آراء

لماذا نغضب من عنصرية الغرب ونتغاضى عن عنصريتنا؟

بقلم: سامر شعلان

Advertisement

تتعدد أشكال العنصرية في عالمنا العربي بصورة مذهلة، وتتفرع إلى درجات يصعب حصرها، حتى ليخيّل إلينا أن إرث عنصرية الجاهلية قد تضاعف وتفنن وتلون مع مرور الزمن.

في الماضي، كان العرب يفاخرون بالنسب والقبيلة، ويفضلون الذكور على الإناث، أما اليوم فقد تمددت مظاهر العنصرية لتشمل تفاصيل الحياة كلها؛ من الانتماء الوطني إلى الطبقة الاجتماعية، المظهر، الوظيفة، وحتى اللهجات والمناطق.

Advertisement

في عالمنا العربي، يكاد كل شعب يفاخر بجنسيته ويقلل من شأن جنسية غيره. ينظر البعض إلى شعوب أخرى على أنهم “بدو”، أو “جهلة”، أو “أثرياء بلا ثقافة”، بينما يُوصف آخرون بأنهم “فقراء جاءوا ليأخذوا لا ليضيفوا”، دون أن يدركوا أنهم بشر يسعون وراء لقمة عيش شريفة، لا أكثر.

وإذا تأملنا المشهد داخل كل مجتمع عربي على حدة، نجد أن العنصرية لا تُمارس فقط ضد “الآخر”، بل تخترق النسيج الداخلي ذاته. يتفاخر أحدهم بانتمائه القبلي، ويزدري آخر لأنه من الشمال أو الجنوب، ويُحكم على الناس من خلال أحيائهم، مهنهم، ألوان بشرتهم، ومستوى تعليمهم.

أصبحنا نملك قدرة مذهلة على تحويل كل اختلاف إلى مبرر للازدراء أو الإقصاء أو التنمّر!

والأدهى من ذلك، أننا حين نرى عنصرية الغرب تجاهنا نشتعل غضبًا، نُغير صور حساباتنا على وسائل التواصل، ونطالب بالعدالة وحقوق الإنسان، بينما نحن في مجتمعاتنا نمارس عنصرية أشدّ عمقًا واعتباطًا… ولا أحد يحتج، ولا أحد يتكلم.

العربي المعاصر، على المستوى الواعي، قد يظن نفسه متسامحًا ومنفتحًا، لكنه على المستوى الثقافي المتجذر، لا يزال أسيرًا لتراث عميق يعيد إنتاج نفسه في تفاصيل حياته اليومية، وفي نظرته إلى المختلف، إلى الأقل حظًا، إلى من لا ينتمي إلى “دائرته”.

كم مرة رأينا عاملًا يُهان فقط لأنه فقير أو من جنسية أخرى؟ ولو كان هذا العامل من أصحاب النفوذ أو الثروة، هل كان أحد ليتجرأ على الإساءة إليه؟ بالتأكيد لا.

فقد أصبح المال والمنصب والجغرافيا الأخلاق الحاكمة، بينما ينهار الضمير أمام أول اختبار حقيقي.

والمفارقة الساخرة أن من يمارس العنصرية غالبًا ما ينكرها بشراسة، وإذا وُجه بها، يرد بعبارات مثل: “أنا فقط أدافع عن وطني”، أو “أحمي بلادي من الغرباء”، وكأن هذه المبررات تمحو جوهر السلوك أو تلغي عنصريته. لكنها ليست سوى تكرار باهت لما ردده العنصريون في كل زمان ومكان.

ظننا أننا نملك العالم حين فاخرنا بعروبتنا وأصولنا، لكننا لم نبلغ القمم إلا حين جاء الإسلام بمبادئه الرفيعة، فوحدنا، وسوى بيننا، وأرسى أسس العدالة والكرامة الإنسانية.

ومع ذلك، لا يزال البعض يظن أن انتماءه الجغرافي أو العرقي يمنحه امتيازًا إنسانيًا على غيره!

فهل نراجع أنفسنا قبل أن تبتلعنا هوة العنصرية التي نهوي فيها من درك إلى آخر؟

هل نجرؤ على مواجهة مرآة قبحنا، قبل أن نطلب من الآخرين أن ينصفونا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى