ناجورنو كارباخ ..والحنين للمواقف الملتبسة
سامر شعلان
في منتصف ستينيات القرن الماضي نشبت حرب بين الهند وباكستان ؛ في إطار النزاع الممتد بين البلدين للسيادة على إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة ، والذي بدأ النزاع عليه عقب الاستقلال عن التاج البريطاني والانقسام لدولتين؛ الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة، وكانت حرب العام 1965م هي الثانية بين الجارتين اللدودتين بسبب جامو وكشمير، بعد أن انتهت الحرب الأولى في العام 1947م، بانتصار نسبي للهند بمساعدة الجيش البريطاني، وسيطرتها على ثلثي الإقليم ، ما يعنينا في هذا الصراع هو مواقف الدول العربية منه في ذلك الوقت.
كانت الحرب الباردة في أوج اشتعالها بين الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو من جهة ، والولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية من جهة أخرى ، وكانت بقية دول العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية منقسمة بين المعسكرين الشرقي والغربي ؛ وكان هناك طرف ثالث يحاول أن يكون محايدا، وهي دول عدم الانحياز ؛ وهي حركة تأسست منتصف خمسينيات القرن الماضي وضمت في بدايتها؛ مصر بقيادة جمال عبدالناصر والقادة المؤسسين الهندي جواهر لال نهر واليوغسلافي جوزيف بروز تيتو ، و الإندونيسي أحمد سوكارنو والغاني كوامي نكروما ، واتسعت حتى وصل عدد أعضائها إلى 29دولة.
ورغم جهود دول الحركة للحفاظ على حيادها واستقلال مواقفها وقراراتها ، كان من الصعب تحقيق ذلك في ظل احتياج هذه الدول لدعم الدول الكبرى في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، فمعظمها كان حديث الاستقلال خارجا من عقود طويلة من الاحتلال والتبعية، وكان هناك اتهام موجه لهذه الحركة بالتبعية للمعسكر السوفيتي بسبب اعتناق قادتها الأفكار الاشتراكية وانتهاج الاقتصاد الموجه والتأميم والقطاع العام وحماية الطبقة العاملة ، وباستثناء الهند التي وضعت دستورا منذ الاستقلال،و بفضل جهود المهاتما غاندي، يؤكد على الديمقراطية والتعددية وحرية تكوين الأحزاب، اعتمدت معظم دول عدم الانحياز نظام الحزب أو التنظيم السياسي الواحد على غرار نظام الحكم السوفيتي الذي احتكر الحزب الشيوعي فيه السلطة.
في مواجهة حركة عدم الانحياز أطلقت بريطانيا حلف بغداد الذي ضم العراق وتركيا وإيران وباكستان ، وكانت أنظمة الحكم في هذه الدول تدور في فلك الغرب وتطبق الأنظمة الرأسمالية في السياسة والاقتصاد ، وكان الغرض من تأسيس هذا الحلف مواجهة المد الشيوعي، الذي كان آخذا في التصاعد بمنطقة الشرق الأوسط وحماية المصالح الغربية، خاصة ثروة النفط التي بدأت تظهر بغزارة في الخليج العربي وإيران، وكان الغرب في احتياج إليها لتأمين مصادر الطاقة اللازمة لنهضته الاقتصادية، ولكن لم يكتب لهذا الحلف النجاح وفشل فشلا ذريعا ، ولم يصمد في مواجهة المد القومي العربي الذي كان كاسحا في تلك الفترة بقيادة جمال عبدالناصر، والتفاف شعوب المنطقة حول توجهاته الثورية وكراهيتها للاستعمار والقوى الإمبريالية، وسرعان ما وقع انقلاب على نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي في ذلك الوقت ومهندس إنشاء الحلف بقيادة عبدالكريم قاسم الذي انسحب من الحلف وأقام علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي ووثق علاقته مع مصرـ عبدالناصر.
وقف عبدالناصر وبعض القادة العرب مع الهند في صراعها مع باكستان، للعلاقات الجيدة التي جمعتهم بأنديرا غاندي ووالدها جواهر لال نهرو، ومواقف الهند الداعمة للقضايا العربية وإدانتها العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية، ووقوفها إلى جانب الحقوق الفلسطينية، منذ انتهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين، ورفضها الاعتراف بإسرائيل أو إقامة علاقات دبلوماسية معها حتى العام 1992م بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل ، بينما وقفت دول عربية أخرى مع باكستان في هذا الصراع، وفقا لمصالحها وعلاقاتها مع الدول العظمى ـ دون النظر لموضوع الدين ـ فقد كان للتوجهات الأيديولوجية الغلبة في تباين المواقف العربية من ذلك الصراع.
يتكرر الموقف الآن ونلحظ تباينا في المواقف الرسمية والشعبية تجاه الصراع الدائر بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناجورنو كاراباخ ، فنجد من يتعاطف مع أذربيجان من منطلق ديني، وهناك من يتعاطف مع أرمينيا دون أن يعرف موقعها على الخريطة ، انطلاقا من موقفه السلبي تجاه تركيا والتنظيمات المتشددة الحليف السياسي والعسكري لأذربيجان، وعلى مستوى الدول نجد إيران تجمعها علاقات قوية مع أرمينيا ، وتوجسات تاريخية تجاه أذربيجان رغم الأغلبية الشيعية لشعبها ، خشية تجدد الدعوات الانفصالية للأقلية الأذرية الموجودة في شمال إيران.
واللبيب بالإشارة يفهم…. لايعرفون مكانها على الخريطة ومع ذلك يقفون معها..
وعقد مقارنة بين الهند وباكستان من ناحية
وأرمينيا وأذربيجان من ناحية أخرى
مقارنة فيها اجترار للماضي تعطي للمفهوم وضوحا ونصاعة