آراء

من نكسة 67 إلى اغتيالات طهران .. هل يعيد التاريخ نفسه؟

بقلم: سامر شعلان

Advertisement

خيبة أمل عميقة أصابتنا جميعًا – وأنا منهم – ونحن نتابع سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات إيرانية رفيعة، إلى جانب استهداف مواقع نووية وعسكرية داخل العمق الإيراني، في عمليات نُفذت بقدر مريب من السهولة والجرأة. مشهد يعيد إلى الأذهان الانهيار العربي في نكسة يونيو 1967، حين تهاوت الشعارات الصاخبة أمام أول اختبار حقيقي للجاهزية والقدرة.

الخطاب السياسي الإيراني في السنوات الأخيرة بدا كأنه صدى مستعاد لشعارات الحقبة الناصرية: “سنمحو إسرائيل”، “سنسحق أمريكا”، لكنها عبارات كشفت هشاشتها مجددًا مع تساقط القادة واحدًا تلو الآخر، واستهداف المنشآت الحيوية دون ردٍ نوعي حتى اللحظة. ورغم التحذيرات المتكررة والتسريبات الاستخباراتية المسبقة، فإن السلوك الإيراني الرسمي بدا متراخيًا، لا يرقى إلى مستوى الخطر، ولا يعكس ما يُفترض أنه خبرة تراكمية في إدارة الحروب غير التقليدية.

Advertisement

الأخطر من ذلك، أن العمليات نُفذت – بحسب ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية – من داخل العمق الإيراني، عبر طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، ما يشير إلى اختراق أمني جسيم يطرح تساؤلات مقلقة حول كفاءة المنظومة الاستخباراتية في طهران، وقدرتها على حماية رموزها ومؤسساتها.

طهران

فكيف لدولة تدير شبكات نفوذ إقليمية، وتتفنّن في الحروب بالوكالة، أن تعجز عن تأمين قياداتها على أرضها؟ أين كانت التدابير الوقائية؟ وأين أجهزة الرصد والردع؟ أم أن الهالة الأمنية التي رُسمت حول إيران لم تكن سوى صورة متضخمة لواقع هش؟

المفارقة أن هذه الضربات لم تكن مفاجئة من حيث المبدأ، فالمراقبون جميعًا أجمعوا على أنها مسألة وقت، لكن المفاجأة جاءت في التوقيت، الذي تزامن مع محادثات أمريكية-إيرانية تستضيفها سلطنة عُمان، ما أضفى على العمليات بعدًا سياسيًا خطيرًا: رسالة ضغط تفاوضية، ومحاولة لإرباك الداخل الإيراني الذي يعاني أصلًا من تصدعات اجتماعية واقتصادية متراكمة.

ورغم كل ذلك، تشبّث البعض – وأنا منهم – بأمل أن تكون هذه المرة مختلفة، وأن تحمل ردًا إيرانيًا يعيد التوازن للصورة، لكن الردود حتى الآن لم تتجاوز التصريحات والتهديدات، فيما أطلقت طهران بعض الصواريخ في مشهد بدا أقرب إلى محاولة إنقاذ للهيبة أكثر من كونه تحركًا استراتيجيًا محسوبًا.

يبقى السؤال الأهم: هل نحن بصدد إعادة إنتاج لنكسة جديدة؟ وهل تُسدل هذه الأحداث الستار على ما عُرف طويلًا بـ “الردع الإيراني” الذي لطالما روّجت له طهران؟

يبقى الأمل معقودًا على أن يكون الرد القادم حقيقيًا، يتجاوز الإعلام والدعاية، ويعكس فعلًا استراتيجيًا يعيد التوازن ويؤكد أن القدرة على الردع لم تكن مجرّد شعار في زمن الارتباك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى