نظرة إيجابية للاقتصاد والتصنيف الائتماني لعُمان
بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تتحسن الأوضاع الاقتصادية والقوة الشرائية بالبلاد تدريجيًا وفق آراء بعض الخبراء وكذلك التجار المعنيين بعمليات الاستيراد والتصدير والبيع بالجملة والمفرق ، فيما تستمر الحكومة من جانبها في خفض الدين العام للبلاد ، وحل مشكلة الباحثين عن العمل تمهيدًا لتوفير مزيد من فرص العمل للمواطنين في مختلف القطاعات الاقتصادية؛ الأمر الذي يساهم تدريجيًا في انتعاش الأعمال التجارية والاقتصادية في البلاد.
ولكن ما يُكدّر صفو هذا الوضع الذي يتحسن بعد سنوات ، هو استغلال بعض المستثمرين الأجانب لإمكاناتهم الكبيرة وخاصة أصحاب المجمعات التجارية الضخمة المعروفة في البلاد في إهمال شراء المنتجات الصناعية العُمانية ، والتوجه نحو المصانع الأجنبية بإحضار نفس المنتجات التي تتميز بقلة الجودة وعدم الالتزام بجميع معايير التقييس العالمي؛ الأمر الذي يتطلب وضع تشريع لوقف هذه الممارسات الخاطئة تجاه المنتجات الصناعية العُمانية.
ومع التزام السلطنة بدفع الدين العالم للبلاد منذ عدة سنوات مضت ، فإن التصنيف الائتماني للبلاد يتحسن هو الآخر تدريجيًا ، الأمر الذي يزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية أيضا. وقد رفعت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني درجة تصنيف البلاد مؤخرًا من +BB إلى -BBB مع نظرة مستقبلية مستقرة ، نتيجة لتحسن الأداء المالي للدولة ، وكذلك لتحسن البيئة الاستثمارية ونمو القطاعات الاقتصادية التي تتمتع بها السلطنة ، حيث يأتي هذا التحسن بعد انحفاض دام لمدة سبع سنوات مضت أي منذ عام 2017.
والتصنيف الائتماني أو الجدارة الائتمانية للدول (Credit Rating) يتم تقييمها من خلال شركات ومؤسسات ومنظمات ووكالات مختصة مثل ستاندرد آند بورز وموديز وغيرها والتي تعمل على تصنيف قدرات الدول والمؤسسات والمصارف ومدى إمكانياتها على الاقتراض والوفاء بسداد الديون المستحقة عليها للمقرضين.
وكلما كانت عملية سداد الديون والالتزامات المالية مستمرة من الجهات الدائنة، فإن ثقة مؤسسات التصنيف تزيد هي الأخرى في قدرات الحكومات والشركات الداخلة في قضايا الاقتراض والديون . وتتأثر عمليات التصنيف أيضًا بعوامل عدم استقرار الدول وخاصة تلك التي تمر بحروب ونزاعات عسكرية ، الأمر الذي يتطلب من مؤسسات التصنيف عمليات مراجعة ودراسات لتحليل الأوضاع المالية لتلك الحكومات أو المؤسسات. فالقدرة على سداد أقساط القروض وفوائدها للجهات المقرضة دليل على توفير الملاءة أو الجدارة الائتمانية لتلك الدول والمؤسسات ، الأمر الذي ينعكس على درجة التصيف الائتماني ، وهذا ما تعمل به الحكومة العُمانية منذ عدة سنوات مضت من خلال خفض والتقليل من الدين العام وكذلك من تكلفته أي من تسديد الفائدة المرتبة على ذلك.
هذا الأمر يساعدها في جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية خلال المرحلة المقبلة في ضوء الدراسات التي تعدها الحكومة لتأسيس المزيد من المشاريع الصخمة ، وخاصة الصناعية منها ، الأمر الذي يسهّل عليها الحصول على التمويلات المطلوبة لتلك المشاريع. كما تعمل الحكومة على تحسين المعايير الأخرى في هذا الشأن من خلال رفع معدلات الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد من الدخل ، مع العمل على تحسين ميزان المدفوعات ، والمحافظة على معدلات التضخم ، وتعزيز الموازنة المالية السنوية بمزيد من الإيرادات من خلال استغلال قطاعات اقتصادية جديدة في قطاعي النفط والغاز والقطاعات غير النفطية ، مع الاستمرار في تحسين بيئة الأعمال ، وقتل البيروقراطية وإصدار التشريعات الخاصة بجذب الاستثمارات.
ويُعد المؤشر الأخير للتصنيف الائتماني الذي حصلت عليه السلطنة -BBB أولَ درجات مؤشر الجدارة الاستثمارية لوكالة ستاندرد آند بورز، الأمر الذي يعني وجود بيئة استثمارية آمنة في البلاد ، بعد أن عانت سلطنة عُمان من بعض الأزمات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية ، ثم في مواجهة النتائج السلبية لجائحة كورونا التي أثرت على الكثير من الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد.
تقرير الوكالة يؤكد أنَّ السلطنة استمرت بصورة جدية في إجراءات تحسين المالية العامة من خلال المبادرات والإجراءات التطويرية التي اتخذتها في الجوانب المالية والاقتصادية ، مع عملها في إعادة الهيكلة الحكومية التي أسهمت في إعادة التوازن المالي بين الإيرادات والإنفاق العام للبلاد ، مع التزامها بخفض الدين العام للدولة ، وحوكمة الشركات الحكومية وخفض مديونيتها.
وهذا الالتزام سيعمل على خفض المزيد من الدين العام حيث من المتوقع أن يصل في عام 2027 إلى معدل 29% من الناتج المحلي الإجمالي ، مع العمل على تقوية قواعد الحوكمة للشركات الحكومية وتعزيز الكفاءة التشغيلية ، وتحسين الأوضاع المالية لها بهدف رفع معدلات ربحيتها السنوية؛ الأمر الذي يساهم هو الآخر في خفض معدلات المديونية لتلك الشركات.