تحديات المصرف المركزي السوري في المرحلة المقبلة: بين أزمة السيولة والآمال الاقتصادية
هرمز نيوز: سياسة
خلّف النظام السوري المخلوع تركة اقتصادية ثقيلة على الحكومات التي ستتولى إدارة الدولة في المرحلة المقبلة، وهو ما يزيد من تعقيد مهمة حكومة تصريف الأعمال الجديدة برئاسة محمد البشير التي تم تشكيلها مؤخراً. ويبرز المصرف المركزي السوري كأحد العوامل الرئيسية التي ستحكم مستقبل الاقتصاد في المرحلة القادمة، حيث يمتلك دورًا محوريًا في استقرار العملة الوطنية وتنظيم السياسات النقدية.
المصرف المركزي السوري: بين الأزمات الحالية والطموحات المستقبلية
بحسب تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد البشير، كشف عن الوضع المالي الحرج الذي يعاني منه المصرف المركزي، حيث أوضح أن خزائن المصرف لا تحتوي إلا على أوراق نقدية بالليرة السورية مع نقص كبير في السيولة بالعملات الأجنبية. كما أشار إلى أن الحكومة ما تزال تعمل على جمع البيانات المتعلقة بالقروض والسندات المستحقة. وأضاف البشير بأن الوضع المالي للبلاد “بالغ السوء”، وهو ما يطرح العديد من التحديات أمام الحكومة القادمة.
احتياطات المصرف المركزي السوري وتداعيات الأزمة
في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي شهدتها البلاد، تعرض المصرف المركزي لعدة عمليات سرقة من قبل مدنيين مجهولين، ما أثر بشكل كبير على الثقة في النظام المالي. من جانبه، أكد أيمن عبد النور، الخبير الاقتصادي والمعارض السوري، أن سرقة المصرف لم تتجاوز قيمتها 800 ألف دولار بالليرة السورية، وهو ما يعكس ضعف الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد.
الوضع الاقتصادي في عهد بشار الأسد
تدهور الاقتصاد السوري خلال فترة حكم بشار الأسد، حيث عاش 90% من السوريين في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر منذ عام 2021، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة. ووصف العديد من الخبراء هذا الاقتصاد بالاحتكاري، إذ كان موجهًا نحو نخبة صغيرة من الأفراد، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين الفئات الاجتماعية. وقال فراس شعبو، أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب، إن “النظام السابق لم يتبع سياسات نقدية ومالية واضحة”، مشيرًا إلى أن المصرف المركزي كان في حالة “موت سريري” خلال سنوات حكم الأسد، ولم يلعب دورًا مؤثرًا في إدارة الاقتصاد.
التحديات الاقتصادية في العهد الجديد
تواجه الحكومة الجديدة العديد من التحديات الاقتصادية الكبيرة، أبرزها إعادة بناء الثقة في المصرف المركزي والاقتصاد السوري بشكل عام. يشير الخبراء إلى ضرورة إعادة هيبة الدولة من خلال تقوية الاحتياطيات المالية، والعودة إلى استخدام الأدوات المالية التي كان النظام السابق يتجاهلها مثل سندات الخزانة. كما يجب العمل على تحديد علاقة المصرف المركزي مع المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
يقول عبد النور: “على المصرف المركزي أن يعود إلى دوره الطبيعي في التحكم بالسياسة النقدية، من خلال أدوات مثل معدلات الفائدة وسندات الخزانة”. ويوافقه شعبو الرأي، حيث أكد ضرورة “إعادة الثقة بمؤسسات الدولة” و”إعادة هيبة الدولة ماليًا” لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في المستقبل.
التوجه نحو اقتصاد حر: تحديات وآمال
أكد مسؤولون في الحكومة السورية المؤقتة في لقاء مع غرفة التجارة بدمشق أن الاقتصاد في المرحلة المقبلة سيكون تنافسيًا حرًا، مما قد يسهم في تعزيز التجارة وخفض الأسعار. ومع ذلك، حذر الخبراء من أن هذا التوجه قد يضغط على النقد الأجنبي المتاح، ما قد يؤدي إلى تدهور إضافي في قيمة الليرة السورية إذا لم يتم تبني سياسات نقدية ومالية فعّالة.
وأوضح فراس شعبو أن “سوريا بحاجة إلى استقرار سياسي، وفي ظل تحرير آليات السوق بشكل تام وضمان الملكية الخاصة، قد يعود المستثمرون إلى البلاد”. ومع ذلك، أشار إلى ضرورة وضع ضوابط صارمة لمنع الاستغلال والتلاعب بالأسواق، خاصة في ظل غياب الرقابة الحكومية الفعالة في السنوات الماضية.
دور المصرف المركزي في دعم استقرار الليرة السورية
تواجه سوريا تحديات كبيرة في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية وسط الأزمة المالية الراهنة. وقد أشار الخبراء إلى أن المصرف المركزي يحتاج إلى تكثيف جهود ضبط استخدام العملات الأجنبية، وتعزيز الاحتياطيات النقدية لمواجهة التقلبات المحتملة في الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المصرف العمل على تفعيل الأدوات المالية التي كانت غائبة في السنوات الماضية، مثل بيع وشراء السندات، وتحديد معدلات الفائدة بشكل دقيق.
رواتب الموظفين في القطاع العام: تحديات الأجور في ظل الأزمة
فيما يتعلق برواتب موظفي القطاع العام، أكد رئيس الحكومة محمد البشير أن “لا خوف على رواتب الموظفين”، مع دراسة لزيادة الرواتب لتتلاءم مع التحديات المعيشية. ومع ذلك، يرى الخبراء الاقتصاديون أن زيادة الرواتب بنسب تتراوح بين 3 و4 أضعاف قد لا تكون كافية لمواجهة التحديات المعيشية الكبيرة التي يعاني منها المواطن السوري.
الخلاصة: مستقبل الاقتصاد السوري
تواجه سوريا مرحلة حساسة من الناحية الاقتصادية، تتطلب اتخاذ سياسات نقدية ومالية واضحة. المصرف المركزي أمامه تحديات كبيرة تتمثل في استعادة الثقة المالية، تعزيز احتياطياته، وتفعيل أدواته الاقتصادية لضبط السوق. في الوقت نفسه، إن تحرير السوق مع وضع ضوابط صارمة سيكون خطوة نحو بناء اقتصاد أكثر استدامة. ولكن يبقى الاستقرار السياسي جزءًا أساسيًا من معادلة النجاح، مما يتطلب قوانين وتشريعات جديدة لتنظيم السوق واستقطاب الاستثمارات.