آراء

من قلب عُمان.. الشيخ سلطان القاسمي يعيد كتابة ذاكرة البحر والتاريخ

بقلم: معمر اليافعي

Advertisement

لم تكن زيارة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إلى سلطنة عُمان مجرّد حضور بروتوكولي، بل كانت عودة إلى بيتٍ قديم، وإلى ذاكرةٍ لم تنقطع جذورها عن البحر والتاريخ.

في أروقة معرض مسقط الدولي للكتاب، وبين جموع من المثقفين والقراء والمؤرخين، وقف سموه يوقّع عمله الموسوعي الأضخم: «البرتغاليون في بحر عُمان»، المؤلف الذي امتد عبر أكثر من عشرين مجلدًا، واستند إلى آلاف الوثائق والمخطوطات والخرائط النادرة. رحلة بحث مضنية أعاد من خلالها للتاريخ سطوره المحذوفة، وللذاكرة العُمانية والعربية صفحتها المفقودة.

Advertisement

كانت اللحظة مزيجًا بين الرسمي والوجداني؛ سموه بدا مؤرخًا أكثر من كونه حاكمًا، وكاتبًا أكثر من كونه رجل دولة. لم يكن يوقّع كتابًا وحسب، بل كان يفتح بوابةً إلى زمنٍ طُمِس طويلًا، ويستحضر صورة البحّار والمقاوم والحالم، الذي ظلّ عبر القرون مالكًا لأرضه وهويته.

زيارة الشيخ سلطان حملت بعدًا ثقافيًا يفوق أي بعد آخر. فهي رسالة صامتة تقول إن المعرفة هي أعظم جسر بين الشعوب، وإن الكتاب لا يزال الأداة الأصدق لمقاومة النسيان. وقد عزّز من رمزية المشهد الاستقبال الرسمي لسموه من قِبل جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله – في دلالة على عمق العلاقات التي تتجاوز الجغرافيا إلى الذاكرة والرؤية والتاريخ المشترك.

الكتاب لم يكن سردًا أكاديميًا جافًا، بل شهادة موثقة بُنيت على أكثر من ألف وثيقة أصلية، أعادت رسم صورة صراعات ومواجهات وتحالفات شهدها بحر عُمان. كل ذلك صيغ بلغة مؤرخ يعرف قيمة الكلمة وخطورة تزييفها.

لقد أثبت سموه أن الفعل الثقافي لا ينفصل عن الفعل السياسي، وأن المعرفة في تجربته ليست ترفًا فكريًا، بل مشروعًا حضاريًا تنهض به الأمم. ومن حضر لحظة التوقيع لم يأتِ لرؤية شخصية سياسية فحسب، بل لإحياء ذاكرة وإعادة الاعتبار للتاريخ.

ومع مغادرته المعرض، لم يترك الشيخ سلطان كتابًا فقط، بل ترك أثرًا وأفقًا جديدًا للباحثين والقراء، مؤكّدًا أن الخليج لا يُختزل في النفط والاقتصاد، بل في الفكر الحي، وفي رجالٍ يحملون همّ الذاكرة، ويكتبون للتاريخ بضمير الأمة.

«البرتغاليون في بحر عُمان» لم يكن عنوانًا لمؤلف وحسب، بل وثيقة وجود ومرآة أمة، التقت فيها أصالة الماضي مع وعي الحاضر، لتصنع طريق المستقبل. هكذا تحوّلت زيارة الشيخ سلطان إلى عُمان من حدثٍ عابر إلى صفحة مشرقة في كتابٍ ما زال يُكتب بحبرٍ ممزوج بحب الأرض وصدق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى