GreatOffer
آراء

نماذج من المديرين

بقلم : د. صالح الفهدي

Advertisement GreatOffer

من الأُمور التي قلَّما يلتفتُ إليها صنَّاع القرارِ في أيَّةِ وحدةٍ عندما يعيِّنون مديراً يحسبونهُ قادراً على القيامِ بمسؤولياته ، وقد يكونُ ظنَّهم صحيحاً من الناحيةِ الإِداريةِ ، لكن من الناحية العملية فهو لا يمتلك المهارات اللازمة لدفعِ العمل ، بمعنى مبسَّط؛ أنَّه قد يستطيع صُنع العربة لكنَّهُ لا يعرفُ من أيَنَ يأتي بالأحصنة لتجرَّ العربة ، وإن أتى بها فهو لا يعرفُ كيف يَعْقِدُ وثاقَها بالعربة ، وإن عقد وثقاقها فهو لا يدري إلى أينَ سيكون اتجاه العربة!.

هنا أستذكر الموقف الذي تحدَّث عنه ستيف جوبز في شركة آبل وذلك في مقابلةٍ أُجريت معه منتصف الثمانينات من القرن العشرين حينما قرروا توظيف ما أسموه «الإدارة المهنية» ، أو الأشخاص الذين يعرفون كيفية إدارة الأشخاص ، لكنَّ توجُّههم جاء بنتائج عكسية سريعة ، يقول ستيف جوبز: «لم ينجح الأمر على الإطلاق». «معظمهم كانوا من البوزو (أي الحمقى) ، لقد عرفوا كيف يديرون الأمور ، لكنهم لم يعرفوا كيف يفعلون أيَّ شيء”، ويضيف جوبز: «إنَّ الأشخاص الذين لم يتوقعوا أن يصبحوا قادة ، انتهى بهم الأمر إلى أن يصبحوا أفضل المديرين على المدى الطويل؛ وذلك لأنهم يمتلكون مجموعةً من المهارات بدلاً من التركيز على الإدارة فقط ، وهكذا استطاعوا أن يعلِّموا مرؤوسيهم طرقاً عملية من أجل تحسين العمل.

Advertisement

هذا أيضاً يُذكرِّني بتجربة مصريَّة في سنةٍ من السنوات حينما عُيِّنَ (30) مديراً فنيَّاً على رأس الإِدارة في ثلاثين مصنعاً فجاءت النتائج عكسية أيضاً حيث فشل (28) مديراً فنيَّاً ، ونجح فقط اثنان منهم لامتلاكهما قدرات إدارية ، والمحصَّلة أن الفنيِّ – في الغالب – قد يكون متخصِّصاً خبيراً في مجاله لكنه لا يعرفُ كيف يدير.

إِننا نرى نماذج المديرين الذين لا يمتلكون القدرة على فعل شيءٍ ماثلاً في بعض المؤسسات ، فهم نوعية من المديرين البيروقراطيين الذين يعتنون بتفاصيل إدارية طويلة لا جدوى من ورائها ، ويتقصُّون أموراً يضيعون بها وقتَ موظفيهم ومؤسساتهم ، وهم متقوقعون حول دائرةٍ ضيِّقةٍ من الأداءِ المملِّ الذي لا ينتجُ شيئاً جديداً ، يحسبونَ أنفسهم منتجون ، وفاعلون إدارياً ولكنَّهم يسبِّبون تراجعاً لأداءِ مؤسساتهم وإحباطاً من مرؤوسيهم.

هذا النموذج الذي وصفه جوبز بـ (البوزو) أي الأحمق ، لا يقدِّم شيئاً للمنصبِ الذي يشغلهُ عدا عن الأداءِ الشكلي الفارغِ من الإنجاز ، فإذا نظرت بصورة عامة مقيِّماً قيمة الإنجاز الذي حقَّقه هذا النوع من المديرين لن تجدَ شيئاً يُذكر عدا روتينية الإجراءات وهذه لا تحتاج إلى مديرٍ يديرها ، لأن أيَّ موظف يستطيع بتكرار العمل أن يفعلها دون أدنى تفكير فيها!.

المديرون الذين لا يضيفون فكراً جديداً للأداء المؤسَّسي ، ولا يطوِّرون آليات العمل ، لا يستحقون أن يكونوا مديرين ، إنَّما هم في الحقيقة يحافظون على الكراسي بأقصى ما يستطيعون ، أمَّا المديرون الحقيقيون فهم أولئك الذين يضيفون ما يرقى بعمل مرؤوسيهم نحو ما يحسِّن الأداء بصورة ملحوظة ، وملموسة.

المديرون الحقيقيون أولئك الذين يصنعون أثراً ، لا الذين يثيرون غُباراً ، فيكونُ أثرهم محمودٌا يُذكرون به في أثرِ تقدِّم المؤسسة ، وارتقاءِ أدائها.

وإذا كانت كلمة «المدير» تطلقُ عادةً على منصبٍ يُعزى إلى الإدارة الوسطى ، فإنني أقصدُ بالمدير كل من يديرُ أفراداً في الثلاث إدارات؛ العليا ، والوسطى ، والدُّنيا ، وهُنا أُريد أن أقول في شأنِ تعيين مديرين أو رؤساء الوحدات:

أولاً: إن الخبرة لا تصنعُ قائداً فمسألة الترقية للمنصب حسب الأقدمية ليست صحيحة في مطْلَقِها بل هي ضارَّة في كثيرٍ من الأحيان ، وطاردة للأفكار المتجدِّدةِ ، إلا أن يكون صاحبها من المتجدِّدين فكرياً، ومهنياً.

ثانياً: المديرُ مُشرفٌ وموجِّهٌ ولا يجب أن يتدخَّل في العمل إلى درجةٍ مَرَضيَّة مؤذية ، حيث إن بعضُ المديرين من هذا النموذج يبالغون في ممارسةِ الرقابةِ على موظفيهم ، والتدخُّل في شؤونهم ، والسيطرةِ عليهم ، وتقييد أفكارهم ، وتعطيل مبادراتهم ، وتقزيم مقترحاتهم ، والسطو على أوقاتهم الخاصة ، ما يجعلهم غير متقبَّلين من قِبل موظفيهم الذين لا يرون فيهم إلا مجرَّد كاميرات مراقبة ، ومجسَّات إنذار ، وأجهزة بصمات ، لا يرون فيهم الروح الإنسانية التي ترق مشاعرها لهم ، ولا العقل الذي يوجههم برشدٍ وبصيرة ، وهذا النموذج يعدُّ استمراره وبالاً على المؤسسة.

ثالثاً: المدير الحقيقي هو ذلك الذي يعرفُ كيف يعمل ، وفي أي اتجاهٍ يقود مؤسسته ، وما هي المهارات اللازمة لذلك ، وهو ذلك الذي يترفَّع عن صغائرِ الأمور ، وتوافه الأخطاء.

رابعاً: لا يجب أن يستمرَّ أي مديرٍ غير كفء في أيَّةِ إدارة ، لأن استمراريته تعنى إحباطاً متوالياً من موظفيه ، وهبوطاً متواصلاً في أداءِ مؤسسته، ولهذا يجب تغييره على الفور.

خلاصة القول إنَّ الإدارة مزيج من القدرات الإنسانية والعلمية ، وامتلاكٌ للذكاء العاطفي قبل الذكاء المهاري ، يتصدَّى لها أصحابُ أُناس متميِّزون يقودون مؤسساتهم بحنكة وحكمة إلى ما يرقى من أدائها، ويحسِّنُ من عملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى