آراء

“نولد بشجاعة”: كازاخستان ترسم ملامح جديدة لحضورها العالمي

بقلم: د. محمد سعد

Advertisement

في عالم يتسارع فيه تغيُّر موازين القوى وتتبدل فيه مفاهيم النفوذ والنجاح، تبرز كازاخستان كلاعب صاعد يعيد رسم ملامحه على الخارطة الدولية، ليس فقط من خلال مواردها أو موقعها الجغرافي، بل عبر رؤية متكاملة تتبنى الإنسان في جوهرها وتراهن على الشجاعة في مقاربة المستقبل.

من هذا الأفق، انطلقت الحملة الدولية الجديدة “نولد بشجاعة” (Born Bold)، لتكون أكثر من مجرد شعار دعائي، بل مرآة لهوية وطنية تتشكّل من جديد، ورسالة إلى العالم بأن كازاخستان تسير بخطى واثقة نحو المستقبل، متكئة على إرثها العميق، وطموحها اللا محدود.

Advertisement

نولد بشجاعة”: سردية وطنية جديدة

ليست الحملة مجرد أداة إعلامية، بل انعكاس لتحوّل استراتيجي في نظرة كازاخستان لذاتها وموقعها في العالم. إنها قصة أمة تنبعث من قلب السهوب الآسيوية، تعيد تعريف نفسها بجرأة، وتخاطب العالم من منطلق الثقة بقدرات أبنائها وتاريخها العريق.

في صلب هذه الحملة، يظهر الإنسان الكازاخي—الشاب المتعلم، المرتبط بالعالم الرقمي، المنفتح على المستقبل—بوصفه الواجهة الحقيقية للبلاد. تقول كازاخستان عبر حملتها: “نحن لا نخاف أن نحلم، ولا نتردد في أن نحققه”.

رؤية من الأعلى: القيادة ترسم الطريق

تجسّد الحملة ملامح رؤية الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الذي يضع المواطن الكازاخي في مركز مشروع التحديث. بالنسبة له، فإن الجرأة ليست ترفًا، بل جوهر متأصل في الشخصية الكازاخية، استمدته من عصور الترحال والتحدي. ومن هذا الإرث، تستمد الدولة مشروعها للتحوّل والانفتاح على العالم، دون التنازل عن جذورها.

الاقتصاد: نحو نموذج جديد للنمو

رغم تمتع كازاخستان بأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، إلا أن تركيزها الجديد يتمحور حول الابتكار والتكنولوجيا والاستدامة. تسعى الدولة إلى مضاعفة ناتجها المحلي ليبلغ 450 مليار دولار خلال أقل من خمس سنوات، مستندة إلى قطاعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الأخضر، والتحول الرقمي.

الطاقة الخضراء: مستقبل كازاخستان المستدام

لم تعد كازاخستان تُعرف فقط كدولة نفط وغاز، بل تتقدم بثبات لتكون رائدة في الاقتصاد الأخضر. بفضل مواردها الطبيعية، ومساحتها الواسعة، وأكبر احتياطي لليورانيوم في العالم، باتت الدولة مرشحة لتصبح محورًا للطاقة النظيفة في أوراسيا.

مشاركتها الفاعلة في مؤتمر COP28 تؤكد التزامها بتحقيق الحياد الكربوني وتأسيس مؤسسات إقليمية تُعنى بالمناخ والطاقة المستدامة.

بوابة بين الشرق والغرب: ممرات استراتيجية للتجارة

بموقعها الجغرافي الفريد، تستثمر كازاخستان في تطوير شبكة متقدمة من الممرات اللوجستية، أبرزها “الممر الأوسط” الذي يعبر بحر قزوين، ويربط الصين بأوروبا. من خلال هذه المبادرات، تسعى الدولة لتكون مركزًا فاعلًا في التجارة العالمية، لا مجرد بلد عبور.

مناخ استثماري منافس ومؤسسات عصرية

تأسيس مركز AIFC المالي بقوانين مستمدة من النظام البريطاني، يجسّد طموح كازاخستان في جذب الاستثمارات الدولية. وتسعى الدولة لاستقطاب 150 مليار دولار إضافية من الاستثمارات المباشرة، عبر تعزيز الشفافية، وتحسين مناخ الأعمال.

الأمن الغذائي والمائي: من التحدي إلى الريادة

في ظل تحديات مناخية متزايدة، تضطلع كازاخستان بدور ريادي في قضايا الأمن المائي والغذائي في آسيا الوسطى. من خلال تنظيم قمة دولية حول المياه، وإطلاق مبادرات زراعية حديثة، تسعى الدولة لتكون قوة إقليمية في تصدير الحبوب وضمان الاستدامة الغذائية.

التحول الرقمي: كازاخستان منصة ابتكار إقليمية

الرقمنة تمثل حجر الزاوية في مشروع كازاخستان المستقبلي. الدولة تخطط لخلق عشرات الآلاف من الوظائف الرقمية، وتطوير بيئة تشريعية داعمة للذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية، مما يجعلها مركز جذب للشركات الناشئة والشراكات العالمية.

دبلوماسية متزنة وحضور عالمي فاعل

تتبنى كازاخستان سياسة خارجية مرنة تجمع بين البراغماتية والتوازن، مما منحها دورًا مؤثرًا في ملفات دولية معقدة، من القوقاز إلى الشرق الأوسط. وقد عكست رئاستها لست منظمات دولية في عام واحد حجم التقدير الدولي المتزايد لها.

نموذج في التعددية الثقافية والهوية الجامعة

تُجسد كازاخستان مثالًا حيًا على التعايش بين أكثر من 130 مجموعة إثنية في مناخ من المواطنة الجامعة والاحترام المتبادل، ما يعزز مكانتها كقوة ناعمة عالمية.

إصلاحات سياسية ومشهد دستوري جديد

شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الإصلاحات السياسية، شملت تأسيس محكمة دستورية، وتوسيع صلاحيات البرلمان، وتعزيز الحريات المدنية. هذه الإصلاحات جاءت في إطار شراكة مع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لتكريس دولة القانون.

الرياضة والثقافة: بوابات جديدة نحو العالم

تمثل الثقافة والرياضة أدوات فعالة في دبلوماسية كازاخستان الناعمة. من خلال استضافة الفعاليات الكبرى، وتطوير البنية السياحية والرياضية، تسعى الدولة لترسيخ صورتها كوجهة حضارية تعرف العالم على روحها وتاريخها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى