مجلس الخنجي وزيارة واجهة مطرح البحرية
كتب : د.حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تتنوع فعاليات مجلس الخنجي بين لقاءات ثقافية وعلمية ومحاضرات وزيارات ميدانية إلى بعض الاماكن الحضارية والثقافية والتراثية وغيرها من اللقاءات الأخرى التي تتم على مدار العام. وفي هذه الأجواء الجميلة نظم مجلس الخنجي برئاسة رئيس المجلس خليل بن عبدالله الخنجي مساء يوم السبت 28 ديسمبر 2024 زيارة إلى بعض معالم مدينة مطرح القديمة ، وبمشاركة مجموعة كبيرة من أعضاء المجلس.
وقد بدأت الرحلة التي أطلق عليها “جولة عائلية تعريفية” للواجهه البحريه لمطرح بهدف التعرف على أهم المباني القائمة على ساحل الواجهة البحرية لمدينة مطرح ، بدءاً من سوق السمك بمطرح ومروراً بالمدرسة السعيدية وسور اللواتيه و خور بمبة ثم إلى قلعة مطرح وأخيراً بالوصول إلى قرية مطيرح.
وقد شارك في هذه الرحلة مجموعة من ضيوف المجلس من مدينة مطرح وغيرهم من الأعضاء بالمجلس ، خاصة ممن لهم علاقة بمعيشتهم وسكنهم في تلك البيوت ، سواء تلك التي تقع على الساحل أو خلف البيوت القائمة على الواجهة البحرية. وقد كان الهدف من هذه الزيارة تعريف الجيل الحالي بأهم تلك البيوت والمساجد والقلاع التي تحتضنها مدينة مطرح سواء على المواقع البحرية أو خلف تلك المنازل داخل الحارات.
المشاركون في هذه الرحلة بدأوا جولتهم من مواقف سوق السمك الحالي التي تقع في منطقة تسمى “اربق” وهي التي كانت تحتضن الجبال الملاصقة للبحر التي تم استغلال أحجارها في بناء ميناء السلطان قابوس. وكان الكثير من الأفراد يأتون إلى هذه الجبال لصيد الاسماك ، خاصة حبات سمك “الصيمة” التي كانت تتكاثر في بعض فصول السنة ، فيما كانت حركة صيد الأسماك بكميات أكبر تتم من خلال “الهواري” وهي عبارة عن سفن صيد صغيرة تسع لثلاثة أشخاص ، وتبدأ رحلتها من تلك المنطقة إلى منتصف البحر وتعود بما تحصل عليها من الأسماك ليتم بيعها على شواطيء البحر هناك.
خلال ساعتين تقريبا تجوّل المشاركون بهذه الرحلة الجميلة، وبدأ البعض بالحديث عن الحياة في مطرح وأهم عائلاتها، ومبانيها وأصحابها الذين امتلكوا تلك العقارات، وعن التجارة التي كان يمتهنوها. فمطرح القديمة تميزت بوجود عدد من المقاهي والمخابز والمطاعم والمحلات التجارية على شواطئها. وكانت مقراً للقادمين والمغادرين عبر البحر إلى الدول الخليجية والافريقية والأسيوية.
فعلى الواجهة البحرية يوجد حتى اليوم العديد من المساجد أهمها مسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يرجع تاريخ بنائه عام 885 هجرية الموافق 1480ميلادي ، في عهد الامام عمر بن خطاب بن محمد بن شاذان بن الصلت بن مالك الخروصي ، والذي يقع ضمن أملاك سور اللواتيا حالياً. وكذلك هناك مسجد العلامة الشيخ حمد الخنجري حيث بدأت الرحلة ، ومسجد المنذري ، وغيرها من المساجد الأخرى. كما تميزت بوجود بعض “مسافر خانه” وهي عبارة عن موتيلات صغيرة كان يرتادها البحارة والقادمين إلى مطرح أهمها فندق لشكو ، بجانب تميزها بوجود أول مدرسة حكومية وهي المدرسة السعيدية بمطرح التي تم افتتاحها عام 1959 ، بالاضافة إلى وجود مستشفى طومس ، ومخازن وبخاخير ، ومحلات متنوعة بسوق الظلام ، والمباني التجارية التي كانت تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير، بالاضافة إلى وجود “فرضة مطرح” التي كانت بمثابة ميناء تجاري صغير ، بجانب القلعة المشهورة بقلعة مطرح هناك.
الحديث عن مطرح القديمة لا يمكن اختزاله في هذه العجالة ، خاصة في الأبنية والمنازل والقلاع الأثرية التي تم إنشاؤها هناك في القرنين الماضيين ، وأهم منازلها “بيت العود” لمالكه المرحوم الحاج علي بن عبداللطيف والذي شرفه المرحوم السلطان سعيد بن تيمور عند زياراته لمدينة مطرح عبر البواخر التي كانت تقدم إلى ميناء مطرح. وقد احتوى هذا المنزل الذي يتم تحويله حاليا إلى مؤسسة ثقافية وتراثية على عدد من المجالس الضخمة والحُجر والبلكونات الجميلة.
فمطرح وما فيها من البيوت والمنازل والأسواق والحارات والقلاع وغيرها تعّد أرثا كبيراً وتحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام خاصة من الأجيال الحالية التي تركتها في أيدى الوافدين ، وخاصة سوقها التجاري الكبير التي كانت من أكبر الاسواق في عُمان حتى الثمانينيات من القرن الماضي. فهده المدنية تحمل ذكريات عديدة خاصة لأبناءها الذي ترعرعوا على ترابها ، وتنقلوا بين حاراتها ، ولعبوا على ساحلها الجميل ، وغاصوا في أعماق بحرها الهادي. فكل ما بقي في مطرح مترسخ في وجدان أبناءها الذي ما زال بعضهم يقومون بزيارتها بين فترة وأخرى. فهذه المدينة ستبقى خالدة في ذاكرهم ، خاصة وأن الحكومة تقوم اليوم بإنشاء مشاريع ترفيهية بها ومنها خط المرور الطائر “التلفريك” الذي سيدفع الجميع من أبناء عُمان والوافدين بزيارة هذه المدينة الساحرة بالجمال والأناقة. وهذا ما سيدفع الكثير من التجار والمستثمرين وغيرهم بالمجئ إلى هذه المدينة لانشاء مشاريع تجارية وسياحية وترفيهية ، بل وإقامة مدن سكنية وتجارية حديثة على الجانب الساحلي لها.