من عمر المختار إلى يحيى السنوار… المقاومة فكرة خالدة لا تُغتال

بقلم: سامر شعلان
منذ بدايات التاريخ، حاول الطغاة إخماد حركات التحرر بالقتل أو الإعدام أو الاغتيال. غير أنّ التجربة أثبتت أن ما يُغتال هو الجسد فقط، أما الفكرة فتبقى عصيّة على الفناء، وتتحول إلى منارة تُلهم الأجيال.
هكذا كان عمر المختار، أسد الصحراء، الذي صعد إلى حبل المشنقة شامخًا مرددًا كلمته الخالدة: «نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت». ورغم إعدامه عام 1931، ظلّ رمزًا للمقاومة الليبية والعربية، يُضيء درب الحرية للأجيال، ويؤكد أن الروح لا تُقهر مهما سقط الجسد.
واليوم، تتجدد الحكاية في فلسطين. فمنذ اغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة، مرورًا بصالح العاروري وإسماعيل هنية، وصولًا إلى يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهم من القادة؛ يظنّ الاحتلال أن قتل الرموز كفيل بإخماد جذوة المقاومة. غير أن الحقيقة الناصعة تقول: كما لم يُمحَ ذكر المختار بإعدامه، فلن تنطفئ شعلة المقاومة باغتيال قادتها، لأن الفكرة أعمق من أن تُغتال.
إن ما يجمع عمر المختار ويحيى السنوار وغيرهما من قادة التحرر، أنهم أدركوا أن المقاومة ليست أسماء تطيح بها الرصاصات، ولا وجوهًا يغيبها الموت، بل هي معنى متجذّر، وروح نابضة، وهوية جماعية تعلو على الأفراد. هي إرادة شعب وإيمان أمة بأن الحق لا يُسترد إلا بالمواجهة، وأن الكرامة لا تُمنح بل تُنتزع.
ولنا في التاريخ شواهد لا تُعدّ ولا تُحصى: من محمد كريم في مصر، إلى الأمير عبد القادر في الجزائر، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وصولًا إلى جيفارا في أميركا اللاتينية، ثم قادة فلسطين المعاصرين؛ جميعهم دلائل حيّة على أن الاغتيال قد يُسقط الجسد، لكنه يعجز عن إسقاط الفكرة، وأن الشعوب لا تنكسر أمام بطش المحتل مهما طال الزمن.
وعليه، فإن المقاومة الفلسطينية اليوم، رغم الخسائر في صفوف قادتها، تُثبت أن الفكرة ما زالت حاضرة وفاعلة، وأن المقاومة، في جوهرها، ليست بندقية ولا زعيمًا بعينه، بل عقيدة أمة وذاكرة جمعية ترفض الاستسلام والنسيان. إنها فكرة خالدة تتجدد مع كل جيل، وتؤكد أن الحرية لا تموت باغتيال أصحابها، وأن كل عملية اغتيال ليست إلا اعترافًا بعجز المحتل أمام فكرة تتجاوز الأفراد.
قد يرحل القادة، لكن تبقى الفكرة؛ لأنها ليست مجرد فعل مقاوم، بل هوية راسخة في ضمير الأمة. وفي النهاية، قد يواصل الاحتلال محاولاته لطمس الرموز، لكنه لن يفلح في اغتيال الفكرة. فالمقاومة باقية، والهوية مستمرة، والحرية قدر محتوم.
من عمر المختار إلى يحيى السنوار، ومن كل قائدٍ حرٍّ إلى كل شهيدٍ مخلص، يتجلّى الدرس الأبدي: المقاومة فكرة لا تُغتال، والهوية باقية ما بقيت إرادة الشعوب.