سامر شعلان

سلطنة عُمان
آراء

ما أشبه الليلة بالبارحة

بقلم : سامر شعلان

Advertisement

في ربيع العام 1974م قام الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون بزيارة لمصر، بعد شهور قليلة من نصر أكتوبر 1973م ، وجاءت الزيارة نتاجا لجهود وزير الخارجية الأميركي الأشهر آنذاك هنري كيسنجر، الذي كان على اتصال بالرئيس السادات وساهم بدور رئيسي في توصل المصريين والسوريين لاتفاقيتي فض الاشتباك بين القوات المتحاربة في جبهتي سيناء والجولان مع إسرائيل ، وكان السادات يكره الروس ويمقت الشيوعية وكان يرى أن الروس خذلوه في حربه مع إسرائيل وأنهم حليف بخيل (يعطونك المساعدة بطلوع الروح) عكس ما يفعله الأميركان مع حليفتهم إسرائيل الذين يغدقون عليها بغير حساب، بالإضافة لتدينه ورفضه المبادئ التي تقوم عليها الشيوعية ويروج لها الشيوعيون، الذين كانوا متواجدين في مصر بكثرة ويتمتعون  بنفوذ كبير في كافة الدوائر الحكومية، وقضى السادات السنوات الأولى من حكمه في صراع معهم من أجل اقتلاعهم من مفاصل الدولة المصرية، ولم يكن بمقدور السادات النجاح في تحقيق أهدافه ، لو لم ينجح في عبور القناة وهزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م ، حيث تحول بعدها لبطل قومي، وتخلص من شبح عبدالناصر، وأطلق على نفسه لقب بطل الحرب والسلام والرئيس المؤمن.

التقت الرغبة الأميركية في انتزاع المنطقة العربية والشرق الأوسط من براثن النفوذ السوفيتي، مع رغبة السادات في التقارب مع الأميركان، حيث كان يحمل بداخله هوى وميلا كبيرا للغرب والتقاليد والأنظمة الاقتصادية الرأسمالية ، وكان يرى أن 99.9% من أوراق حل قضايا الشرق الأوسط في أيدي الأميركان.

Advertisement

كان كيسنجر بمثابة همزة الوصل ومهندس الاتصالات بين السادات ونيكسون الذي كان في ذاك الوقت بحاجة لتحقيق أي إنجاز خارجي يخفف عنه الضغوط الداخلية، التي حاصرته جراء تورطه في فضيحة “ووتر جيت” التي كانت تهدده بالعزل من منصبه وهو ماحدث بالفعل بعد شهور قليلة من هذا اللقاء، أعد السادات استقبالا أسطوريا للرئيس الأميركي وموكبا مهيباً بسيارة أميركية مكشوفة أقلت الرئيسين من مطار القاهرة، لتشق شوارع العاصمة وسط ترحيب منقطع النظير، خرج خلاله آلاف المصريين يرفعون اللافتات ويهتفون ” ويلكوم مستر نيكسون”،وفي هذه الأجواء أنشد الشيخ إمام أغنيته الشهيرة “شرفت يانيكسون بابا يابتاع الووتر جيت” التي نظمها الشاعر الساخر أحمد فؤاد نجم من وحي الزيارة ،  ربما كان بعض المستقبلين حشدتهم الحكومة ، ولكن الأغلبية العظمى خرجت بملء إرادتها تعبيرا عن تطلع ملايين المصريين للخروج من الشرنقة الشيوعية والحصار الاقتصادي وتوقها للانفتاح على الغرب ، وعودة المنتجات والسلع الأميركية التي حرموا منها طوال حكم جمال عبدالناصر لتغزو الأسواق المصرية ، ويؤرخ الكثيرون لزيارة نيكسون للقاهرة بأنها البداية الحقيقية لسياسة الانفتاح الاقتصادي الذي عاشته مصر في تلك الحقبة، وانتقده البعض ووصفوه بالانفلات الاقتصادي أوانفتاح “السداح مداح”.

الزيارة لاقت رفضا من الناصريين ومن كارهي السادات، فكتب محمد حسنين هيكل مقاله الأخير قبل أن يغادر جريدة الأهرام  بعنوان “وافترقت الطرق” قال فيه : إن الرئيس الأميركي نيكسون في وضع بالغ السوء، فهو متهم بما لم يسبق لأي رئيس أميركي أن اتهم به: التحايل على العدالة، التهرب من القانون، استغلال النفوذ ماديا، الكذب على الكونجرس وعلى الرأي العام الأميركي وتزييف الأدلة والتلاعب في الأشرطة المسجلة (يقصد التجسس على مقرات الجزب الديمقراطي)، وأشار إلى أن المعلومات والتقارير تؤكد أن عملية عزل الرئيس الأميركي قد تبدأ في أي وقت من الآن، ولسوف يقاوم قدر استطاعته، ولكنه إذا عجز عن المقاومة فسوف يقدم استقالته طوعا، وبالفعل استحكمت دائرة الاتهامات حول نيكسون الذي استقال مجبرا بعد تلك الزيارة بشهرين كما توقع هيكل.

تستدعي الذاكرة هذه الأحداث ونحن أمام الاتهامات التي واجهها الرئيس الأميركي رونالد ترامب الذي خسر الانتخابات التي جرت مؤخرا ولم تعلن نتائجها بعد بشكل رسمي لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن ، فهو أيضا سبق اتهامه بسوء استخدام السلطة في فضيحة “أوكرانيا جيت” ومحاولةعرقلة عمل الكونجرس ونقل السلطة ، وانتهاج سياسة فاشلة حيال فيروس كورونا ، وحتى يتطابق المشهد قام شاب مصري بإعادة تسجيل أغنية اخترناه وبايعناه التي نالت اعجاب المصريين عام 1999 دعماً للرئيس السابق حسني مبارك مع استبدال بعض الكلمات لتتناسب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (We chose him we elected him) مع الاحتفاظ بنفس ايقاع لحن الأغنية العربي ، وإذا كان ترامب استفاد من حالة الانقسام المؤسسي والمكايدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي تعيشها أميركا حاليا على نهج التجارب العربية ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، فإننا نحن العرب نعاني الأمرين جراء هذا الانقسام مابين مؤيد ومعارض لهذا أو ذاك ، والذي ألقى بظلاله بشكل سلبي على قضايا منطقتنا العربية ، والمأمول حالياً أن يلتزم العرب جادة الصواب حرصاً على مصالحهم أياً تكن هوية الفائز فالنتيجة واحدة ، فهل يعي ذلك أصحاب العقول؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى