آراء

من مصر إلى عمّان .. كيف يوظف حسن الحضري تيمة الديار في شعره؟

بقلم : عبير محمد

Advertisement

يُعدّ الشاعر المصري المعاصر حسن عبد الفتاح الحضري من أبرز الأصوات الشعرية التي جمعت بين غزارة الإنتاج الأدبي والتنوع بين الإبداع الشعري والنقدي، فضلًا عن أبحاثه ودراساته المتعددة، ومنها: القرآن الكريم يحدد ماهية الأدب (2015)، والشعر العربي المعاصر بين المعايير والمحاذير (2024). وقد انتمى الحضري منذ بداياته الأولى إلى تيار الشعر المحافظ، الذي يتميز بتعدد الأغراض في القصيدة الواحدة، والحنين إلى الماضي، واستدعاء الأطلال والديار؛ وهي سمات واضحة في شعره منذ باكورة عطائه.

ومن المعلوم أن لكل تيار أدبي جملة من “التيمات” أو العلامات التي تُبرز خصائصه، وتُعدّ طريقة توظيفها معيارًا لمدى جودة الشاعر وأصالة أسلوبه. ومن أبرز هذه التيمات في شعر حسن الحضري: تيمة الديار، التي منحها حضورًا لافتًا في دواوينه، بل جعلها عنوانًا لأحدها: سلام على تلك الديار، وفيه قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها:

Advertisement

سلامٌ على تلك الدِّيارِ وأهلِها=ومن حلَّ فيها من مقيمٍ وظاعنِ

وأخدارِ آرامٍ شُغِفتُ بحبِّها=فخلَّفنَ قلبي بين صَبٍّ وحائنِ

لقد راج هذا المطلع على نطاق واسع، حتى غدا مألوفًا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث تناقله القراء باعتباره رسالة شوق وحنين، غير أن اسم الشاعر غاب عن أذهان الكثيرين، واكتفوا بترديد أبياته التي لامست وجدانهم.

ويبرز حضور “الديار” كذلك في قصيدته أقول وقد حن الفؤاد، التي يوجّهها إلى محبوبته المقيمة في عمّان، بينما هو في مصر، فيمزج بين المكانين بحنين شفيف:

وفي ظَهرِ عمَّانَ استقرَّ مقامُها=وفي مصرَ قومي حين تُنْمَى المعاشرُ

هنا يتجلّى البُعد الوجداني العابر للحدود، إذ تتحول الديار إلى جسر يصل بين قلبين في وطنين عربيين، في دلالة على نزوع الشاعر القومي الذي يرفض قسمة الجغرافيا.

كما تتجلى التيمة في قصائد أخرى مثل فلُذ بالصبر حيث ارتبطت الديار بالسهاد والأسى، وفي لو أنها تصغي حيث شبّه المسافة بين دياره وديار محبوبته بالمسافة بين مكة والدمام، في إسقاط يوحي بانتمائه للوجدان العربي العام، لا إلى حدود قطرية ضيقة.

وفي قصيدته في وصف الصحراء والمطر والصيد وظّف الحضري الديار في مطلع غزلي، قبل أن ينتقل بسلاسة إلى الوصف، كاشفًا عن قدرته على التنقل بين الأغراض في نسيج واحد مترابط. أما في عصف السهد والنوى فقد عبّر عن الديار بأسلوب استعاري حين سمّاها “آية”، وراح يتتبع آثارها كعلامات دالّة على الحنين.

إن المتأمل في شعر حسن الحضري يجد أن تيمة “الديار” لا تظهر عنده عرضًا، بل تأتي في سياق معمّق ومتنوع: تارةً صريحة، وتارةً بالرمز والدلالة، وبأسلوب يشي بصدق التجربة الشعرية ونضجها. وهو ما يجعل من هذه التيمة علامة فارقة في شعره، وواحدة من أهم الأدوات التي أسهمت في ترسيخ حضوره ضمن تيار الشعر المحافظ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى