هل تُضمد اليمن جراحها .. ويجد اليمنيون دولتهم
بقلم : وافي الجرادي
موقع اليمن الاستراتيجي جعله ساحة صراع محلي وإقليمي ودولي ، وخاصة وأن الموقع يطل على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر المائية في العالم باعتباره عنق الزجاجة بالنسبة للبحر الأحمر ، والذي يتحكم بطرق التجاره بين الشرق والغرب ، وتمر عبره قرابة 56 ألف سفينة سنوياً أي مانسبته 10% من حجم التجارة العالمية.
ومنذ عقود زمنية طويلة واليمن محل أطماع قوى وإمبراطوريات إستعمارية ، ولازال حتى اللحظة ، الأمر الذي جعل منه أن يُعد من أكثر البلدان معاناة واضطراباً ، ودفعت بنيته التحتية وأجياله مالا يخفى على أحد ، ولازالت كلفة صراعات ومخططات قوى النفوذ والهيمنة مستمرة ، وأُهدرت موارده الضخمة ، وبإسهام مباشر أو غير مباشر من أنظمة وقوى سياسية فاسدة متعاقبة غلبت مصالح القوى الدولية على مصالح الشعب اليمني التوّاق لدولة آمنة ومزدهرة تحقق له العيش الكريم.
إن سباق القوى الدولية ووكلائها الاقليميين للسيطرة والنفوذ على اليمن ، يأتي من بوابة أن من يتحكم ويهيمن على اليمن يصبح لاعباً مهماً وأساسياً في المنطقة ، ويعطية القدرة على التحكم بمضيق باب المندب أحد أبرز ممرات التجارة في العالم ، كما وأن بعض القوى تسعى من خلال النفوذ والسيطرة للحيلولة دون استفادة اليمنيين من مواردهم وثرواتهم النفطية والغازية ، وعدم استغلال موقعهم الجغرافي المتميز في ايجاد بيئة اقتصادية صناعية وتجارية ومحطة امداد لوجستي اقليمية ودولية.
إضافة إلى ذلك فإن موقع اليمن يؤهله للقيام بدور عقدة المواصلات البحرية والجوية بين قارات العالم الثلاث آسيا وافريقيا وأوربا ، في حال تم استغلال ميناء عدن وتمكينه من لعب دور حيوي ولوجستي في التجاره العالمية ، لبات واحداً من أهم الموانئ العالمية تنافساً ، وإن عدنا للماضي القريب ، وتحديداً لعقد السبعينات فقد كان ميناء عدن من أهم وأبرز الموانئ في العالم ، لكن وبمرور الوقت وتداخل المصالح ورغبة بعض القوى الاقليمية والدولية في عدم استفادة اليمنيين من مواردهم وموقعهم ، أعاقوا استغلال ذلك نظراً لفساد الأنظمة الحاكمة وتباطؤها ، والأهم من ذلك لو سخرت الجهود لعمل منطقة اقتصادية حرة الى جانبة ، لبات اليمن محطة تجارية وصناعية ولوجستية لقارات العالم ، ولجنى ما يقارب من 80 مليار دولار فقط من ميناء عدن ومن المنطقة الاقتصادية الحرة قرابة 30-80 مليار دولار.
وبحسب رواية ” وليام إنجدل” المحرر في موقع ” جلوبال رسيرش ” الأمريكي يملك اليمن نفط يغطي احتياجات العالم لخمسين سنة مقبلة ، وقد ذكر في روايته أن اليمن واحدة من أهم احتياطيات النفط الغير مستغلة في العالم ، مبيناً أن الجوف اليمنية والواقعة على الحدود الشمالية بين اليمن والسعودية يوجد فيها مخزون نفطي قادر على إنتاج مليوني برميل نفط يومياً ، وإذا صدقت روايته تكون اليمن أحد أبرز المنتجين للنفط في المنطقة.
ولاشك أن قطاع النفط وما تنعم به اليمن من ثروة في هذا القطاع الحيوي وفي محافظات شبوة والجوف وحضرموت ومأرب ، شكّل هاجساً لدى القوى الدولية للهيمنة والنفوذ ، نظراً لما يمثله من أهمية اقتصادية واعدة ، ورافداً من روافد المالية العامة ، لكن الحكومات المتعاقبة لم تستغله بالشكل المطلوب ، بل ومنعت من التوجة صوب تنفيذ الخطط المعده في هذا الجانب ، بل وحالت دول أخرى أي جهود ومساعي للاستفادة من قطاع النفط وانتاجه وتصديره ، وساهمت في تمويل مجموعات مسلحه لاستهداف أنابيب النفط ، والعمل على ايجاد بيئة غير مستقرة وأمنه تعيق اي محاولات للتنقيب والاستكشاف.
حيث تُقدّر احتياطيات النفط ، وفقاً لمصادر رسمية ، بـ11.950 مليار برميل، المعروف منها والمثبت بحدود 3 مليار برميل ، لأن الجزء الأكبر من الصخور التي تتكوَّن منها أرض اليمن والجزيرة العربية هي صخور ذات خواص وتراكيب وأعمار جيولوجية مُلائمة لتوليد النفط وتخزينه وحفظه ، بحسب الأبحاث والدراسات الجيولوجية.
لهذا نستطيع القول في حال وجد اليمنيون دولتهم ، واسُتغلت كل الفرص في قطاع النفط ، ووفق اتفاقيات وعقود شفّافة ونزيهة ، بكل تأكيد فإن عائدات هذا القطاع الواعد والمهم كافية لرفد خزينة الدولة ، وتمويل مشاريع اقتصادية وتنموية تحقق لليمن والمجتمع ازدهاراً ونماء.
كما تُقدر احتياطيات الغاز ب 9.15 ترليون قدم مربعة ، إلا أنه ونتيجة لابرام اتفاقيات مجحفة مع شركة توتال الفرنسية وممارستها لفساد منظم في القطاع وبتواطؤ مسؤولين محليين ، حصدت الثمن الأعلى من مبيعات الغاز فخلال فترة عملها في اليمن ومنذ 86-2015 جنت توتال الفرنسية ما يقارب من 30 مليار دولار.
فوفقاً لتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة فإن عائدات الحكومة اليمنية 787 مليون دولار من أصل 9.4 مليار دولار خلال الفتره 2009-2013 ، وهو مايعني مدى الفساد المهول والغير مبرر التي تنفذه شركة توتال وهنت الأمريكية بحق مورد اقتصادي هام لليمن ، وأن الضرورة تدعو وبشكل عاجل لمراجعة كل الاتفاقيات المبرمة مع شركة توتال الفرنسية وبشكل يجعل من موارد النفط والغاز تعود بالنفع على البلد بدلاً من اهدارها وجني الشركات الأجنبية لعائداتها الضخمة والتي تتجاوز 90% من اجمالي المبيعات.
كما وأن اليمن بمساحاتها الشاسعة على سبيل المثال لا الحصر منطقة تهامة في محافظة الحديدة ، وأبين وحضرموت وصعدة وذمار وإب قابلة لأن يتم استغلالها زراعياً وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضار والفواكة ومن محصول القمح ، إن فُعّلت جهود التنمية الزراعية ، وتوسعت اهتمامات المعنيين بدعم المُزارع وامداده بالمدخلات الانتاجية ، الى جانب تعزيز ثقافة الانتاج في أوساط المجتمع وتسخير كل الجهود والامكانات لتنامي دور وعمل الجمعيات التعاونية الزراعية واستغلال موارد المياة الاستغلال الأمثل ودون هدرها في التوسع بزراعة شجرة القات.
أما عن الثروة السمكية فهي واحدة من ضمن ثروات وروافد اقتصادية ومالية مهملة فبرغم السواحل والشواطئ الممتدة ولقرابة 2400كم الى جانب وجود 350 جزيرة ووجود مايزيد عن 400 صنف من الأسماك ، والأحياء البحرية النادرة إلا أن اليمن لم يستغل هذه الثروة مع الأسف ، وأُهدرت لحساب الشركات العابرة للقارات تُمارس الاصطياد في المياة البحرية اليمنية ، وأي توجه للعناية والاهتمام بهذه الثروة وتطوير القطاع السمكي بالشكل المطلوب ، حينها ستُشكل اليمن مصدراً مهماً للاسماك للدول الاقليمية والدولية.
وتُعد الثروة البشرية في اليمن بمثابة مخزن بشري هائل له من قدراته وطاقاته ما يتجاوز كل الصعاب والمحن ، فاليمن وعبر تاريخه من أكثر الاقطار العربية تصديراً لأبنائه ، لطلب العلم والمعرفة في كل بقاع الارض ، وايجاد موطن آمن ومستقر سيضمن عودة كل الخبرات والمهارات اليمنية والتي تستفيد منها دول المهجر ، وتُسهم في تحقيق نموها وتطورها في بلد لم تستغل مواردها الطبيعية فقط ، بل ايضاً كادرها البشري المؤهل والمتمكن ، وفي شتى الجوانب ، وللأسف فقد بات الكادر البشري يرى في الوطن مجرد كابوس ، وغير قابل للعيش في ظل ضياع فرص العمل وانعدام الوظائف ، وتردئ بيئة الأعمال وتفاقم الفقر مما يضطر هؤلاء للهجرة بحثاً عن الرزق الذي يضمن إعالة أنفسهم وأسرهم.
ولطالما سعت القوى الدولية العظمى لاستدامة الصراعات والأزمات في اليمن ، وإن قدمت مبادرات ووساطات لإنهاء الخلافات والحروب ، إلا أنها وعبر حلفاءها وتابعيها في الداخل تخوض سياسة استدامة الأزمات ، وبشكل يجعل من اليمن مضطرباً وهشاً ، وما الحرب المستمرة ولسبع سنوات الا واحدة من مخططات هذه القوى الرامية لانهاك اليمنيين ، والسيطرة على ثرواتهم ، وإن كان الصراع في اليمن بالوكالة الا أن هذه القوى عمدت على اطالة الحرب من خلال عدم السماح لأي طرف بحسم المعركة وما مسلسل وقف المعارك والهدن إلا سياسة ذات طابع مستدام للأزمة ومحاولة لفرض واقع يُبرر لتقسيم اليمن الى دولتين.
في النهاية اليمن بحاجة عاجلة الى وقف الحرب والعمل على ايجاد نظام سياسي شامل يجمع كل القوى اليمنية ودون استثناء ، ولأجل التنمية والإزدهار لابد وأن يتمتع هذا النظام السياسي بإصلاحات سياسية تنتهج الحكم الرشيد والنزاهة والشفافية ، ومكافحة كل صور الفساد ، وبما يضمن الأولوية القصوى لعهد تنموي مزدهر ، نحن بحاجة الى نظام سياسي تتلاشى فيه كل صور المحسوبية والحزبية واحتكار السلطة والوظيفة ، نظام يعمل لأجل ازدهار وتطور بلده لا لأجل تمرير مخططات وسياسات قوى تآمرية خارجية ، ولا ننسى أن على عاتق المجتمع الدولي مهام دعم واسناد اي نظام سياسي بعد الحرب وأن تُتاح له كل الفرص والامكانات التي تُمكنّه من العمل على برامج اصلاح مؤسسي وتنموي راسخ.
يجب أن يكون هناك توازن لمصالح اليمن ، مع أي مصالح لدول الجوار ومع الشراكة مع الدول الأخرى وبشكل لا يمس من سيادة وأمن واستقرار اليمن.
كما ويجب أن يتم الانفتاح على الغير ، ومن منطلق رؤي اقتصادية وطنية تحقق الشراكة مع الدول الاقليمية والدولية ، والتسويق للفرص الاستثمارية الهائلة في قطاعات الثروة السمكية والزراعية والسياحية والملاحية.