د. صالح الفهدي

سلطنة عُمان
آراء

مؤشرات مُقلقة (1) تقلُّص أعداد السُّكان!

بقلم : د. صالح الفهدي

Advertisement

مؤشراتٌ تلوح لي صورتها في الأُفق تتعلَّقُ بأعداد السُّكان على هذه الأرض الطيبة ، وهي في الحقيقةِ مؤشراتٌ مقلقةٌ ، ومع أَنِّي أُدركُ بأنَّ البعضَ له نظرةٌ تنبثُقُ من عينٍ باردةٍ ، لا تريدُ إثارة ما تحسبهُ نقاطاً سلبيَّة لا يعني طرحها -في نظره- إلا مجرَّدَ الإِثارة ، إلا أن علينا واجباً نحو أوطاننا ووجودنا وهويَّتنا العريقة يفرضُ علينا أن نقومُ به بغضِّ النظر عمَّا يراهُ المخالفون لهذا التوجُّه.

أوَّلُ هذه المؤشرات هو تناقصُ أعداد العُمانيين  بصورة تدريجية سنةً بعد أُخرى حسب الإِحصاءات المنشورة ، وهذا مؤشرٌ خطيرٌ جداً ، مما يجعلنا ننظر بقلقٍ إلى عام 2040 وعام 2050 من حيث عدد المواطنين ، ولكن مع هذا الانخفاض الملحوظ في أعداد المواليد فإِننا عددنا سيتقلَّص كثيراً !! ، إذ تبيِّن الإحصائيات هذا العام – ولأول مرة – أنَّ الوافدين الذكور يفوقون العُمانيين الذكور! ، وإذا طالعنا المؤشر البياني للإحصائيات المتعلقة بأعداد المواليد في السلطنة نجدُ الانخفاض في أعداد المواليد يسيرُ نحو الأسفل ، إذا أن العام 2017 شهد مولد 90 ألف طفل عُماني ، في حين انخفض هذا المعدَّل إلى 82 ألف في عام 2021 ، وقبل هذا العام كانت  نسبة الانخفاض 2.58% ، وتوالى الانخفاض في أعداد المواليد في العام 2022 إلى 75 ألف ، ناهيكم أن هناك في المقابل وفيَّات إذا أضيفت إلى فارق الإنجاب سيكون العدد المفقود في أعداد السكان كبيراً!.

Advertisement

هذا المؤشِّر الخطير مقلقٌ للغاية ، فنحنُ شعبٌ قليل في عدده لا يصل إلى الثلاثة ملايين نسمة ، بنسبة 47% في حين يشكلِّ الوافدين فيه نسبة 2%  أي  ما يقاربُ من نصف السكَّان!!

أما الأسباب التي تقفُ وراء هذا الانخفاض فهي واضحة ، وعلى رأسها : أولاً : كثرة الباحثين عن العمل ، ما يعني عدم استقرارهم اجتماعياً وعدم قدرتهم -المادية تحديداً- على الزواج وتكوين أُسرة في عمرٍ مبكِّر ، ثانياً : تأخُّر سن الزواج لأسباب مادية واجتماعية لغلاء المهور ، والالتزامات المالية المتعلقة بالزَّواج والبيت ، ثالثاً : الاقتصار على عدد لا يتعدى 3 من الأبناء في الغالب نظراً لما يردُّه البعض عائداً إلى طبيعة الحياة الاجتماعية والالتزامات الوظيفية والمادية وما يتطلبه الأبناء من التزامات تربوية ومالية.

إِن الصين التي فرضت في عام 1979 سياسة الطفل الواحد قد تقلَّصت نسبة الإنجاب فيها فوجدت نفسها في خطر الانكماش السكَّاني حتى عادت عام 2015 لترفع شعار “إنجاب الأطفال من أجل البلاد” رغم أنها فاقت المليار والربع نسمة ، لكن هذا الشعار لم يجد صداه لدى الصينيين بعد رسوخ ثقافة الطفل الواحد.

هنا على صانعي السياسات لدينا أن يتمعَّنوا في هذه المؤشرات المُقلقة جداً ، فإذا استمرَّ الانخفاض في الهبوط بصورة سنويَّة فإِنَّ أعداد العُمانيين سيقل إلى درجة غير طبيعية وخطيرة. ولا مناص من تدارك الوضع قبل أن يصل عدد العُمانيين إلى نسبة قليلة جداً ربما مقابل ارتفاع أعداد الوافدين الذين سيفتح لهم الباب على مصرعيه لملء الأعمال الشاغرة ، وهذا ما يحدث في أوروبا!.

أما عن الحلول التي أرى أن على صانعي السياسات في هذا الوطن أن يُسرعوا إلى الشروع بها وتبنيها فهي :

أولاً : توفير وظائف للشباب الباحثين عن العمل  بأَية طريقة كانت ، وتحمُّل الحكومة لنسبة مشجعة من رواتب العاملين في القطاع الخاص.

ثانياً : توفير أراض سكنية للمتزوجين بصورة فورية.

ثالثاً : إنشاء صندوق لدعم الزواج ، وتقديم منح لتشجيع المتزوجين خاصة من العُمانيين والعُمانيات.

رابعاً : تقديم مكافآت لكل طفل ينجب من أجل زيادة الإنجاب حتى يصل عدد المواليد إلى (5) مواليد على الأقل.

خامساً : تغيير ثقافة المهور المرتفعة ومصاريف الزواج الباهظة بقوة القانون، وهي مصاريف تقصم ظهر المتزوجين، وتحديد مبالغ محددة، يُلزم على إثرها بتقييد عقد الزواج بما فيه من شروط لدى الكاتب بالعدل ووفق مبلغٍ لا يتعدى ما يحدده مختصُّون في هذه الشؤون.

هذه بعض ما طرأت في ذهني من حلول تزيدُ أو تنقصُ لكنني أرى أن هذا الأمر يفترض أن يحتَّل أولويات لدى الحكومة ، حيث أن الرؤى التنموية لا يمكن أن تحقق غاياتها إلا للإنسان على ظهر هذه الأرض العُمانية ، هذا فضلا على أنَّ بقاء الأُمة العمانية مرهونٌ بوجود البشر على قطعة أرضٍ تسمَّى “وطناً” ، كما أننا لا يمكن أن نتخيَّل أجيالنا القادمة تتضاءل لتصبح غريبةً ، قليلة العدد في وطنها ، غير قادرةٍ على بنائه ولا لصنع سياساته ، ولا لتحريك اقتصاده .

هذا مؤشرٌ خطيرٌ أرجو أن يلتفت له ويُعتني به صانعو السياسات ، ويضعونه في صدارة اهتماماتهم لأنَّ الأمر متعلِّقٌ بمصير الوطن ، ومستقبل الأُمَّة.

المصدر : الرؤية

https://alroya.om/post/330418

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى