند حالة المرض فإذا كان الشاهد مريضاً ولا يستطيع الوصول إلى مقر المحكمة في الوقت المحدد وكانت شهادته ضرورية وبالتالي من الممكن الاستعانة بالشهادة المكتوبة، كذلك الحال إذا كان الشاهد غائباً فقد يسافر الشاهد دون معرفة وجهته ولا يمكن إعلانه للإدلاء بالشهادة فعند ذلك يصار إلى تلاوة شهادته التي ادلى بها في الادعاء العام.

ثانياً :- الشاهد الأبكم الأصم

ويعد الشاهد الأبكم الأصم من الاستثناءات التي ترد على هذا المبدأ ، بحيث أنه إذا كان يجيد الكتابة فعندها يكتب له السؤال ويجيب عليه وتقرأ الإجابة أمام الخصوم في قاعة المحكمة ، وأما كان لا يجيد الكتابة وبالتالي وجب على المحكمة الاستعانة بمترجم لإشارات البكم، لكي يحول هذه الإشارات إلى كلام بعد حلف اليمين .

ثالثاً :- المتهم والشاهد الأجنبي

وكذلك الحال عند الشاهد الأجنبي الذي لا يجيد اللغة العربية فيجب ان تسمع شهادته بواسطة المترجم بعد حلفه اليمين لقيامه بالترجمة بأمانة وصدق ، وهذا ما قررته المادة رقم (3) من قانون الإجراءات الجزائية العماني والتي نصت على أنه ” تجري جميع الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون باللغة العربية ، ويجب أن تسمع أقوال الخصوم والشهود الذين يجهلون اللغة العربية بواسطة مترجم بعد حلفه اليمين” .

رابعاً :- نسيان الشاهد الواقعة

ومن الاستثناءات التي ترد على هذا المبدأ أيضاً نسيان الشاهد لبعض جزئيات الواقعة لمرور فترة طويلة بين مشاهدة الواقعة والادلاء بها أمام الادعاء العام والشهادة فيها أمام المحكمة ، حيث أن هنالك عوامل قد تؤثر في ذاكرة الشاهد كمسألة السن والعوامل الأخرى ، وبالتالي جاز للمحكمة من تلاوة شهادته المدلى بها والمتعلق بالواقعة ، وأيضاً عند نسيان بعض التواريخ والأرقام التي تتعلق بالواقعة ففي هذه الحالة لا يمنع من الرجوع لشهادته السابقة ، وذلك من أجل التثبت والتأكد من تلك التواريخ أو الأرقام ، وقد أوضح قانون أصول المحاكمات الأردني ذلك في الفقرة الثانية من المادة رقم (218) والتي نصت على : ” إذا قرر الشاهد أنه لم يعد يذكر واقعة من الوقائع يجوز بأن يتلى من شهادته التي أقرها في التحقيق الجزء الخاص بهذه الواقعة” .

خامساً :- اعتراف المتهم

ويعتبر اعتراف المتهم شفوياً أمام المحكمة استثناءً من هذا المبدأ ، بحيث تستغني المحكمة عن سماع الشهود وذلك لاعتراف المتهم على التهمة المنسوبة إليه أمام المحكمة ، وهذا ما أكدته المادة رقم (190) من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على أنه “إذا أعترف المتهم في أي وقت بأنه مذنب فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتناقشه فيها وإذا اطمأنت إلى سلامة الاعتراف وكفايته فلها أن تستغني عن باقي إجراءات التحقيق أو بعضها وأن تفصل في القضية”، ويتبين لنا من خلال نص المادة بأن القانون الزم المحكمة بسماع أقواله بشكل تفصيلي ، ومناقشته بها عن اعترافه بالتهمة المنسوبة إليه ، ومن جهة أخرى أجاز لها بالاستغناء عن إجراءات التحقيق والفصل فيها عند طمأنينتها بسلامة ذلك الاعتراف ، وهذا الأمر متروك لتقدير قاضي المحكمة.

خلاصة القول نجد أن هذا المبدأ يعتبر من أهم الإجراءات أمام المحكمة من خلال شفوية المحاكمة ، ومناقشة كافة الأدلة ، والاستماع إلى الشهود أمام المتهم باعتباره ضماناً مقررا له ليتكمن من الدفاع عن نفسه ، وأيضاً تتم المحاكمة بحضور الجمهور ، وبالتالي لا يمكن للقاضي أن يعتمد على معلوماته الشخصية أو يحكم بناءً على أعمال التحقيق الابتدائي ، ولا سيما إذا اعتمد على أي دليل لم طرح شفاهه في الجلسة سيؤدي ذلك إلى بطلان الحكم ، وذلك لأن أصل القاعدة في هذا المبدأ بأنه لابد أن تكون إجراءات المحكمة بصورة شفوية ، ولا يمكن ان تبني قناعتها على محاضر الاستدلالات ، والتحقيقيات الابتدائية ، بل يجب عليها الاستماع الى المناقشات وأقوال الخصوم والشهود(4) وعند مخالفة هذه القاعدة سيترتب عليها بطلان الإجراءات المتخذة باعتبارها قاعدة أساسية وجوهرية للمحاكمة ، ولا يصار من هذه القاعدة إلا استثناء في الأحوال التي أوضحها وحددها القانون.

CourtMaqal2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى