آراء

من غزة إلى الدوحة .. البلطجة الإسرائيلية – الأمريكية إلى أين؟

بقلم: سامر شعلان

Advertisement

كلمة “البلطجة” ليست مجرد تعبير دارج عن العنف والفوضى، بل تحمل جذورًا تاريخية تعود إلى زمن الدولة العثمانية، حيث أُطلقت على فرقة عسكرية كانت تحمل “البلطة” لفتح الطرق أمام الجيوش. ومع ضعف الدولة وتحوّل المسارات، انحرف الاستخدام لتدل الكلمة على سلوك من يتسلط على الناس، فارضةً سيطرة بالقوة والابتزاز، حتى فقدت معناها الأصلي ، وأصبحت مرادفًا لكل استغلال أو قهر يُمارس على حساب الآخرين.

وإذا أسقطنا هذا المعنى على حاضرنا، فإن أوضح تجسيد له يتمثل في ممارسات الكيان الصهيوني، الذي تجاوز كل الحدود في استخدام العنف. فمن القصف الوحشي لغزة وتجويع شعبها، إلى الضربات المتكررة في سوريا ولبنان واليمن وإيران، وصولًا إلى الاعتداء الأخير على قطر، نجد أنفسنا أمام كيان يتصرف وكأنه فوق القانون الدولي، بلا وازع أو رادع.

Advertisement

غير أن الحقيقة الأوضح هي أن إسرائيل لم تكن لتتمادى إلى هذا الحد لولا الغطاء الأمريكي الكامل. فالولايات المتحدة ليست مجرد شريك صامت، بل هي الراعي والمحرّك الأساسي لهذه السياسات ، بحمايتها الدائمة لإسرائيل في مجلس الأمن، وتزويدها بالدعم العسكري والمالي بلا حدود.

ولعل سلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكشف بوضوح طبيعة هذه الذهنية. فكتابه “فن الصفقة” لم يكن مجرد دليل في التجارة، بل انعكاس لفلسفة سياسية تقوم على فرض الشروط والابتزاز بدلًا من التفاوض. لقد حوّل ترامب السياسة الخارجية إلى سلسلة صفقات قائمة على التهديد والسمسرة، وتصرف أحيانًا كما لو كان رئيس عصابة، لا رئيس أكبر دولة في العالم.

لكن هذه العقلية ليست حكرًا على ترامب؛ فهي جزء من تاريخ طويل من السياسات الأمريكية القائمة على الهيمنة. ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي دعمت واشنطن أنظمة عسكرية دكتاتورية في فيتنام الجنوبية، وقصفت جنوب شرق آسيا بلا رحمة، لتقتل مئات الآلاف من المدنيين. بل وأطلقت على إحدى حملاتها اسم “صفقة الحرية”، في مفارقة مأساوية. وفي أمريكا اللاتينية، موّلت انقلابات دامية، حتى قال هنري كيسنجر عن تشيلي: “لا أرى لماذا نقف مكتوفي الأيدي ونسمح لدولة أن تصبح شيوعية بسبب عدم مسؤولية شعبها”.

الصورة اليوم لا تختلف كثيرًا: منطق يقوم على التهديد والتخويف، “إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين” كما قال بوش الابن ذات يوم، عقلية لا تختلف عن سلوك البلطجية في الشوارع، سوى أنها تُمارَس على مستوى دولي وبأدوات أكثر فتكًا.

إننا أمام تحالف يقوم على فرض الهيمنة بالقوة، تحالف يظن أن لغة السلاح ستبقى الكلمة الفصل. غير أن دروس التاريخ تثبت أن الشعوب قد تُرهب لبعض الوقت، لكنها لا تُستسلم إلى الأبد. فكل بلطجة تولّد مقاومة، وكل هيمنة تزرع بذور التحرر.

ويبقى السؤال الحاسم: إلى متى سيظل المجتمع الدولي صامتًا أمام هذه البلطجة الإسرائيلية – الأمريكية؟ وهل يمتلك العالم الشجاعة للانتقال من بيانات التنديد إلى خطوات عملية توقف هذه البلطجة العابرة للحدود؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى