عمرو قابيل في حوار خاص مع “هرمز نيوز”: المسرح محراب مقدس ومساحة للمقاومة

حاورته : سيلينا السعيد
في كل زمن ، يولد أولئك الذين لا يسيرون على الأرض بل يطيرون فوقها بخفة الحلم ، بخطى تشبه صدى القصائد في المسارح العتيقة. وفي زمننا هذا ، حين يُذكر المسرح العربي ، يتوهج اسم عمرو قابيل ، ليس كمخرجٍ فحسب ، بل كفنانٍ يرى في الخشبة محرابًا تتطهّر فيه الأرواح وتُولد القصص من رحم المعاناة.
ضيفنا اليوم هو رجلٌ لا يحده لقب ، ولا تختصره سيرة. هو نداءٌ داخلي ، كأنك تقرأ في حضرته بيت شعر لا ينتهي.
س: ما الذي يعنيه لك المسرح يا عمرو؟
ج: “المسرح هو الذي علّمني الحب ، علّمني الحق ، وعلّمني المقاومة… مقاومة القبح ، والظلم ، والحزن ، والموت. المسرح عندي طقسٌ مقدسٌ كالماء ، أُعمّد فيه الشباب الباحثين عن بصيص نور ، عن لحظة صدق في عالمٍ تآكلت فيه المعاني.”
س: أخبرني عن حلمك الأول ، من أين بدأ؟
ج: (يغمض عينيه وكأنه يعود إلى طفولته في حي شبرا) “كنت أحلم أنني واقف في شرفة بيتنا… وأطير. أمرّ فوق الحافلات ، فوق الناس ، وأشاهدهم من فوق … وما كنت أقع أبدًا. بيت طفولتي كان بيت حب… أمي وأبي وأخواتي. كنا نعيش وسط الموسيقى، والمسرح، والكتب، والتشجيع. لكن الغياب أتى مبكرًا. أمي، وفاء، رحلت وأنا في السادسة عشرة. لم أبكِ يوم دفنها، لكن في أول عيد خرجت فيه من المسجد ولم أجدها في الشرفة توزّع الحلوى كما كانت تفعل… بكيت. عرفت حينها أن الغياب أصبح حقيقة.”
س: كيف أثر هذا الغياب على شخصيتك ومسيرتك المسرحية؟
ج: “الغياب علّمني أن أعيش وكأنها ما زالت تُحضّر لي العيد. لم أغلق بابها يومًا. ظلّ اسمها يمشي بجانبي، في القصائد، في الحوارات، وفي عيني ابنتي التي سميتها على اسمها. حتى في المسرح، أبحث عن تلك الأمهات اللواتي يوزعن الحلوى بقلوبهن.”
س: ماذا عن الملتقى المسرحي؟ كيف بدأت الفكرة؟
ج: “لم يكن كافيًا أن أعيش المسرح… أردت أن أزرعه. أسّست ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي، وكتبت في كل دورةٍ سطرًا جديدًا في دفتر الحلم العربي. المسرح الجامعي عندي ثورة معرفية، وجدانية، جمالية، تبدأ من شاب خجولٍ خلف الكواليس… وتصل إلى وطنٍ يتنفس على الخشبة.”
س: كلماته ليست بيانات رسمية… بل صلوات. هو لا يكتب للمهرجان، بل يكتب للإنسان. حجر الياقوت… وصهيل الخيول… في كل تفاصيله، ثمّة صدق نادر. ما الحجر الكريم الذي يشبهك؟
ج: “الياقوت… قوي، نقي، وأصيل.”
س: والحيوان الأقرب إلى قلبك؟
ج: “الحصان… نبيل، عزيز النفس، ويموت من أجل صاحبه.”
س: الحب… كيف تعيشه؟
ج: “أنا إنسان ديمقراطي في الحب. أدعم شريكتي جدًا، لكن لا أجد نفسي بسهولة. ربما لأنني أقدّم مشاعر أكثر مما أتلقّى. أحب كالصوفي… بلا شروط.”
س: وأين تجد روحك؟
ج: “في القرآن، وخاصة سورة يوسف… أقرأها كل يوم. فيها الحلم، الغربة، الفتنة، الحنين، المغفرة، والانتصار النبيل… كلّها أنا.”
س: وأخيرًا، ماذا عن البحر؟
ج: “أخاف من البحر… لكنني أعشقه. أحب الجلوس أمامه، أسمع صوته، أكلمه… أحكي له عن أمي، عن المسرح، عن الليل، وعن القمر.”
س: وماذا عن مصر؟
ج: “أنا الوطن. مش الجدران… الروح. بحب مصر جدًا. مش بس عايز أروح العالم… عايز أرجّع العالم لمصر.”
في نهاية الحوار، يبقى عمرو قابيل طفلًا يطير في شرفة شبرا… رجلًا يبحث عن الحب في كل مسرح، وعن النقاء في كل قصيدة، وعن أمه في كل عيد.