القطاع الصحي في عُمان.. تطور شامل نحو نظام صحي مستدام يواكب رؤية 2040

كتب: سعيد الشعيلي
يُعد القطاع الصحي في سلطنة عُمان أحد أبرز القطاعات الحيوية التي شهدت تطوراً نوعياً ومرحلياً خلال العقود الماضية، حيث أولت الحكومة اهتماماً بالغاً بتعزيز منظومة الرعاية الصحية، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية عُمان 2040 الهادفة إلى إيجاد نظام صحي عادل، فعّال، ومستدام يُسهم في رفاه المجتمع وتحسين جودة الحياة.
منظومة صحية تتطور.. وبنية تحتية تتسع
ارتكزت الجهود خلال السنوات الأخيرة على رفع كفاءة النظام الصحي من خلال تطوير البنية الأساسية للمؤسسات الصحية، وتحديث التشريعات، وتبني التقنيات الرقمية وخدمات الرعاية الصحية عن بُعد. كما جرى الاستثمار في تأهيل الكوادر الوطنية في مختلف التخصصات الطبية والطبية المساعدة، إضافة إلى رفع جاهزية النظام في مجالات الترصد الوبائي والطوارئ الصحية.

وتعمل السلطنة على تعزيز الشراكات الحكومية والخاصة والمجتمعية، وتشجيع الاستثمار في القطاع الصحي، ودعم البحوث والابتكار وتوطين الصناعات الدوائية، بما يعكس التزاماً واضحاً ببناء منظومة صحية متكاملة تواكب أحدث المستجدات العالمية.
البرامج الاستراتيجية للقطاع الصحي في رؤية عُمان 2040
أولاً: التغطية الصحية الشاملة
تُعد التغطية الصحية الشاملة محوراً رئيسياً في تطوير القطاع الصحي، بهدف ضمان وصول جميع أفراد المجتمع إلى خدمات صحية عالية الجودة دون أعباء مالية مفرطة. ويرتكز البرنامج على تعزيز الرعاية الصحية الأولية وربطها بخدمات التخصصات المختلفة عبر نظام إحالة فعّال.

تطور المؤسسات الصحية
شهدت الفترة من 2024 إلى 2025 توسعاً ملحوظاً في المنشآت الصحية، شمل افتتاح عدد من المستشفيات والمراكز الجديدة، ومنها:
مستشفى المزيونة، ترقية مركز ثمريت الصحي إلى مستشفى محلي، مركز الإخصاب بمستشفى خولة، مراكز مرسودد وبلد سيت وسيح المعاشي والجرداء والفي، وحدات غسيل الكلى في محوت والمزيونة وصحم، افتتاح مستشفى مقشن 2025، مجمع مرتفعات العامرات الصحي، كما تم توسعة وتطوير 7 مستشفيات، ومجمع صحي واحد، ومركز للياقة، و19 مركزاً صحياً.

وتُقدم وزارة الصحة حالياً خدماتها عبر:
53 مستشفى – 24 مجمعاً صحياً – 193 مركزاً صحياً – 29 وحدة غسيل كلى – 13 وحدة لبنك الدم.
ثانياً: تطور الخدمات الصحية
سعت الوزارة إلى توسيع مظلة الخدمات التخصصية، لاسيما في المستشفيات المرجعية، وتوفير علاجات متقدمة، حيث تجاوز عدد زيارات العيادات الخارجية 15.6 مليون زيارة في عام 2024، وأكثر من 14.1 مليون زيارة من يناير حتى أكتوبر 2025.
وأظهر استطلاع المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2025 أن نسبة رضا المجتمع عن الخدمات الصحية الحكومية بلغت 81.8% بارتفاع 11.4% عن عام 2023.

عمليات وعلاجات تُنفّذ لأول مرة في السلطنة
شهدت المستشفيات المرجعية إجراء عمليات دقيقة ومتقدمة، منها:
استخدام تقنية روتو أبليتر في 8 عمليات معقدة لعلاج انسداد الشرايين التاجية، جراحات قلب دون فتح القفص الصدري بالمركز الوطني للقلب، استئصال المرارة بالمنظار لمريض مصاب بدودة الكبد، علاج طفلة بمتلازمة داون بدواء Romiplostim، استئصال ورم نادر وضخم من تجويف البطن بالمستشفى السلطاني متبوعاً بعلاج كيميائي حراري.
زراعة الأعضاء
حققت السلطنة تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، إذ بلغ عدد الراغبين في التبرع بالأعضاء عبر تطبيق “الشفاء” أكثر من 25 ألف شخص حتى نوفمبر 2025.
كما نجح المستشفى السلطاني خلال 2024 في إجراء:
40 زراعة كلى – 9 زراعة كبد – 63 زراعة قرنية.

الرعاية الصحية للأطفال
حظيت صحة الأطفال بأولوية وطنية، بفضل تعزيز برامج التحصين، والفحص المبكر لـ 26 مرضاً وراثياً، وتحسين خدمات المواليد. وانخفض معدل وفيات الأطفال أقل من سنة إلى 8 لكل ألف، وأقل من خمس سنوات إلى 9.9 لكل ألف في 2024.
خدمات النساء والولادة
شهد هذا القطاع إدخال تحسينات كبيرة، أبرزها:
تفعيل فحوص ما قبل الزواج
إطلاق البرنامج التدريبي لطب طوارئ التوليد لأول مرة في السلطنة عام 2024
تعزيز قدرات الكوادر الطبية في التعامل مع حالات الحمل والولادة الطارئة

تقليص فترات الانتظار
عملت الوزارة على تطوير نظام “الشفاء” والتحويلات الطبية، والتوسع في أوقات العمل، ما أدى إلى خفض متوسط انتظار المواعيد الجديدة في العيادات المرجعية إلى 4.5 أسبوع فقط.
مبادرات مجتمعية
من أهم المبادرات المشتركة:
إنشاء ممشى فلج السديرين وواد الصحي
حصول البريمي وصحار والمضيبي على الاعتراف الدولي “مدن صحية”
مشروع الترصد الحشري عبر مصائد ذكية مرتبطة بنظام إلكتروني

ثانياً: حوكمة وإعادة هيكلة قطاع الصحة
هيكلة القطاع
شهد عام 2024 صدور المرسوم السلطاني رقم 10/2024 المعني باعتماد الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة بثلاث وكالات رئيسة:
للتخطيط والتنظيم الصحي، للشؤون الصحية، للشؤون الإدارية والمالية.
السياسة الصحية الوطنية
أُطلقت في أبريل 2025، لتكون إطاراً شاملاً يقوم على مبدأ:
“الصحة للجميع وبالجميع”، والاعتماد على الشراكة المجتمعية والقطاعات المختلفة.
السياسة الوطنية لحوكمة وإدارة المعلومات الصحية
توفر إطاراً رسمياً لإدارة البيانات الصحية على مستوى القطاعين العام والخاص، بما يدعم جودة الخدمات والتخطيط والابتكار.

تعزيز اللامركزية
بدأت السلطنة تطبيق اللامركزية منذ 1990، وتعمل اليوم على توسيعها عبر:
تحديد أدوار المحافظات
تعزيز الخدمات التخصصية في المستشفيات المرجعية
تطوير الكوادر
نقل العمليات الدقيقة إلى المحافظات عبر مشروع “الطبيب الزائر”
تقليل عناء السفر وتخفيف قوائم الانتظار
تعزيز الخدمات التخصصية في المحافظات

من أبرز الإضافات:
وحدات الألم
عيادات هشاشة العظام والرئة والوراثة
عيادات قدم السكري
وحدات المناظير
خدمات الصحة النفسية
خدمات الإبر الجافة
خدمات غسيل الكلى للمرضى المنومين
خدمات دعم ذوي الإعاقة
نظام الجودة والاعتماد الصحي

في نوفمبر 2024 تم إشهار نظام الاعتماد العماني، الحاصل على اعتراف دولي من الإسكوا بنسبة نجاح 92%، بهدف:
تحسين جودة الخدمات
تعزيز سلامة المرضى
تقليل الأخطاء الطبية
تطوير تجربة المرضى
رفع كفاءة العاملين الصحيين
ثالثاً: التخطيط والتمويل لتعزيز الاستدامة
تقييم النظام الصحي
أجرت الوزارة في 2024 تقييماً شاملاً لأداء النظام الصحي لتحديد مكامن القوة وفرص التطوير، بما يشمل تقييم القطاع الصحي الخاص، على أن تُستخدم نتائجه في إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة 2026–2030.

الخطة الخمسية 2026–2030
يجري إعدادها منذ 2024، مع اعتماد أهدافها الرئيسية في 2025، لتكون امتداداً لخطط التنمية الصحية التي أسهمت في توسع الخدمات وتحسن المؤشرات الصحية خلال العقود الماضية.
رفع كفاءة الإنفاق
اتبعت الوزارة سياسات فعّالة لتعزيز الكفاءة، أبرزها:
خفض النفايات الطبية بنسبة 9% وتوفير 1.3 مليون ريال في جنوب الباطنة
تنفيذ 62 مشروعاً ضمن برنامج لين 6 سيجما لتحسين الإنتاجية
التوسع في عمليات “اليوم الواحد” لتقليل فترات التنويم والتكاليف



