آراء

لماذا تم إلغاء ترخيص إحدى الشركات المالية؟

بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي

Advertisement

جاء القرار الإداري لهيئة الخدمات المالية بعُمان بإلغاء ترخيص شركة “سي إف آي CFI” المالية من العمل في مجال الأوراق المالية، في وقت يحرص فيه القطاع الخاص وخاصة المؤسسات المالية والمصرفية على تقديم المزيد من الخدمات للعملاء المستثمرين في بورصة مسقط وتنويع مصادر الاستثمار والادخار في السوق، بجانب تعزيز الثقافة المالية للعاملين في تلك القطاعات المرتبطة بها.

وكان القرار واضحًا بضرورة شطب قيد تلك الشركة من سجل الشركات العاملة في هذا المجال مع ذكر العديد من الأسباب التي تدعو لاتخاذ مثل ذلك القرار. وهذا لا يُعطي الفرصة لتلك الشركة وأمثالها من الشركات للعمل مرة أخرى في تلك المجالات.

Advertisement

وكما نعرف أنَّ هيئة تنظيم الخدمات المالية في سلطنة عُمان تؤدي دورًا كبيرًا في تنظيم أعمال السوق وحماية المستثمرين، وتتخذ العديد من الخطوات ووضع الاستراتيجيات لمواجهة التحديات التي قد تواجه الشركات المالية وكذلك العملاء في السوق، خاصة في أوقات الأزمات أو عند ظهور مخاطر كبيرة. وقد ذكرت الهيئة- في بيانها- أن قرار الشطب جاء نظرًا لمخالفة الشركة الالتزامات المنصوص عليها في المادة 34/أ من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، موضحة بأن الشركة تجاوزت حدود الترخيص الممنوح لها، وقامت بممارسة نشاط تسويق الأوراق المالية غير العُمانية دون الحصول على ترخيص، الأمر الذي يعدّ مخالفًا لقوانين سوق رأس المال.

إن إلغاء الترخيص في مثل هذه الحالات في نظر مسؤولي الهيئة هو إجراء تنظيمي وضروري للحفاظ على نزاهة السوق، بالرغم من أنه يؤثر على بعض الأفراد والشركات، إلّا أنه يصبّ في مصلحة الاستقرار المالي والعدالة السوقية. وفي جميع دول العالم، فإن الهيئات المالية تقوم بهذا الإجراء وتلغي رخص الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية لضمان حماية المستثمرين والحفاظ على نزاهة السوق. وهذا الإجراء يأتي نتيجة عدم التزام الشركات المخالفة باللوائح وعدم امتثالها للقوانين والأنظمة المالية المعتمدة، مثل قواعد الشفافية، والإفصاح المالي، والحوكمة، بجانب الاستمرار في ممارسات غير أخلاقية أو غير قانونية كارتكاب عمليات الاحتيال، أو التلاعب بالسوق أو الاستمرار في سوء الإدارة.

وهناك أيضًا أسباب أخرى لإلغاء التصريح، مثل حصول ضعف الأداء المالي لدى تلك الشركات، وتدهور الملاءة المالية لها، أو عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية، بجانب الاستمرار في الشكاوى من قبل العملاء حول تعاملات غير عادلة أو غير شفافة بالإضافة إلى عدم تجديد الترخيص المالي، أو الإفراط في المخالفات.

ويرى بعض المختصين في مجال الأسواق المالية أن إلغاء تصاريح الشركات المخالفة غالبًا ما يكون في صالح السوق والاقتصاد بشكل عام؛ لأنه يقي من الممارسات غير القانونية ويحافظ على استقرار السوق. وعلى مستوى الأفراد والمؤسسات، فإنَّ ذلك قد يتسبب في خسائر فورية، خاصة إذا كانت الشركة المُلغاة تؤدي دورًا رئيسيًا في استثماراتهم، لكن على المدى الطويل، فإنَّ حذف الشركات المخالفة يحمي المستثمرين من مخاطر أكبر، ويُعزز ثقة السوق بشكل عام.

ومن هذا المنطلق أكدت هيئة الخدمات المالية في بيانها أنَّ قرار إلغاء تلك الشركة جاء في إطار حرصها على حماية نزاهة وعدالة السوق المالية وضمان التزام المؤسسات العاملة في مجال الأوراق المالية بالمعايير القانونية والرقابية، وبما يحقق المصلحة العامة.

وفي متابعة حركة الشركات العاملة في هذا القطاع في عُمان والمنطقة بشكل عام، نجد أن تلك الشركات واجهت الكثير من التحديات والمشاكل كغيرها من الشركات الأخرى التي أثرت على قدرتها على الاستمرار والنمو. ومن أبرز تلك التحديات التي واجهتها، الأثر الاقتصادي الذي تركته جائحة “كوفيد-19″، والتي تسبَّبت في تراجع النشاط الاقتصادي، وتأثر العديد من القطاعات، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الطلب على الخدمات المالية وزيادة مخاطر الائتمان. كما إنَّ السوق العُماني بوجه عام يعاني من ضعف التنوع الاقتصادي، وأن الاعتماد الأكبر هو على القطاعات النفطية؛ الأمر الذي يحد من قدرة الشركات على التكيّف مع التقلبات السوقية، مما يضع ضغطًا على المؤسسات المالية.

كما إن هناك العديد من المخاطر الائتمانية وارتفاعها، مع وجود تحديات سداد القروض خاصة للشركات والأفراد، الأمر الذي يزيد من مخاطر القروض غير المسددة، وبالتالي يهدد استقرار البنوك والمؤسسات المالية. كما أن بعض الأسباب الأخرى ترتبط بالتشريعات والتنظيمات، ويتطلب الأمر مواكبة المستجدات والتحديثات بجانب الاستمرار في مواجهة تحديات التكنولوجية والتقنيات المالية لمواكبة المنافسة العالمية.

وهذا ما يتطلب من الشركات والمؤسسات المالية بالاستمرار في المرونة والقدرة على التكيّف، إضافة إلى دعم جهود الشركات المالية بصورة أكبر من قبل السلطات المعنية وذلك لتعزيز قدرتها على التصدي للمخاطر، وتحسين بيئة الأعمال، وتنويع مصادر الدخل، وزيادة قدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والتقنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى