بقلم : د. زينب حسين البدر
يتجه العالم الآن نحو المصادر المستدامة للطاقة من أجل الحفاظ على البيئة خصوصا أن استخدام الوقود التقليدي يتسبب في إطلاق الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون مما يفاقم مشكلة الإحتباس الحراري ويتسبب في تغيير الأنظمة البيئية بل ويتعداها إلى تهديد الأمن الغذائي والصحة العامة.
أنشطة البشر المتنوعة في المجالات المتعددة خصوصا الأنشطة المتعلقة بالصناعة والنقل والتجارة ساهمت في التدهور البيئي بشكل ملحوظ مما يتطلب حلولا بيئية وإستراتيجيات جديدة للمساهمة في التقليل من الإنبعاثات الكربونية وخلق بيئة نظيفة.
ويعتبر الهيدروجين الأخضر حلاً واعداً لمستقبل نظيف؛ فهل يمكن أن يحقق الهيدروجين ذلك رغم التحديات التي تشمل التكلفة والتقنيات اللازمة لتصنيعه وتوفير البنية التحتية اللازمة لإستخدامه؟ في هذا المقال سنتناول بعضا من عيوب الوقود التقليدي وأفضلية الهيدروجين الأخضر كوقود رائد للمستقبل.
عيوب الوقود التقليدي :
الوقود التقليدي يشمل ثلاثة أنواع رئيسية وهي الفحم ، النفط ، والغاز الطبيعي ، والذي يتكون نتيجة تراكم بقايا الحيوانات والنباتات المتحللة عبر ملايين السنين. ورغم أن هذه المواد الكربونية الناتجة بفعل عوامل الضغط والحرارة يمكن توظيفها لإنتاج الطاقة إلا أنها تشكل خطراً بيئياً بسبب إنبعاثات الغازات الدفيئة عند إحتراقها.
بالإضافة إلى التلوث البيئي الناتج عن إستخدام الوقود التقليدي ، فهو يشكل خطرا صحيا على العمال حيث يتعرض الكثير من العمال للحوادث والأمراض عند إستخراج الفحم بما يعرف بعملية التعدين والتي تعتبر واحدة من أخطر الوظائف في العالم.
الخطر يكمن أيضا في إحتمالية حدوث حوادث كغرق ناقلات النفط وتسرب للنفط أثناء النقل إلى البيئة بما يحمله من مواد كيميائية ومسرطنة وضارة للبيئة والكائنات الحية.
مميزات الهيدروجين الأخضر :
يتفوق الهيدروجين الأخضر على الوقود التقليدي في عدة نواحي تشمل : الإستدامة البيئية وتوافر المصادر للهيدروجين حيث يمكن تحضيره من التحليل الكهربائي للماء ومن مصادر متجددة كالرياح والطاقة الشمسية وهذه العمليات تعتبر نظيفة كونها لا تطلق غازات ضارة بالبيئة على عكس الوقود الأحفوري.
وهذا يقودنا إلى النقطة التالية وهي أن استخدام الهيدروجين الأخضر يساهم في تحسين جودة الهواء حيث أن الناتج عن إحتراق الهيدروجين هو بخار الماء بينما تنتج غازات ضارة عند إحتراق الوقود الأحفوري كثاني أكسيد الكبريت مما يلوث الهواء ويتسبب في تغيرات مناخية ومشاكل صحية سيما على الأطفال.
مجالات استخدام الهيدروجين الأخضر :
يشهد تقدما تكنولوجيا ملحوظا لإنتاجه وبالتالي إمكانية توظيفه في مجالات متعددة بشكل تكاملي فعلى سبيل المثال يستخدم في مجال النقل كوقود للخلايا الوقودية في المركبات بدون إنبعاثات غازية ضارة.
بالإضافة إلى أنه يستخدم كمادة أولية لإنتاج بعض المواد الكيميائية بشكل أخضر ونظيف.
كما يتميز الهيدروجين بكفاءته العالية في تحويل الطاقة وبكفاءة أعلى من الوقود الأحفوري.
وأخيراً يتميز الهيدروجين بسهولة النقل والتخزين بالإضافة إلى أنه أكثر أمانا من الوقود الإحفوري بسبب طبيعة الهيدروجين الغير سامة. علاوة على ذلك يحتاج الهيدروجين كمية أكبر من الأكسجين للإنفجار بينما البنزين يحتاج نسبة ضئيلة مما يجعل الهيدروجين أكثر أمانا وأقل عرضة لحوادث الإنفجار.
أنواع الهيدروجين :
هناك عدة أنواع من الهيدروجين (طيف الألوان الهيدروجينية) التي تصنف إلى ألوان مختلفة إستنادا إلى طريقة تحضيرها بما تتضمنه من نوع الطاقة المستخدمة ، تكاليف الإنتاج ، والإنبعاثات الصادرة خلال عملية الإنتاج. تتراوح هذه الأنواع بين الهيدروجين الرمادي الذي يتم تحضيره من إعادة تشكيل غاز الميثان وهو السائد حاليا في الأسواق والهيدروجين الأخضر الذي يتم تصنيعه بواسطة عملية التحليل الكهربائي.
يعتبر الهيدروجين البني هو الأقل صديقا للبيئة من بين الأنواع الآخرى للهيدروجين بسبب كمية التلوث الصادرة خلال تحضيره حيث أنه يتم تحضيره من الفحم مع إطلاق حوالي 20 كيلوجرام من غاز ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو من الهيدروجين الناتج. ولا يقل الهيدروجين الرمادي سوءا عن الهيدروجين البني حيث أنه يصدر أيضا ثاني أكسيد الكربون خلال تحضيره بواسطة إعادة تشكيل غاز الميثان.
وفي نقلة تطورية يأتي الهيدروجين الأزرق الذي يتم تحضيره بطريقة مشابهة للهيدروجين الرمادي لكن مع إستخدام نظام يسمح بالإمساك بغاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه وإعادة إستخدامه مما يساهم في التقليل من الإنبعاثات الكربونية.
الهيدروجين الفيروزي (الإرتكواز) يستخدم أيضا الميثان لكن بتكسيره بعملية التحليل الحراري فينتج الكربون الصلب كناتج ثانوي والذي يمكن تخزينه بسهولة وتوظيفه في تطبيقات صناعية آخرى. لا يزال الهيدروجين الفيروزي قيد التطوير ولم يتم استخدامه بعد على نطاق صناعي واسع.
يعرف الهيدروجين الأخضر بالهيدروجين النظيف أو المتجدد حيث أنه يتم إنتاجه بواسطة التحليل الكهربائي للماء بإستخدام كهرباء ناتجة من مصادر متجددة كالشمس والرياح وبدون أية إنبعاثات لثاني أكسيد الكربون. نتيجة لهذه الإنبعاثات الصفرية فإن مستقبل الطاقة مستبشر بالهيدروجين الأخضر رغم إنتاجيته المنخفضة حاليا ، والتي تعزى لتكاليف إنتاجه بواسطة التحليل الكهربائي.
وهناك أنواع أخرى من الهيدروجين التي تستخدم أيضا عملية التحليل الكهربائي لكنها تستخدم الكهرباء الناتجة من مصادر آخرى مثل الهيدروجين الوردي الذي يستخدم الكهرباء الناتجة عن الطاقة النووية بدلا من الطاقة المتجددة.
الهيدروجين الأبيض هو الهيدروجين الذي يتشكل طبيعيا وجيولوجيا عن طريق التكسير ويتواجد تحت سطح الأرض. الهيدروجين الأبيض سيكون خيارا صديقا للبيئة في حال إمكانية الإستفاده منه ، لكن إلى الآن لا يوجد خططا واضحة لإستخراجه.
من خلال هذه الأنواع المذكورة ، يتصدر الهيدروجين الأخضر ليكون هو الصديق الأنظف للبيئة لكن هناك تحديات تعيق إجتياح الهيدروجين الأخضر للأسواق ومن الضروري الإلتفات لها من أجل تسريع التطور التكنولوجي في مجال الهيدروجين الأخضر.
تحديات إنتاج الهيدروجين الأخضر :
من هذه التحديات : تكلفة الإنتاجية العالية والحاجة للتطوير التكنولوجي مما يتطلب وقتا وجهدا بالإضافة إلى الحاجة للتطوير من سلامة التعامل مع الهيدروجين ، ورغم أنه أكثر أمانا من الوقود التقليدي كما ذكرنا سابقا إلا أنه غير منزه عن إمكانية الحوادث ولو بنسبة ضئيلة.
فبالتالي الوصول إلى طاقة نظيفة سيحتاج الجهد والتطوير المستمر لكنه ليس مستحيلاً في ظل الإنجازات الحالية والتوقعات المستقبلية التي تدعونا لتفائل.
بناءا على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذي تم إنشاءه عام 2019 فإن الهيدروجين يشهد زخما واسعا في مختلف الدول في العالم ويتربع المشاريع البارزة على المستوى السياسي والإقتصادي في العالم.
والمملكة العربية السعودية تتماشى جنبا إلى جنب وتدعم هذا التوجه نحو مستقبل نظيف ويتجلى ذلك في الجهود الجبارة لإنجاح المشاريع المتعلقة بالبيئة ومن هذه المشاريع مشروع نيوم الذي يهدف للإستدامة.
حيث أنه في عام 2020 أعلنت شركة نيوم عن شراكة إستراتيجية مع كلا من شركة “إيربروداكتس” و”أكواباور” لإنشاء أضخم مصنع في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر ويتوقع أنه بحلول عام 2025 سيكون جاهزاً لإنتاج حوالي 650 طن من الهيدروجين الخالي من الإنبعاثات الكربونية بشكل يومي.
وفي أوروبا تم إطلاق الإستراتيجية الأوروبية للهيدروجين والتي تهدف للتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر لتأسيس سوقا تجاريا للهيدروجين النظيف على مراحل إبتداءا من عام 2020 حتى تكتمل في عام 2050.
العديد من دول العالم مثل أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية والصين وأستراليا تستثمرفي الهيدروجين النظيف وفي تطويره لمستقبله الواعد في السوق العالمي.
ومن الدول الرائدة في مجال التصدير هي أستراليا وأمريكا والمغرب والنرويج. وهناك دول منتجة لكنها تعاني من نقص الموارد كالمياه العذبة مثل المملكة العربية السعودية والصين.
وهنا تبرز الضرورة والأهمية في تعاون الدول والحكومات مع بعضها البعض لإحداث نهضة عالمية في مجال الطاقة النظيفة. هناك إرتفاع متزايد في عدد الوظائف في مجال الطاقة الخضراء وفقا لدراسة جديدة أعدتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية. تحتل الصين المركز الأول من بين أعلى 5 دول في العالم من حيث التوظيف في مجال الطاقة الخضراء.
وتكمن سيطرة الهيدروجين في السوق العالمي في كونه متعدد الإستعمالات في عدة مجالات بالإضافة إلى طبيعته النظيفة. يدخل الهيدروجين في المجال الصناعي مثلا في إنتاج الأمونيا ، الميثانول والفولاذ ، في مجال النقل مثلا المركبات الكهربائية التي تعمل على خلايا الوقود الهيدروجينية ، في مجال المباني حيث يمكن إستخدام الهيدروجين في أنظمة التدفئة ، وفي مجال تخزين الطاقة المتجددة. هذه بعضا من الأمثلة التي من شأنها إبراز دور الهيدروجين في مختلف القطاعات.
من خلال ما ذكر سابقا يمكن التأكيد على أن الهيدروجين المتجدد لن يتوقف عند هذا الحد بل إن مستقبله واعدا وفي توسع مستمر في مجال الطاقة المتجددة والخالية من الإنبعاثات الكربونية.
ذكرت وكالة الطاقة الدولية بعضا من التوصيات التي ينبغي الإلتفات لها بغرض تحقيق التوسع في مجال الهيدروجين الأخضر. من هذه التوصيات التالي :
- هناك ضرورة لإدراج الهيدروجين في إستراتيجيات الحكومات في أهدافها الطويلة الأجل سيما في القطاعات الرئيسية كالتكريروالكيماويات والنقل الثقيل وتوليد الطاقة وتخزينها.
- ينبغي وضع سياسات داعمة لأسواق الهيدروجين المستدامة مما يحفز الطلب التجاري على الهيدروجين الأخضر.
- يعتبر الهيدروجين في بداية مسيرته مما يؤدي الإستثمار فيه إلى إحتمالية وجود مخاطر تجارية لذلك ينبغي معالجة هذه المخاطر وتوفير الضمانات اللازمة لتشجيع المستثمرين.
- البحث والتطوير المستمر في مجال الهيدروجين الأخضر أمر أساسي لتقليل التكاليف وزيادة الفعالية في إنتاج المحللات الكهربائية وخلايا الوقود.
- لابد من إزالة العراقيل التي تواجه المستثمرين وإعداد لوائح ومعايير واضحة فيما يخص المعدات والسلامة لإنجاح عملية الإنتاج بشكل سلس.
- هناك عدة جوانب يمكن التركيز عليها لزيادة التوسع الهيدروجيني وذلك يشمل إستغلال الموانئ الصناعية والبنية التحتية الحالية لإنتاج الهيدروجين النظيف ودعم المركبات التي تعمل بواسطة الخلايا الهيدروجينية بالإضافة إلى إنشاء طرق تجارية لبدأ التجارة العالمية للهيدروجين.
وبتطبيق هذه التوصيات بالإضافة إلى النظر لمزايا الهيدروجين وإستخداماته في المجالات المتعددة والبحث الجاد والمستمر للتغلب على تحديات إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع فإن الهيدروجين الأخضر سيحدث نهضة وسيكون هو الرائد في مجال الطاقة النظيفة.
الخاتمة :
الهيدروجين الأخضر يلعب دوراً مهما في مجال الطاقة المستدامة والخالية من الإنبعاثات الكربونية ، وذلك يعزى لطبيعة إحتراقه النظيفة وتعدد إستخداماته وتسارع التطور التكنولوجي في هذا المجال مما يدعو للتفائل.
وهناك تحديات تعرقل إنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات ضخمة للإستفادة منه في المجال الصناعي والتجاري كالتكلفة العالية للمحللات الكهربائية ونقص البنية التحتية.
لذلك مستقبل الهيدروجين في مجال الطاقة النظيفة يتوقف على الجهود والإستثمارات المستمرة من الحكومات والرائدين في مجال الصناعة والتجارة والعلماء المهتمين بالبيئة والتطوير.
هناك ضرورة ملحة لإحداث وعي عالمي بأهمية الهيدروجين الأخضر بالإضافة إلى ضرورة وضع إستراتيجيات تدعم أسواق الهيدروجين النظيف حيث أن بعض المستثمرين سيتردد خوفا من المخاطرة والمبادرة في هذا المجال.
ورغم هذه التحديات فإن الهيدروجين يعتبر مصدرا واعدا لطاقة نظيفة في العديد من المجالات مثل الصناعة والنقل وأجهزة التدفئة والتبريد.
العديد من الدول وضعت فعليا خططا مستقبلية للتوسيع في مجال إنتاجية الهيدروجين وقد ذكرنا بعض الأمثلة في هذا المقال.
هذه الدول تطمح لتحقيق مصدر طاقة متجدد ونظيف بفعالية عالية تسهم في تخفيض التكاليف.
د. زينب حسين البدر
قائمة المراجع :
1-Ali, S., Dogan, E., Chen, F., Khan, Z. International trade and environmental performance in top tenemitters countries: The role of eco-innovation and renewable energy consumption. Sustainable Development, 2021, 29(2), 378–387.
2-Marouani, I., Guesmi, T., Alshammari, B. M., Alqunun, K., Alzamil, A., Alturki, M., Hadj Abdallah, H. Integration of renewable-energy-based green hydrogen into the energy future. Processes, 2023,11(9), 2685.
3-Stewart, A. G. Mining is bad for health: A voyage of discovery. Environmental Geochemistry and Health, 2020, 42(4), 1153–1165.
4- Perera, F., Nadeau, K. Climate change, fossil-fuel pollution, and children’s health. New England Journal of Medicine, 2022, 386(24), 2303–2314.
5-Khandelwal, B., Karakurt, A., Sekaran, P. R., Sethi, V., Singh, R. Hydrogen powered aircraft: The future of air transport. Progress in Aerospace Sciences, 2013, 60, 45–59.
6-Arcos, J.M.M.; Santos, D.M.F. The Hydrogen Color Spectrum: Techno-Economic Analysis of the Available Technologies for Hydrogen Production. Gases, 2023, 3, 25–46.
7-The Future of Hydrogen – Analysis – IEA
8-Lebrouhi, B., Djoupo, J. J., Lamrani, B., Benabdelaziz, K., Kousksou, T. Global hydrogen development-A technological and geopolitical overview. International Journal of Hydrogen Energy, 2022, 47(11), 7016–7048.