GreatOffer
آراء

لون الحلم على جدران الوطن: الفن التشكيلي العُماني بريشة فهد المعمري

بقلم: سيلينا السعيد

Advertisement GreatOffer

(1) مدخل إلى الألوان المتنفسة

في عُمان ، حيث تهمس الجبال للبحر وتعلو الرياح بنبض النخيل إلى السماء، يزدهر الفن كما تنمو الأشجار العتيقة في قلب الصحراء. إنه ليس مجرد ضربات فرشاة أو ألوان تتراقص على قماش ، بل هو نبض الأرض وصوت الجدران التي تحكي تاريخًا غير مكتوب بالحروف ، بل باللون والظل والضوء.

Advertisement

منذ عقود ، يستمد الفن التشكيلي العُماني قوته من روحه الخاصة ، متأرجحًا بين الأصالة والتجديد ، بين تراث يرفض النسيان وحداثة تأبى الإغفال. في كل لوحة ، هنالك صدى لأغاني البحّارة ، لخطوات القوافل على الرمال ، ولحكايات الجدات التي تُروى تحت ضوء القمر.

وفي وسط هؤلاء الحالمين الذين حملوا عُمان على أطراف ريشاتهم ، يبرز اسم فهد المعمري ، الفنان الذي لا يرسم بيده فقط ، بل بروحه ، الذي جعل من اللون مرآة تعكس تفاصيل الحياة ومن القماش نافذة مفتوحة على الماضي والمستقبل.

(2) فهد المعمري: الفن كما هو وطن

وُلِد فهد بن سالم المعمري عام 1985، وكأن الألوان قد اختارته منذ اللحظة الأولى ، وكأن الفرشاة كانت امتدادًا طبيعيًا لأنامله. لم يكن فنانًا بالمصادفة ، بل كان قدره أن يطوّع اللون ليحكي قصصًا لا تُحكى بالكلمات.

الفن

حصل على بكالوريوس في التربية الفنية من جامعة السلطان قابوس، ثم استمر في دراسة التصميم في الهند ، حيث تعلم كيف تمتزج الألوان بين الروح الشرقية وحداثة العصر ، بين عبق الماضي وطموحات الحاضر. ورغم ذلك ، لم ينسَ أبدًا أرضه التي نشأ فيها. بقي وفيًا لملامحها ، يستخرج من ذراتها قصصًا يسكبها على لوحاته ، لتصبح عُمان هي بطلة أعماله.

(3) لوحات تنبض بالحياة: عندما يتكلم اللون

كل لوحة يرسمها المعمري ليست مجرد مشهد ، بل هي قصة متكاملة تُقرأ بالعين وتُحس بالقلب. في معرضه الشهير “تكوير” ، الذي أُقيم في الدمام ، لم يكن يعرض لوحات فقط ، بل كان يعرض الحياة العُمانية كما يراها قلبه—إيقاع السوق الشعبي ، وهالة الضوء فوق المساجد القديمة ، ووجوه العُمانيين الذين خطّت ملامحهم الشمس والملح والزمن.

في لوحته “شروق الشمس”، ينبض الضوء كجزء من اللوحة نفسها، كأنه يوقظ الأرض العُمانية من سباتها. أما في “بعد المطر”، فإن رائحة التراب تفوح ، السماء تنحني لتقبّل الأرض ، والسكون العذب يعم بعد العاصفة ، تمامًا كالعناق الذي يلي الغياب.

لوحات فهد المعمري ليست ثابتة أو مجرد مشاهد تُعلق على الجدران، بل هي مشاهد تُعاش. يمكن للمرء أن يسمع صوت الأطفال يركضون في الأسواق ، أن يشم رائحة الخبز المخبوز على الحطب ، وأن يشعر بنسيم البحر الذي يلامس وجوه الصيادين وهم يسحبون شباكهم كل صباح.

(4) الفن كتاريخ حيّ: لماذا نحتاج إلى لوحات تحكي؟

يقول المعمري: “تجربتي لم تكن بمعزل عن المجتمع.”

هنا تكمن قيمة فنه، فهو لا يعزل الجمال عن الواقع، بل يرسم كما يرى ويحس. هو يعكس الحياة كما هي، بكل بساطتها وعُمقها. في زمن تتجمد فيه الأشياء في عالم رقمي بارد، تصبح اللوحة الحقيقية ملاذًا دافئًا، طريقة للعودة إلى الذات، إلى الجذور.

الفن ليس مجرد رفاهية ، بل هو ذاكرة وطن وتاريخ يُكتب باللون. لهذا، عندما ينظر العُماني إلى لوحات المعمري، لا يرى مجرد مشهد جميل، بل يرى نفسه، تاريخه، ووطنه الذي لم يبرحه يومًا.

(5) الفن الذي لا يموت: ريشة تعبر الأجيال

يقال إن الفن العظيم لا يُنسى، وأن الألوان الحقيقية لا تخبو مع الزمن. أعمال فهد المعمري ليست مجرد لوحات جميلة، بل هي نوافذ مفتوحة نحو عُمان الحقيقية، نحو البساطة التي تتوهج، نحو الحياة التي تُعاش في تفاصيلها.

وفي كل مرة يُمسك فيها فرشاته، ويُغمسها في اللون، يشبه ذلك كتابة رسالة حب جديدة للوطن، وكأنما يقول لعُمان: “أنا أراكِ، وأرسمكِ، وأحفظكِ في الذاكرة… حتى حين تتغير الأشياء.”

إنه الفن الذي لا يموت، بل يبقى شاهدًا على الجمال… للأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى