آراء

منظومة التجارة الرقمية تعزّز الاستثمار

بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي

Advertisement

من أجل تحقيق منظومة تجارية رقمية شاملة في البلاد، فإنَّ ذلك يتطلب الإسراع بتحديث الأعمال التجارية المتعددة من خلال مواكبة التحولات الرقمية التي تحدث في العالم ورفع كفاءة الأداء المؤسسي لمختلف الأجهزة والوحدات الحكومية، بالإضافة إلى تقليص فترات إصدار الموافقات من عدة أشهر إلى أقل من شهر واحد، الأمر الذي يتطلب القضاء على البيروقراطية الزائدة، وهذه الأعمال سوف تحقق لاحقاً مزيداً من الكفاءة، والابتكار، والقدرة على المنافسة العالمية وبما يتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040 في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والتقنية.

هذه التحولات الرقمية يمكن أن تتم عبر عدة محاور متكاملة تشمل الجانب التشريعي، والتقني، والبشري. ففي مجال تطوير البنية التحتية الرقمية، فإن ذلك يتطلب الإسراع في توسيع شبكات الإنترنت عالية السرعة للألياف البصرية والجيل الخامس لتغطية كافة المحافظات، وتوفير مراكز بيانات محلية وسحابية آمنة وموثوقة لدعم التجارة الإلكترونية والخدمات الحكومية، بالإضافة إلى تحسين أمن المعلومات السيبراني عبر تحديث أنظمة الحماية وتطبيق المعايير الدولية. أما على جانب الإطار التشريعي والتنظيمي، فإن ذلك يتطلب سنّ قوانين وتشريعات رقمية حديثة تشمل التجارة الإلكترونية، وحماية البيانات، والتوقيع الإلكتروني، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى تسهيل المزيد من الإجراءات التجارية إلكترونياً عبر توحيد منصات التسجيل والترخيص والدفع الإلكتروني، وتحفيز الابتكار الرقمي من خلال سياسات تشجع الاستثمار في التكنولوجيا الناشئة بالذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وإنترنت الأشياء.

Advertisement

وجميع هذه الخطوات تتطلب بناء القدرات والمهارات البشرية، وتدريب الكوادر الوطنية على المهارات الرقمية الحديثة، مثل التحليل الرقمي، والتسويق الإلكتروني، وأتمتة الأعمال، وضرورة إدماج التحول الرقمي في المناهج التعليمية بالمدارس والجامعات، وتشجيع المشاريع التقنية الناشئة، وتعزيز برامج تدريب ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على التحول الرقمي في الأعمال التجارية. وهذا لا يتحقق إلا من خلال تحفيز بيئة الابتكار وريادة الأعمال من خلال تعزيز أعمال الحاضنات القائمة وإنشاء المزيد منها، بجانب تقديم حوافز مالية وضريبية للشركات التي تطبق التحول الرقمي والحلول التقنية، والاستمرار في تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول رقمية وطنية.

والمجتمع العُماني بحاجة إلى تعزيز الثقة من خلال نشر الوعي الرقمي بين المواطنين ورواد الأعمال حول مختلف مزايا وأمان المعاملات الإلكترونية، وتبسيط واجهات الخدمات الإلكترونية لتكون سهلة الاستخدام وموثوقة، بالإضافة إلى ضمان الشفافية والمصداقية في التعاملات الرقمية لبناء الثقة في النظام التجاري الإلكتروني. وهذا ما سيؤدي إلى ترسيخ مكانة البلاد كوجهة استثمارية واعدة في المنطقة، بجانب العمل على استغلال موقع عُمان الجغرافي الاستراتيجي بشكل فعال لتعزيز تجارتها الخارجية في أسواق آسيا وأوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي سيعزز مزيدا من ثقة المستثمرين والانفتاح على البلاد.

قانون استثمار رأس المال الأجنبي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (50/2019) يتيح التملك الأجنبي الكامل بنسبة 100% في معظم القطاعات؛ حيث ألغى شرط الحد الأدنى لرأس المال، إلى جانب إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون التخصيص، الأمر الذي يدعّم إشراك القطاع الخاص في المشاريع الوطنية الكبرى. وهذا ما أدى إلى تقدّم سلطنة عُمان بعشر مراتب في العمل التجاري العالمي لتصبح في المرتبة 68 عالميًا.

لقد استثمرت سلطنة عُمان خلال العقود الثلاثة الأخيرة الكثير من الأموال في تحسين بنيتها الأساسية من خلال إنشاء وتطوير المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة كمنطقة الدقم الاقتصادية التي تقدّم اليوم حوافز استثنائية تشمل إعفاءات ضريبية تصل إلى 10 سنوات، وإعفاءً من الرسوم الجمركية، وسهولة تملك الأراضي الصناعية والتجارية، الأمر الذي يدعم من موقع السلطنة كمركز لوجستي إقليمي وعالمي. كما تعمل على تطوير مزيد من الخدمات والبنية الرقمية، وتعمل جاهزيتها التقنية عبر نشر شبكات الجيل الخامس وتوسيع استخدام الأنظمة الذكية في المرافق والخدمات، بجانب استقرارها السياسي والأمني، وسياستها الخارجية المتزنة؛ حيث إنَّ جميع تلك العوامل تعمل على توفير البيئة الاستثمارية الآمنة والمستقرة التي تحظى بتقدير المستثمرين الدوليين. كما تعمل على تطوير المنظومة العقارية والتخطيطية وتسهيل إجراءات تسجيل الملكيات العقارية للمواطنين والأجانب للإسهام في تنشيط السوق العقاري وجذب الاستثمارات الخليجية والدولية. فيما تعمل منظومة البلديات وأجهزة البيئة على تسهيل الخدمات على مستوى المحافظات، واختصار مدة إنجاز المعاملات لدعم استمرارية الأعمال خلال المرحلة المقبلة وبما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية وحماية البيئة.

إنَّ هذه الخطوات المُتَّخذة ستعمل جميعها على تنفيذ برامج التنويع الاقتصادي في قطاعات الطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، والسياحة، والاقتصاد المعرفي وغيرها بجانب توفير نوافذ إلكترونية من أجل تسهيل المتابعة مع المستثمرين المواطنين والأجانب لوضع البلاد على خارطة استثمارية جذابة يُمكن من خلالها توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين مستقبلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى