دعوات لحل مجلس النواب التونسي
تصاعدت المطالب الشعبية والحزبية في تونس التي تنادي بحل مجلس نواب الشعب (البرلمان) وتنحية رئيسه راشد الغنوشي، بعد تفاقم مظاهر العنف اللفظي والجسدي في ساحته وتحوله إلى حلبة صراع بين الكتل البرلمانية عوضا عن انشغاله باستحقاقات الشعب.
فدعا حزب التيار الشعبي (يسار) جميع القوى الوطنية الفاعلة في تونس، أحزابا وكتلا برلمانية ومنظمات وجمعيات ونخب وطنية، إلى تبني مشروع يهدف إلى إسقاط المنظومة السياسية الحالية وتعويضها بحكومة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
كما تتبنى هذه المبادرة مقترح إسقاط البرلمان باعتباره قد تحول إلى حجر عثرة أمام تقدم الإصلاحات في البلاد والالتفات إلى مشاغل المواطنين التي من أجلها انتفض التونسيون ضد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي أواخر 2010.
منظومة حكم “عاجزة”
قال الأمين العام لحزب “التيار الشعبي” زهير حمدي لـ “سبوتنيك”، إن مستوى الأزمة الذي بلغته تونس أصبح يمثل خطرا على وحدة البلاد وعلى الدولة التونسية في حد ذاتها.
وأضاف أن “منظومة الحكم الحالية لم تعد عاجزة فقط عن حل مشاكل الشعب التونسي وتلبية مطالب الجهات المنتفضة احتجاجا على أوضاعها البائسة وعلى تردي الخدمات القطاعية، وإنما أيضا أصبحت تمثل عبئا على الشعب التونسي وجزءا من مشاكله”، وتابع “إن خير دليل على ذلك هو مشاهد العنف المزرية المخيمة على البرلمان”
والتي تديرها ما وصفها بـ “الجماعات الإرهابية التي تتحصن بالمجلس وتمارس العنف ضد النواب أمام مرأى الجميع”.
ويرى حمدي أن الحل لمشاكل البلاد لا يمكن أن يتأتى من داخل المنظومة، معتبرا أن “الأمل في رئيس الجمهورية الحالي (قيس سعيد) تلاشى بعد أن فقد التونسيون أملهم في أن يقوم بدوره في إحداث المصالحة وتهدئة الوضع”.
وأشار الأمين العام للتيار الشعبي إلى أن الدعوة لإسقاط هذه المنظومة تستند إلى كونها فاقدة للشرعية لسببين أساسيين، “أولهما إدانتها من قبل تقرير محكمة المحاسبات الذي أكد عملية التلاعب بالانتخابات وأثبت وجود أموال فاسدة وتدخلات أجنبية في الحملات الانتخابية، وثانيها فشلها في الأداء والإنجاز وتنفيذ الإصلاحات الكبرى”، على حد قوله.
وتقترح مبادرة التيار الشعبي أن يتم التوجه نحو تشكيل حكومة انتقالية تؤمن المرحلة القادمة مدة سنة أو سنة ونصف، وتتولى انجاز الاصلاحات والإجراءات الاقتصادية العاجلة التي يذكر منها زهير حمدي “مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي أخلت اخلالا كبيرا بالميزان التجاري، وكذلك مراجعة قانون البنك المركزي، وتنفيذ إصلاح جبائي عميق وغيرها من الإجراءات العاجلة التي ينبغي أن توفر الموارد المالية للدولة حتى يتسنى مجابهة هذا العجز الحاصل في الميزانية”.
ويقول حمدي إنه “لا مجال للمرور إلى انتخابات سابقة لأوانها دون أن يتوفر شرطان رئيسيان، هما الإصلاح العميق للنظام السياسي الراهن نحو الحد من التشتت في السلطة التنفيذية وإيقاف العبث بمؤسسات الدولة وأجهزتها، إلى جانب إصلاح النظام الانتخابي بشكل يمنع امكانية التلاعب بأصوات الناخبين ويقطع الطريق أمام التدخل الخارجي وأمام المال السياسي الفاسد وأمام تلاعب مراكز سبر الآراء الموجهة بنتائج الانتخابات بشكل مسبق، وبطريقة تضمن انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يمنع فيها صعود الجماعات الإرهابية والمهربين واللصوص والفاسدين من الوصول إلى مواقع القرار”.
ويرى حمدي أن تحقق ذلك لا يتم إلا بتصعيد التحركات الاحتجاجية وتوحيد الشعارات القطاعية والفئوية تحت شعار وطني جامع هو تغيير المنظومة وعلى رأسها البرلمان.
من جانبه، اعتبر النائب عن الجبهة الشعبية (يسار) منجي الرحوي في حديثه لـ “سبوتنيك” أن البرلمان أصبح عبئا على البلاد وعلى الشعب التونسي، مضيفا “حل مجلس النواب من الفرضيات الجدية المطروحة حاليا”.
وقال النائب “من الضروري اليوم أن يتشكل تحالف وطني شعبي يكون قوة ردع للتحالف البرلماني الحالي الذي أساء لصورة تونس”.
ويرى الرحوي أن رئيس البرلمان راشد الغنوشي يتحمل المسؤولية الأكبر فيما آلت إليه الأمور تحت قبة مجلس نواب الشعب بسبب فشله المستمر في تسيير الجلسات ووقف نزيف العنف داخل البرلمان.
واستنكر عدم إدانة الغنوشي بوصفه رئيسا للمجلس للعنف المسلط على نواب التيار الديمقراطي من قبل نواب ائتلاف الكرامة (18 مقعدا من أصل 217)، متهما إياه بتبييض العنف والإرهاب.
وأضاف “سنحول مطلب تنحية راشد الغنوشي من على رأس البرلمان إلى مطلب شعبي، فإما أن يستقيل وإنما سنقيله بلائحة سحب الثقة”.
من جانبه أكد النائب عن حركة الشعب (15 نائبا) زهير المغزاوي أنه من الوارد جدا أن تتقدم الكتلة الديمقراطية (تحالف يضم حركة الشعب والتيار الديمقراطي ولديه 38 نائبا بالبرلمان) بلائحة جديدة لسحب الثقة من راشد الغنوشي الذي “يتعامل مع البرلمان على أنه جمهوريته الخاصة”، مضيفا أن الغنوشي لا يفرّق بين إدارة حزب حركة النهضة (إسلامية/ 54 نائبا) وإدارة مجلس نواب الشعب.
وقال المغزاوي لـ “سبوتنيك”، إن تغاضي الغنوشي عن إدانة العنف والإرهاب الذي مورس في البرلمان على يد شريكه ائتلاف الكرامة هو النقطة التي أفاضت الكأس بشأن فشل الغنوشي في النأي برئاسة البرلمان عن التجاذبات السياسية.
وأوضح المغزاوي الذي دخلت كتلته منذ يوم أمس في اعتصام مفتوح داخل البرلمان، أن احتجاجهم يأتي في إطار “منع أي طرف يريد أن يعيد البلاد إلى مربع العنف الذي شهدته تونس في 2012 و2013 والذي ذهب ضحيته المناضلان شكري بالعيد ومحمد البراهمي”.
واغتيل المحامي بلعيد (48 عاما) المعارض الشرس لحزب النهضة، بالرصاص في 6 فبراير 2013م أمام منزله بحي المنزه شمال العاصمة، فيما اغتيل النائب المعارض البراهمي (قومي عربي) في 25 يوليو/تموز من العام نفسه، وتبنى عمليتي الاغتيال جهاديون على صلة بتنظيم “داعش” الإرهابي.
وأضاف المغزاوي “من الضروري اليوم أن يتم تعديل بوصلة البرلمان في اتجاه الانكباب على مشاغل المواطنين والتي من أجلها انتخبنا هذا الشعب، وليس الصراعات بين الكتل التي تريد أن تدخل البلاد في متاهات ومنعرجات خطرة”.
ويعيش مجلس نواب الشعب التونسي منذ أيام على وقع مشاحنات ونقاشات حادة تحولت إلى تلاسن لفظي وتبادل للعنف الجسدي بين نواب ائتلاف الكرامة ونواب الكتلة الديمقراطية، على خلفية تصريحات اعتبرت مهينة للمرأة أدلى بها النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس الذي وصف الأمهات العازبات بالعاهرات خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2021.
من جانبه، علق الغنوشي على أحداث العنف داخل البرلمان بقوله: “نحن ندينُ العنف من حيث أتى وقد وعدتُ بالتحقيق في الأمر وستصدر الإدانة وسنحملُ كل طرفٍ مسؤوليته.. نُطمئنُ الشعب التونسي أن المجلس يقوم بواجبه وسيكون لهم ميزانية في آجالها المحددة دستوريا يوم 10ديسمبر 2020”.
واعتبر الغنوشي في حوار مع التلفزة الوطنية أن “القوى التي تدفع لحلّ البرلمان هي قوى فوضوية وأعداء للثورة تريد الانتقاص من منجزات تونس” على حد تعبيره.