حوارات

العميد منير شحادة لـ«هرمز نيوز»: طريق الشمال الروسي ورقة ضغط جيوسياسية أكثر منه تهديدًا لقناة السويس

كتبت : نداء حرب

Advertisement

يشهد النظام التجاري العالمي سباقًا محتدمًا للسيطرة على ممرات التجارة البحرية التي تُعد شرايين الاقتصاد الدولي. وبينما تواصل قناة السويس لعب دورها المحوري كأحد أهم المعابر بين الشرق والغرب، تبرز روسيا بمشروعها الطموح المعروف بـ«طريق الشمال البحري» كخيار استراتيجي بديل يعد بتقليص المسافات وتكاليف النقل عبر المحيط المتجمد الشمالي.

يمتد طريق الشمال البحري (Northern Sea Route) على طول الساحل الشمالي لروسيا، رابطًا بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، من بحر بارنتس قرب مورمانسك مرورًا ببحار كارا ولابتيف وسيبيريا الشرقي وتشوكتكا، وصولاً إلى مضيق بيرينغ الذي يفصل روسيا عن ألاسكا. ويبلغ طول الطريق نحو 5,600 كيلومتر، أي أقصر بحوالي 40% من طريق قناة السويس بين أوروبا وشرق آسيا.

Advertisement

تنافس يتجاوز الجغرافيا إلى النفوذ

لا يقتصر التنافس على الملاحة فحسب، بل يمتد إلى صراع نفوذ اقتصادي وجيوسياسي بين القوى الكبرى الساعية لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية في ظل التحولات المناخية وسباق السيطرة على طرق الطاقة والإمداد.

وفي حديثه لـ«هرمز نيوز»، يؤكد العميد اللبناني السابق منير شحادة أن ذوبان الجليد المتسارع في القطب الشمالي أعاد رسم خرائط المصالح الدولية، فاتحًا الباب أمام تنافس خفي بين قناة السويس وطريق الشمال الروسي.

ويضيف أن موسكو لا تسعى فقط لتأمين ممر تجاري بديل يختصر المسافات، بل إلى إعادة تموضع استراتيجي يمنحها نفوذًا أوسع في معادلة التجارة العالمية، خاصة في ظل العقوبات الغربية التي تضيق هامشها الاقتصادي.

ويتساءل شحادة: هل يشكل طريق الشمال تهديدًا فعليًا لقناة السويس أم أنه مجرد ورقة ضغط تستخدمها روسيا لتعزيز حضورها الجيوسياسي؟

بين الطموح الروسي والواقع القطبي

يواجه المشروع الروسي تحديات قاسية تتمثل في المناخ المتجمد والبنية التحتية المحدودة. فـ«المعادلة بين الطموح والواقع»، كما يصفها شحادة، ما زالت محفوفة بعدم اليقين، وقد تؤجل حلم موسكو في السيطرة على شريان التجارة القطبي.

ويضيف أن ذوبان الجليد لم يعد قضية بيئية بحتة، بل تحول إلى متغير جيوسياسي يعيد توزيع أوراق القوة في النظام التجاري العالمي. ففتح الممرات القطبية الجديدة يختصر المسافات بين آسيا وأوروبا بنحو 40% مقارنة بممر قناة السويس، ما يضع الأخيرة أمام تحدٍّ استراتيجي يتجاوز الجغرافيا إلى حسابات النفوذ والموارد.

مصر .. قراءة واعية في خريطة المنافسة

 

يرى شحادة أن مصر تدير المشهد بذكاء استراتيجي، إذ تدرك أن الرد على المنافسة الروسية لا يكون بالمواجهة، بل بتعزيز الكفاءة والخدمات البحرية.

فالقاهرة تمضي في خطط توسعة القناة وتطوير الموانئ وتأسيس شراكات لوجستية مع الهند والصين وأوروبا، لتحافظ على مكانة قناة السويس بوصفها الخيار الأكثر استقرارًا وأمانًا.

القوى الكبرى ومسرح القطب الشمالي

تحوّل القطب الشمالي إلى ساحة تنافس مفتوح بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

فالولايات المتحدة تسعى للحفاظ على مبدأ حرية الملاحة ومنع احتكار موسكو للممر، بينما تدفع الصين بمفهوم “طريق الحرير القطبي” لتعزيز نفوذها التجاري، فيما تحاول الدول الأوروبية الموازنة بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات البيئية.

ويقول شحادة إن «المشهد القطبي يعكس لحظة انتقالية في ميزان القوى العالمي، فكل قوة تحاول أن تضع بصمتها في الممرات الجديدة، لكن ما يحدد النجاح هو التحالفات لا الجغرافيا وحدها».

قيود الممر القطبي

رغم الطموح الروسي الكبير، يظل تشغيل الممر الشمالي طوال العام تحديًا صعبًا. فالتقلبات المناخية وارتفاع تكاليف التشغيل تجعل الطريق أكثر كلفة وتعقيدًا مقارنة بالممرات التقليدية.

ويؤكد شحادة أن «الرهان على الطريق القطبي سابق لأوانه، فالعوامل التقنية والبيئية تجعل استخدامه موسميًا ومشروطًا، ما يعني أن قناة السويس ستبقى في الصدارة طالما ظلت أكثر استقرارًا وأقل مخاطرة».

نحو خريطة تجارة مزدوجة

تشير المؤشرات إلى أن العالم يتجه نحو نموذج مزدوج تُستخدم فيه خطوط التجارة وفقًا لنوع البضائع وكلفة الزمن والمخاطر، مع احتمالات متزايدة للتعاون بدلاً من الصدام.

ويرى شحادة أن التكامل بين الممرين ممكن، من خلال مشاريع لوجستية تربط طريق الشمال بقناة السويس، مؤكدًا أن «المستقبل لن يُحسم بالفائز والخاسر، بل بقدرة كل طرف على تحويل موقعه الجغرافي إلى قيمة مضافة داخل منظومة النقل العالمية».

سباق التسليح القطبي

وفي موازاة سباق الممرات التجارية، يشير تقرير صادر عن مكتب الدراسات الاستراتيجية في مصر إلى أن ميزان القوة العسكرية في القطب الشمالي يميل لصالح روسيا، التي تمتلك أكبر شبكة قواعد عسكرية في المنطقة.

فرغم انشغالها بالحرب في أوكرانيا، واصلت موسكو تحديث مدارجها الجوية وتوسيع قدراتها القطبية، مدعومة بأسطول ضخم من كاسحات الجليد النووية التي تمنحها تفوقًا ميدانيًا واضحًا.

ويصف التقرير القطب الشمالي بأنه «العمق الاستراتيجي الشمالي لروسيا»، مشيرًا إلى أن أقصر مسافة لهجوم صاروخي روسي على الولايات المتحدة تمر عبر القطب، ما يضفي على المنطقة بعدًا ردعيًا نوويًا شديد الحساسية.

أما الصين، فقد أعلنت نفسها رسميًا «دولة قريبة من القطب الشمالي»، مطالبة بحقوق الملاحة والبحث والصيد في المنطقة، ما أثار شكوكًا استخباراتية متزايدة، خاصة بعد حادثة المنطاد التي رُصدت قرب جزيرة سانت ماثيو.

ورغم تحفظ موسكو التقليدي على الحضور الصيني في فضاء تعتبره حساسًا لأمنها القومي، فإن الحرب الأوكرانية دفعتها لتعميق التنسيق العسكري مع بكين، حيث أجرت السفن الروسية والصينية مناورات بحرية مشتركة قرب جزر ألوشيان في ألاسكا، ما استدعى تحذيرًا مباشرًا من خفر السواحل الأمريكي.

شحادة
العميد منير شحادة

العميد منير شحادة هو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، ومنسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية، ورئيس المحكمة العسكرية السابق.

ويُعد من أبرز المحللين العسكريين الذين يتناولون القضايا الجيوسياسية من منظور استراتيجي شامل يربط بين الأمن والاقتصاد والمناخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى